العدسة – معتز أشرف

يبدو أن سوريا ستظل ضحية تجاذبات الروس والأمريكان لفترة ليست بقصيرة، رغم محاولات المخلصين إنجاز الحقوق السورية المشروعة بحلول دولية ذات مصداقية، فقد تحول ملف التسوية السياسية إلى نقطة تجاذبات بين المعسكرات الدولية المتنافرة، لخّصها التصريح الأخير لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي أكد على ضرورة أن تتم عملية السلام السورية تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف وليس تحت رعاية روسيا في سوتشي، وأبرزته تحركات على الأرض بمقاطعة المؤتمر الروسي من أمريكا وباريس وأطراف معارضة، ما يضع الشعب السوري وثورته بين فكي الرحى، بشكل يوحي بمعركة دولية موازية للمعركة الدائرة علي الأرض.

رفض وتخوين

بالتزامن مع إعلان رئيسُ هيئةِ التفاوض السورية المعارضة نصر الحريري عدمَ مشاركةِ الهيئة في مؤتمرِ سوتشي أعلنت باريس وواشنطن عن عدم مشاركتهما في المؤتمر الروسي للحوار السوري الذي انطلقت أعماله الاثنين في مدينة سوتشي جنوبي روسيا، وأعرب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان عن شكوكه في إمكانية أن يحقق المؤتمر تقدما ما في تسوية الأزمة السورية، مشيرا إلى أن موقفه هذا من “فشل” الجولة التاسعة من المفاوضات السورية السورية في فيينا قائلا: “لا أعتقد أنه سيكون هناك تقدم في سوتشي، وخاصة لغياب عنصر مهم (من المعارضة السورية) هناك، وذلك بسبب رفض النظام (السوري) خوض الحوار في فيينا”، مؤكدا أن بدائل المفاوضات الجارية تحت رعاية الأمم المتحدة “ليست خيارا جيدا”.

وفي موجز صحفي في باريسقال ألكسندر جيورجيني، مساعد المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية: “المفاوضات برعاية الأمم المتحدة تبقى إطارا شرعيا وحيدا لتسوية الأزمة السورية، بناء على القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي وبيان جنيف. أما سائر المبادرات، بما فيها اللقاء في سوتشي المنظم من قبل روسيا، فيجب أن تستهدف دعم العملية الدولية وأن تصب في هذا الإطار، مؤكدا أن المعارضة السورية لم تتوجه إلى سوتشي، وبالتالي لن تشارك فرنسا في الأعمال التي ستجري هناك”، فيما أعلنت المتحدثة باسم البعثة الدبلوماسية الأمريكية في روسيا ماريا أولسين أن “الولايات المتحدة قررت الامتناع عن حضور المؤتمر بصفة دولة مراقبة، معربة عن تضامن واشنطن مع قرار الهيئة التفاوضية الموحدة التابعة للمعارضة السورية والمتمخضة عن مؤتمر “الرياض-2”.

الخيانة جزاء ممن شارك، بحسب مجلس حوران الثوري الذي أصدر بيانا وجه فيه اتهامات بالخيانة لعدة شخصيات من أبناء محافظة درعا، حضرت مؤتمر سوتشي، غالبيتهم من مؤيدي نظام الأسد ويعيشون في مناطق سيطرته، مؤكدا أن هناك أشخاصا يدّعون تأييد الثورة ويعيشون في مناطق سيطرة الثوار قد لبوا نداء روسيا لحضور مؤتمر سوتشي، وحضروه وتواصلوا مع روسيا من أجل مساعدتها على تحقيق أهدافها بالبقاء في قاعدة حميميم، وطرطوس، ووأد الثورة، فيما اتهموا روسيا التي وصفوها بحليفة نظام الأسد بعقد المؤتمر كمحاولة لإعادة تصنيع نظام الأسد، وإعادة تأهيل القتلة من جديد، ليصبحوا حكاما لسوريا، بشرعية قانونية، وشعبية كاذبة، وهم يعلمون تماما أنها دولة معادية، وفي حالة حرب مع الشعب السوري، وحيث إن القانون العربي الموحد يجرم هذه الاتصالات غير الشرعية، ويعاقب على هذه الأفعال وفق الفقرة الثانية من المادة 215.

احتفاء روسي

في المقابل أعرب الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف عن قناعته بأن يغيب بعض ممثلي المعارضة السورية عن لقاء سوتشي لن يحبط القائمين على المؤتمر كما لن يقلل من أهميته، بالتوزاي مع دعاية روسية واسعة زعمت مشاركة  1511 سوريا، منهم 107 ممثلين عن المعارضة الخارجية، مع خطاب روسي يغازل الشعب السوري، حيث افتتح المؤتمر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بكلمة للرئيس فلاديمير بوتين، رحب فيها بالمشاركين، وأكد فيها على أن الشعب السوري وحده من يقرر مصيره!.

وذكرت اللجنة المنظمة للمؤتمر أن المشاركين يمثلون مختلف مكونات المجتمع السوري العرقية والطائفية والسياسية والاجتماعية، مشيرة إلى أن ممثلي المعارضة الخارجية قدموا من جنيف، والقاهرة، وموسكو، إلا أن وفد المعارضة السورية الذي قدم من أنقرة قرر في آخر لحظة، عدم المشاركة في المؤتمر والعودة من حيث أتى، ما شكل ضربة لجهود روسيا دفعت مسؤولا روسيا رفيعا إلى التصريح بوضوح أن “سوتشي ليست بديلا عن جنيف”، حيث اعتبر قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي، بعد استضافة بلاده المؤتمر  أن “صيغة سوتشي” لا تحل محل جنيف وليست بديلا عنها، أعقبه تصريح لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف حاول فيه حفظ ماء الوجه بقوله “مؤتمر سوتشي نجح واللجنة الدستورية ستعمل في إطار جنيف”، إلا أن كوساتشوف عاد علي حسابه على  فيسبوك وأكد أن ” مشاركة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، في الحدث السياسي في سوتشي، “بارك” المؤتمر نيابة عن الأمم المتحدة وأيد قراراته التي ستنفذ بالفعل في محادثات جنيف”!

من جانبها أكدت هيئة التفاوض رفض المؤتمر الروسي وذلك لعدة أسباب أهمها الشروط المسبقة التي وضعت من قبل روسيا، ومطالبها بأن تكون المفاوضات مع النظام، برعاية أممية، حيث قال رئيس وفد هيئة التفاوض المعارضة نصر الحريري، أن أطيافا واسعة من المعارضة طالبت الهيئة بعدم المشاركة، وأكد أن الهيئة ستتابع نقاشاتها مع الجانب الروسي بشأن رغبة موسكو في إيجاد حل سياسي للأزمة، مشيرا إلى أن الدفع بالعملية السياسية هو جمع المساعي الدولية بطريقة مشتركة، من أجل التوصل إلى آلية جديدة لتطبيق القرار2254، وان الروس لم يمارسوا أي ضغوط على الهيئة، قائلا: “إننا دخلنا فى مناقشات مستمرة مع الجانب الروسي، فى سبيل جعل المبادرة مفيدة من أجل تنفيذ القرار2254، ومسار جنيف، ولكن قرارنا النهائي عدم المشاركة فى سوتشي جاء بناء على إرادة شعبنا، ونتيجة الممارسة الديمقراطية، وفي حواراتنا مع الروس ناقشنا لماذا يعقد سوتشي؟ وأجندته ونتيجته، وما هو دور الأمم المتحدة فيه ودور المعارضة، ونحن موجودون لمناقشة التفاوض السياسي بناء على القرار الأممي، ويجب أن يتم بين النظام والمعارضة، كما أن الحوار الوطني يجب أن يتم فى مرحلة انتقالية بناء على دستور جديد، وانتخابات بناء على هذا الدستور”.

صراع أمريكي روسي

مراقبون محسوبون علي الجانب الغربي أكدوا أن مؤتمر سوتشي هو “إنهاء لجنيف وإغراق للمعارضة السورية” في منتجع بوتين المفضل”، ومحاولة لخطف الأنظار من محادثات أستانا، وبحسب تقرير لصحيفة دويتشه فليه الألمانية المعروفة أكد أنه لم تنجح الجولة السابعة من محادثات أستانا في حسم النقاط التي طرحت على طاولة النقاش والمتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين وتبادل الأسرى، لكن موسكو الراعية لهذه المحادثات، حاولت تدارك هذا التعثر بالدعوة إلى إطلاق مسار جديد عبر عقد المؤتمر في سوتشي الروسية، بغرض إغراق المعارضة في المنتجع الروسي بالتزامن مع إعلان حكومة بشار المشاركة في المؤتمر بهدف “صياغة دستور جديد “مضيفة أن الفرصة باتت مناسبة لعقد المؤتمر بفضل مكاسب الجيش السوري والقضاء على “الإرهابيين”.

مسار سوتشي الذي يركز على القضايا السياسية، بما فيها مناقشة دستور سوريا، والانتقال السياسي، عكس اجتماعات أستانا التي تركزت في معظمها على مناقشة القضايا العسكرية خاصة مناطق خفض التوتر، وحاول إلغاء وجود مسار دولي معتمد، وهو مفاوضات جنيف، وهو ما أكده الدكتور خطار أبو دياب القيادي المعارض، في حوار مع DW عربية، حين قال إن “روسيا تحاول إنهاء مسار جنيف من خلال سوتشي، كما تحاول إرساء حل سياسي يساهم في تأهيل النظام السوري ويتيح استمرار انتدابها على الساحة السورية بعد أن استفاد الروس من الورقة السورية في إعادة ترتيب تواجدهم على المسرح الدولي”.

مسار ثالث

قطر وتركيا اتخذا مسارًا ثالثًا، ارتكز علي التأكيد علي الثوابت والعمل علي الحل، حيث اعتبر سفير قطر لدى روسيا، فهد محمد العطية، أن روسيا تلعب دورا بنّاء في التسوية السورية، وأن بلاده تسعى لإنجاح مؤتمر سوتشي وتؤيد جهود موسكو لإحلال السلام في سوريا، وقال العطية في مقابلة أجرتها معه وكالة “تاس” الروسية : ” إن قطر تدعم مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الذي يضم ممثلين عن كامل المعارضة، سواء كانت المعارضة داخل سوريا أو خارج حدودها”، مضيفا “نعتقد أنه يجب عليها (المعارضة) الدخول في حوار دون شروط مسبقة والعمل مع روسيا، وإننا نؤكد مجددا دعمنا للحكومة الروسية وكذلك للسوريين”، مضيفا “سنكون معهم حتى تحقيق تسوية سلمية، قطر تأمل في أن تحل جميع هذه المشاكل سلميا، وإن كان يتعين على بعض الدول التدخل في بعض الأحيان لمواجهة تهديد أكبر فلا يوجد  أي دولة تريد أن تزدهر المنظمات الإرهابية بالقرب من حدودها وتهدد أمنها وشعبها”.

تركيا من جانبها، دعت علي لسان وزارة الخارجية الجهات الفاعلة إلى دفع الأطراف المتصارعة في سوريا نحو حل سياسي ذي مصداقية، وذلك في بيان صادر عن الوزارة التركية حول نتائج مؤتمر سوتشي، الذي قال بوضوح: “تركيا تنتظر من جميع الجهات التي لها نفوذ على الأرض والنظام، لضمان توجيه الأطراف المتصارعة بسوريا، إلى التفاوض لإيجاد حل سياسي ذي مصداقية”، فتركيا اتخذت موقفا بنّاء تجاه مبادرة “مؤتمر الحوار السوري” منذ البداية”، مؤكدا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرى في قمة سوتشي بأنها ستوفر قيمة مضافة لمباحثات جنيف، في حال شاركت فيها الأمم المتحدة، وتم إعطاء معارضة ذات مصداقية الدور الذي تستحقه في المسيرة السياسية، وفق البيان.

ولفت البيان إلى أن الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني السوري، قررا عدم المشاركة في المؤتمر، بسبب خروقات وقف إطلاق النار خلال الفترة الأخيرة، وبعض المخاوف والشكوك التي لم يتم حلها بشأن المؤتمر، وأن وفدا من المعارضة اتجه من أنقرة إلى سوتشي، رفض المشاركة في المؤتمر، على خلفية اعتراضه على صور وشعارات مصحوبة بأعلام للنظام، معلقة في المطار وقاعة المؤتمر، بمناسبة فعاليات اللقاء، مؤكدا أن أهم نتيجة للمؤتمر تتمثل بالدعوة إلى تشكيل لجنة لصياغة الدستور، وتشكيل قائمة مؤلفة من 150 شخصا في هذا الصدد، وأن تركيا تنتظر من المبعوث الأممي إلى سوريا (ستيفان دي ميستورا)، تشكيل لجنة صياغة للدستور، مع مراعاة التمثيل النسبي للمعارضة فيه، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، وحتي يحدث ذلك فالشعب السوري في انتظار انتهاء التجاذبات والاستماع لقرارات حاسمة من المجتمع الدولي .