في ظلّ الأحداث المتلاحقة في السودان والمنطقة، برزت مؤامرات ومناورات إقليمية تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ والسيطرة في هذه المنطقة الحساسة.

فيما يشير العديد من المراقبين والمحللين إلى أن الإمارات العربية المتحدة تلجأ إلى سياسات تقسيمية في السودان بهدف تنفيذ “مؤامرة أبوظبي”، وهي خطة تهدف إلى إحداث انقسامات داخلية في السودان لصالح مصالحها الاستراتيجية. 

يأتي ذلك في سياق سلسلة من التحركات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تشمل دعم ميليشيا الدعم السريع وتمويلها، بالإضافة إلى شراكات استراتيجية مع دول إقليمية مثل كينيا ومصر. 

خلفية الأزمة السودانية

على مدى السنوات الأخيرة، عانى السودان من حالة من الاضطراب السياسي والعسكري، حيث اندلعت صراعات داخلية متشابكة بين القوى العسكرية المختلفة. 

كان هناك توازن هش بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، التي كانت تُعتبر لاعباً أساسياً في المشهد السياسي بعد الثورة.،ومع ذلك، أدى تباين المصالح والأهداف بين هذه الفصائل إلى تفجر الصراع الداخلي، مما أفضى إلى الحرب الأهلية التي استمرت لسنوات وأثرت على استقرار البلاد.

تُعدّ ميليشيا الدعم السريع، التي كانت تحظى بدعم خارجي من بعض الأطراف الإقليمية مثل الإمارات أهم العوامل التي ساهمت في تعميق الانقسامات داخل السودان. 

وقد استغلّ بعض القوى الإقليمية هذه الانقسامات لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية، ما أسهم في تأجيج الصراع الداخلي.

في هذا السياق، برزت الإمارات العربية المتحدة كلاعب إقليمي يسعى لتعزيز نفوذه في المنطقة عن طريق دعم فصائل معينة، مما انعكس على المشهد السياسي والعسكري في السودان.

التدخل الإماراتي واستراتيجية مؤامرة أبوظبي

تأتي التحركات الإماراتية في السودان ضمن استراتيجية إقليمية تهدف إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، ففي إطار “مؤامرة أبوظبي” التي يزعمها بعض المحللين، تسعى الإمارات إلى تقسيم السودان عن طريق دعم القوى التي يمكن أن تُحدث انقساماً داخلياً في البلاد. 

يعتمد هذا النهج على خلق فتنة داخلية بين القوات المسلحة السودانية ومنظمات الدعم، مما يمكّن الإمارات من لعب دور الوسيط أو “الكفيل” لمن يقبلون بالتقسيم والتنازلات في مقابل دعمها المالي والعسكري.

أحد أبرز الأساليب التي اعتمدتها الإمارات هو دعم وتمويل ميليشيا الدعم السريع، التي كانت تُعدّ العمود الفقري للقوى المعارضة لنظام الحكم في السودان. 

كما يُذكر أن هذه الميليشيا تلقت دعماً كبيراً من الإمارات في ظل ظروف من تقلب الموازين العسكرية في البلاد، مما أعطاها فرصة للتدخل في الشؤون الداخلية لصالح الإمارات

 وقد اتهم بعض المسؤولين السودانيين الإمارات بارتكاب تجاوزات في دعمها لفصائل مسلحة، ووصفوها بأنها “شيطان العرب” و”مغول هذا العصر”، في إشارة إلى سلوكها العدواني ومحاولاتها فرض مصالحها على حساب وحدة السودان.

تأتي هذه الخطوات الإماراتية في سياق شعورها بتراجع نفوذ ميليشيا الدعم السريع أمام القوات النظامية في الجيش السوداني. ففي الآونة الأخيرة، تمكن الجيش السوداني من استعادة بعض مكاسبه على حساب الميليشيا، مما دفع الإمارات إلى التدخل بشكل مباشر لتأمين مصالحها. 

ويمكن القول إن الإمارات رأت في ذلك تهديداً لاستراتيجيتها الإقليمية، فقررت دعم القوى التي تتبنى نهجاً تقسيمياً في السودان، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.

ميليشيا الدعم السريع والصراع مع الجيش السوداني

أدى الصراع بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع إلى تغييرات في موازين القوى داخل البلاد، مما دفع الإمارات إلى التدخل لتأمين مصالحها، بيد أنه ينتبها الخوف من تفوق الجيش على الميليشيا، كما يُذكر أن دعم الإمارات لميليشيا الدعم السريع جاء في ظل تراجع الدعم الشعبي والتأثير السياسي للميليشيا، مما جعلها عرضة لضغوط داخلية وخارجية. 

في هذا السياق، يعتبر التدخل الإماراتي خطوة استراتيجية لتعزيز تأثير الميليشيا والمحافظة على نفوذها في الشأن السوداني، على الرغم من الخسائر التي قد تترتب على ذلك على وحدة السودان الوطنية.

وفي تصريحات لافتة، استخدم بعض المسؤولين السودانيين مصطلحات نارية مثل “شيطان العرب” و”مغول هذا العصر” لوصف الجهات الداعمة للميليشيا، معربين عن استيائهم من تدخل الإمارات السافر الذي يُفسد مسار الدولة ويفكك كيانها.

شراكات إقليمية وتأثيرها على الوضع في السودان

التحالف مع كينيا

شهدت الأشهر الأخيرة تحركات دبلوماسية واقتصادية بين الإمارات وكينيا، حيث شهد 14 يناير/ كانون الثاني استضافة رئيس الإمارات محمد بن زايد لفد رفيع المستوى من كينيا برئاسة الرئيس ويليام روتو. 

وقد تركزت هذه الزيارة على توقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية تهدف إلى توسيع استثمارات الإمارات في كينيا، وتعزيز التبادل التجاري الذي بلغ قيمته حوالي ثلاث مليارات دولار. 

جاء ذلك في وقت لم يكن فيه لكينيا تاريخ من التدخل المباشر في شؤون الحرب الأهلية السودانية، وكانت تُعتبر حتى بداية هذا العام دولة محايدة.

تغيرت المعادلة عندما قامت كينيا بتوطيد علاقاتها مع الإمارات، إذ بدأت الدولة الإفريقية في لعب دور أكثر جدية في المحادثات والمفاوضات التي تعقد خارج الخرطوم. 

ففي 18 فبراير/ شباط، استضافت كينيا في نيروبي فصائل مسلحة سودانية تتبع ميليشيا الدعم السريع، إلى جانب حركات سياسية معارضة لنظام حكم الفريق عبد الفتاح البرهان. 

وقد اعتبر هذا التحرك بمثابة محاولة لكينيا لتعزيز نفوذها الإقليمي، وهو ما اعتبرته الحكومة السودانية تهديداً لوحدة البلاد.

تصريحات المسؤولين السودانيين وردود الفعل الداخلية

في ظلّ التدخلات الخارجية ومحاولات التأثير على المشهد السياسي الداخلي، أطلقت بعض الأصوات السودانية النارية تصريحات أدت إلى تأجيج التوتر. 

فقد وصف بعض المسؤولين الإمارات بأنها “شيطان العرب” و”مغول هذا العصر”، مشيرين بذلك إلى أنها تسعى وراء مصالحها الخاصة بغض النظر عن وحدة الوطن وسلامته ولذلك تأجج الصراع في السودان. 

هذه التصريحات جاءت لتعبّر عن استياء واسع في الأوساط السياسية والشعبية، خاصةً مع ظهور مؤشرات على محاولات تقسيم السودان ودعم الفصائل المسلحة على حساب الاستقرار الوطني.

يُظهر هذا الغضب الشعبي انقساماً واضحاً في الرأي حول التدخل الإماراتي، إذ يعتبره البعض خطوة لتحقيق مصالح خاصة تُضر بوحدة السودان وتعزز من الصراعات الداخلية. 

وقد أدت هذه التصريحات إلى خلق جلبة إعلامية ودعوات لإعادة النظر في العلاقات مع الإمارات، وذلك في ظلّ تزايد المخاوف من أن يؤدي هذا التدخل إلى تفكيك الكيان الوطني وإقامة حكومات موازية أو أطراف منفصلة عن الحكومة المركزية.

دوافع الإمارات وخسارة الدعم السريع أمام الجيش السوداني

يعتقد الكثير من المحللين أن الدافع الأساسي وراء التدخل الإماراتي في الشأن السوداني هو الشعور بخسارة النفوذ الذي كانت تحظى به ميليشيا الدعم السريع أمام الجيش السوداني. 

ففي السنوات الأخيرة، شهد السودان تحولاً في الموازين العسكرية، حيث تمكن الجيش السوداني من استعادة بعض مكاسبه على حساب الدعم الذي كانت تحظى به الميليشيا. 

ونتيجة لذلك، شعرت الإمارات بأن النفوذ الذي كانت تتمتع به في السودان بدأ يتلاشى، مما دفعها إلى سلوك سياسات جديدة تتمثل في محاولة تقسيم السودان.

إن الدعم الإماراتي لميليشيا الدعم السريع لا يُعدّ مجرد مسألة عسكرية، بل هو استراتيجية سياسية تهدف إلى خلق حالة من الفوضى والانقسام، بحيث يتمكن اللاعبون الخارجيون من التدخل وإعادة تشكيل الخريطة السياسية بما يخدم مصالحهم. 

وفي هذا السياق، يُذكر أن الإمارات تعتبر أن الجيش السوداني، الذي يمثل الجناح النظامي والمؤسس للدولة، بات يشكل عقبة أمام مصالحها، ولذلك لجأت إلى دعم قوى معارضة تسعى لتفكيك الوحدة الوطنية.

اقرأ أيضًا : بي بي سي تحذف وثائقيًا عن أطفال غزة تحت الضغوط الصهيونية