العدسة – معتز أشرف

في جنيف، حيث المحافل الدولية والحقوقية، يوجد ما يمكن تسميته بمطبعة للأموال الإماراتية والسعودية، التي تعمل بحسب مراقبين بدون توقف، في محاولة لغسيل الأيادي الملوثة بالآلاف من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وتبييض وجهي الطاغيتين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، بجانب ابتزاز المؤسسات الأممية للصمت عن جرائمهما في الداخل والخارج، وهو ما دفع منظمات حقوقية بارزة إلى ملاحقة عناصر الدولتين قانونيا وحقوقيا لوقف تزوير الحقائق التي أهدر فيها الطاغيتان مليارات الدولارات دون جدوى، بالتزامن بذخ هائل لأذرع “بن سلمان” في لندن قبيل وصوله لها، ولكن ماذا تفعل؟! فدائما يتساءل مراقبون ومعارضون: “إيش تعمل الماشطة في الوجه العكر”.

ملايين الرُّشَا!

فيما يطلق “بن سلمان” حملات للتقشف وملاحقة الفساد، تكشف أرقام رسمية وبحسب صحيفة “عكاظ” السعودية رصدت وزارة المالية السعودية مبالغة في فاتورة إقامة وفد هيئة حقوق الإنسان لدى مشاركته في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان العالمي في جنيف في عام 2011، وبسؤال (العدسة) لمصادر بجنيف أكدت أن تكاليف الإقامة في 2018، قد تصل إلى خمسة أضعاف المبلغ في 2011، حيث رفضت وزارة المالية دفع الفاتورة الخيالية التي شملت قيمة الإقامة والتنقلات للوفد الذي كلفه رئيس هيئة حقوق الإنسان الدكتور بندر العيبان بالمشاركة في اجتماعات جنيف، وبحسب المستندات تجاوزت كلفة إقامة الوفد في واحد من فنادق جنيف 1.3 مليون ريال، بواقع 20 ألف ريال عن الليلة الواحدة لكل عضو في الوفد الذي أقام ست ليال في الفندق السويسري، وأبلغت وزارة المالية في خطاب رسمي هيئة حقوق الإنسان أن المراقب المالي رأى مبالغة في تكاليف انتداب الوفد المشارك في اجتماع دوري غير مصنف في الحالات الاستثنائية، مؤكدة أنها خلصت إلى تأييد رأي المراقب.

الملايين دفعت كرُشًا، وهو ما دفع الهيئة المستقلة لمراقبة «الأمم المتحدة» ومقرها جنيف ونيويورك إلى جانب حقوقيين سويسريين بطلب للشرطة السويسرية باعتقال رئيس جمعية محلية إماراتية والمنسق العام لها لتورط الجمعية في تقديم رشا وغسيل أموال، وطالب الهيئة باعتقال كل من «سرحان الطاهر سعدي» المقيم في سويسرا، والمنسق العام للجمعية الإماراتية «الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان»، والإماراتي «أحمد ثاني الهاملي» الذي يرأس ذات الجمعية، إضافة إلى منظمة أخرى تدعى «ترندز» للبحوث والاستشارات.

وقالت الهيئة إنها تقدمت للشرطة السويسرية بتقرير تفصيلي مدعم بالأدلة وإفادات الشهود حول قيام الأشخاص المتهمين بتوزيع رُشًا داخل الأراضي السويسرية، وداخل مقرات «الأمم المتحدة» إضافة إلى نقل أموال والعمل بصورة غير قانونية، وطالبت بالتحقيق بكل الوسائل الممكنة حول كيفية إيصال تلك الجمعية للأموال إلى جنيف وكيفية إنفاقها، إضافة إلى التحقيق مع الأشخاص والمؤسسات التي تلقت أموالا من تلك الجمعية.

كانت ذات الهيئة في رسالة وجهتها الهيئة لأعضاء مجلس حقوق الإنسان، دعت الشرطة السويسرية إلى فتح تحقيق في مصادر تمويل «الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان»، وقالت الهيئة إنه في أعمال الدورة الـ36 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، دفع مؤسس ورئيس «الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان» الإماراتي «أحمد الهاملي» آلاف الدولارات لمنظمات غير حكومية في سبيل تنظيم فعاليات مناهضة لقطر وداعمة للإمارات، وقدر باحثو الهيئة أن إجمالي ما دفعته «الفيدرالية العربية» من رُشًا وصلت لأكثر من 250 ألف دولار، كانت من نصيب أفراد وناشطين في مجال حقوق الإنسان ينشطون داخل مجلس حقوق الإنسان مقابل التحدث ضد قطر، كما دفعت المنظمة أيضا نحو 180 ألف دولار لطالبي اللجوء الأفارقة في جنيف للمشاركة في احتجاجات ضد قطر، وحسب التقرير، فمن مهام الفيدرالية تقويض مصداقية أي منظمة تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات كـ«هيومن رايتس ووتش» أو «منظمة العفو الدولية».

البذخ الفاشل

رغم البذخ إلا أن الفشل كان حاضرا، فقد رصد المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، سقوط اللوبي السعودي الإماراتي الوهمي في جنيف مع مؤسسات كردية في مؤتمر ما تسمى «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا» والذي تكلف الملايين في مؤتمر لم يحضره أحد، وسبق أن نشر المجهر الأوروبي قائمة ضمت 15 شخصية عربية وإفريقية من ضمنهم مواطنون إماراتيون متهمون بقضايا فساد مالي وغسيل أموال ورشاوى» وشراء ذمم داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.

وكشف المجهر أن أحمد ثاني الهاملي رئيس الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة إماراتية، أحضر مبالغ طائلة إلى جنيف، ومن ثم وزعها على مؤسسات وأفراد في جنيف، وذلك لتلميع صورة الإمارات، وحسب المجهر، فإن الهاملي سلم تلك الأموال لشبكة من النشطاء العرب في جنيف، وضمت القائمة مواطنًا إماراتيًّا يدعى علي راشد النعيمي، وهو عنصر في المخابرات الإماراتية، ورئيس تحرير موقع (بوابة العين) الإخباري، ورئيس مركز هداية لبحوث الإرهاب، وقال المجهر إن النعيمي حضر لجنيف عدة مرات للقاء ممثلي الجاليات الإفريقية، ودفع لهم مبالغ مالية لعقد وقفات احتجاج ضد قطر ودول أخرى.

دبلوماسية الشيكات

«يبدو أن كل شخص» يريد شيئا من السعودية، بهذه العبارة استهلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرا مفصلا عن تسريب موقع ويكليكس نحو 70 ألف وثيقة كدفعة أولى من نصف مليون وثيقة سعودية، تضمنت معلومات عن سياسة المملكة فى الشرق الأوسط، ووصفت الصحيفة سياسات المملكة فى هذا الإطار بـ«دبلوماسية دفتر الشيكات»، والتي استخدمتها للابتزاز أكثر من مرة، فبحسب “رويترز” فإن دولا حليفة للسعودية قامت بضغوط قوية على الأمين العام للأمم المتحدة وقتها “بان كي مون” بعد إدراج التحالف العربي على “القائمة السوداء” الأممية، وأشارت المصادر المقربة من المنظمة، إلى “ضغوط من هنا وهناك” مورست على المنظمة على خلفية هذه الخطوة، مضيفا أن الرياض لوحت بوقف مساعداتها للفلسطينيين ووقف تمويل برامج أخرى تابعة للمنظمة الدولية، مؤكدة أن ما تعرضت له المنظمة الدولية بأنه: “تنمر وتهديدات وضغوط”، مضيفة أن ما حدث “كان ابتزازا بمعنى الكلمة”، وهو ما دفع منظمتي “هيومان رايتس ووتش” و”العفو الدولية” إلى استنكار ما حدث.

 وبحسب التقارير الرسمية، ففي عام 2017، تلقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تبرعات من المملكة العربية السعودية قدرها 2،832،129 دولار، ومن الإمارات العربية المتحدة قدرها 100،000دولار، فيما تلقت في عام 2016، تبرعات من المملكة العربية السعودية قدرها 3،272،164 دولار، ومن الإمارات العربية المتحدة 162،700 دولار.

مليارات الابتزاز!

وتلعب مليارات “بن سلمان” و”بن زايد” دورها في المشهد بجنيف، حيث دفعت “مارك لوكوك” وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية، ومنسق إغاثة الطوارئ، للترحيب بتعهد السعودية والإمارات بتقديم مبلغ مليار دولار لدعم العمل الإنساني في اليمن، فضلًا عن التزامهما بتوفير مبلغ إضافي يصل إلى 500 مليون دولار من المانحين الآخرين في المنطقة، وقال في تصريحات صحفية: إن السعودية والإمارات وافقتا مع الأمم المتحدة على طرق تحويل مبلغ 930 مليون دولار، وذلك بحلول 31 مارس المقبل؛ لدعم خطة العمل الإنساني في اليمن للعام الجاري 2018، موضحا أن الأموال التي ستقدمها السعودية والإمارات تمثل حوالي ثلث مبلغ 2.96 مليار دولار، المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية.

صندوق النقد الدولي التابع للأمم المتحدة كذلك، خطفته مليارات السعودية والإمارات، حيث تحتل المركز الثامن على مستوى العالم بأكمله، والمركز الأول على مستوى العالم العربي بين البلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي من حيث التأثير في عملية اتخاذ للقرار، حيث تقدر حصة المملكة العربية السعودية في الصندوق حوالي 6985.5 وحدة حقوق سحب خاصة، وهذه الوحدات تقدر قيمتها بالدولار بحوالي 10.8 مليار دولار، و قيمتها بالريال السعودي حوالي 40.6 مليار ريال سعودي، وهكذا يواصل الطاغيتان “بن سلمان” ومحمد بن زايد في إهدار أموال شعوبهم من أجل التستر على جرائمهم التي لا تسقط بالتقادم، بحسب ما يقول خصومهم.

من لندن إلى جنيف!

وبالتزامن مع إنفاق السعودية لملايين الدولارات في جنيف، كانت الملايين تتدفق في لندن كذلك لمحاولة موازنة التحركات الشعبية الرافضة لزيارة “بن سلمان”، حيث احتلت الإعلانات مدفوعة الأجر مساحات كبيرة من شوارع العاصمة البريطانية لندن قبيل زيارته الرسمية، وطافت عربات شوارع لندن تحمل عبارات الترحيب به، كما ظهرت لافتات الترحيب المعدة مسبقا به على الأنفاق وواجهات المباني في شوارع لندن الكبرى، وحملت لافتات الترحيب عبارات تعريفية بجهوده في حقوق الإنسان، بحسب زعم السلطات السعودية، وبحساب التقديرات الأولية لهذا الإنفاق بحسب مجلة “ذا أمريكان كونسيرفاتيف“، فإن “السعودية أنفقت ملايين الدولارات على شبكة هائلة من مجموعات الضغط لتلميع صورتها والتغطية على سجلها وتعزيز مصالحها.

وقالت رئيسة تحرير المجلة كيلي بيوكار فلاهوس، في تعليقها على دعاية زيارة مماثلة لـ”بن سلمان”: “تلك الأموال لا تستخدم في تجميل واقع المملكة فقط، ولكن أيضا لتحريف الأخبار السلبية، وتساعد في رسم السياسات المحلية لمصلحة الرياض”.

التجريس متواصل!

ورغم الإنفاق الفاحش، سددت الآليات الأممية ومقررو الخواص بالأمم المتحدة ضربات موجهة تأبى الانكسار على اعتاب المليارات السعودية والإماراتية؛ حيث كشف المقرر الخاص المعنيُّ بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، ميشيل فورست، تصدر رباعي الحصار “البحرين ومصر والسعودية والإمارات” في تقريره السنوي حول الانتهاكات التي تورطت فيها بعض الدول ضد العمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، كما كشفت الآليات الأممية كذلك تصدر مصر والسعودية والبحرين قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في الفترة الزمنية من نهاية يونيو 2017 إلى نهاية ديسمبر 2017، وهو ما دعا مقرري الخواص بمجلس حقوق الإنسان، المعنيين بملاحقة جرائم حقوق الإنسان، إلى وضعهم في صدارة الترتيب الدولي في عدد النداءات العاجلة التي أصدرها المقررون بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.