في مشهد مثير للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت لقطات مصورة توثق لحظة غير معتادة خلال عملية تبادل الأسرى بين “كتائب القسام” والاحتلال الإسرائيلي.

ففي هذه اللقطات التي تداولتها وسائل الإعلام الفلسطينية، يظهر أسير إسرائيلي يتقدّم بخطى محسوبة نحو أحد مقاتلي “القسام” على منصة التسليم في مخيم النصيرات بقطاع غزة، ليُقبّل رأسه قبل أن يلوّح بيديه معبّرًا عن فرحته بإطلاق سراحه.

يُعتبر هذا التصرف رمزًا معقدًا يحمل بين طياته رسائل سياسية وثقافية عميقة تتداخل مع سرد القضية الفلسطينية ومواقف المقاومة في مواجهة العدوان.

https://x.com/rdooan/status/1893249661827236218

 

رمزية المقاومة

تأتي هذه اللقطة ضمن سياق اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 19 يناير الماضي بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، والذي شهد تبادل أسرى من كلا الطرفين.

ففي المرحلة الأولى من الاتفاق، أُفرج عن ستة أسرى إسرائيليين في دفعتهم السابعة والأخيرة، مقابل التزام الاحتلال بإطلاق سراح 602 أسرى فلسطينيين.

وقد تزامنت مراسم التسليم مع حضور جماهيري واسع ومشاركة مقاتلي “كتائب القسام”، ما يعكس حجم التأييد الشعبي للقضية الفلسطينية وارتباط المواطنين بها.

ترتبط لقطات منصة التسليم بعدة رموز وشعارات وطنية صيغت بعناية لتكون رسالة موجهة لدولة الاحتلال.

فقد ظهرت على المنصة عبارة “نحن الطوفان.. نحن البأس الشديد”، التي تُبرز روح المقاومة والقدرة على مواجهة العدوان بأسلوب يحاكي ردود الفعل الشعبية.

كما ترددت عبارة “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، مستوحاة من كلمات الشهيد يحيى السنوار، الذي كان له دور بارز في صياغة الخطاب الثوري لحركة المقاومة. وتؤكد هذه الشعارات على وحدة الصف الفلسطيني وعلى الإيمان بأن لكل عمل بطولي صدى يتردد بين أفراد الشعب.

ومن جانب آخر، لم تقتصر الرمزية على الكلمات فقط، بل امتدت إلى اللافتات والرموز البصرية؛ فقد وُضعت في مخيم النصيرات لافتة كبيرة بثلاث لغات (العربية والعبرية والإنجليزية) كتب عليها “الأرض تعرف أهلها.. مِن الأغراب مزدوجي الجنسية”.

وترمز هذه اللافتة إلى تمسك الفلسطينيين بأرضهم وإلى حقيقة أن الهوية لا تُباع، مهما كانت الضغوط السياسية والمواقف الدولية. وتبرز صورة الشجرة التي تحمل جذورًا عميقة في الأرض، ممزوجة بالعلم الفلسطيني، دلالة على الثبات والتجذر في مواجهة محاولات الاحتلال لطمس الهوية.

 

إنسانية المقاومة ونازية الاحتلال

يأتي هذا المشهد بعد توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، والتي خلفت وراءها أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى بين الفلسطينيين، منهم أطفال ونساء.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يكتسب تبادل الأسرى بُعدًا إضافيًا كرمز للتسامح والمعاملة الإنسانية التي يتميز بها سلوك المقاومة الفلسطينية، مقارنةً بأساليب الانتقام والقمع التي يتبناها الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين.

وهذا التباين يكشف عن مدى تباين السياسات والسلوكيات بين الطرفين، حيث يبدو أن حتى الأسرى الإسرائيليين يجدون أنفسهم مضطرين للتعبير عن امتنانهم للجهود المبذولة لحمايتهم من نيران نتنياهو.

ختامًا، يعكس هذا الحدث الرمزي معاني إنسانية وسياسية متعددة، فهو ليس مجرد إجراء تبادل أسرى، بل هو رسالة واضحة بأن المقاومة الفلسطينية قادرة على تحويل لحظات الاستسلام إلى إعلانات نصر، وأن الشعب الفلسطيني لن يتراجع عن حقوقه وتاريخه المجيد في مواجهة الاحتلال.

وتظل هذه اللقطة مادة دسمة للتحليل، فهي تبرز تناقضات عميقة في ممارسات الاحتلال وتسلط الضوء على قدرة المقاومة في توظيف الرموز والشعارات لتعزيز روح الانتصار والوحدة الوطنية بين أبناء القضية.

 

اقرأ أيضًا : من رفح إلى مخيم النصيرات: عملية تبادل الأسرى تنطق برسالة التحدي