في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المصرية الترويج لرواية “الإنجازات الكبرى” و”المشاريع القومية العملاقة”، تشير المؤشرات الحقيقية إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، تقوده سياسات عبد الفتاح السيسي القائمة على الاستدانة والإنفاق غير المنتج.
التحول من مصدر للطاقة إلى مستورد، وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي والنفط، والركود السياحي، وتآكل العملة، كلها مؤشرات على إدارة كارثية لاقتصاد ينهار بصمت، بينما تُحمّل تبعاته للمواطن الفقير وتُغطى بفواتير إعلامية مضللة.
انهيار قطاع الطاقة: من التصدير إلى الاستيراد… ومن الفائض إلى العجز
كانت مصر قبل سنوات قليلة تروّج لنفسها كمركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي، لكن هذا الوهم سقط مع انخفاض الإنتاج بنحو 20% في يناير 2025، ليصل إلى 4.867 مليار قدم مكعبة يوميًا – وهو أدنى مستوى في 8 سنوات.
أما النفط، فقد هبط إنتاجه إلى 550 ألف برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى منذ أربعة عقود.
النتيجة؟ مصر وقّعت صفقات استيراد غاز من شركتي “شل” و”توتال إنرجي” بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار، لتوريد 60 شحنة غاز طبيعي مسال. المفارقة أن الغاز الذي كانت تصدّره باتت اليوم تشتريه بأسعار السوق العالمية، وسط أزمة سيولة حادة.
تآكل مصادر الدخل القومي: السياحة نموذجًا للفشل
قطاع السياحة، الذي يُعد من أكبر مصادر النقد الأجنبي، تلقى ضربات متتالية في عهد السيسي، ليس فقط بسبب ظروف جيوسياسية أو الوباء، بل بسبب الانتهاكات الأمنية وغياب العدالة.
اعتقال سياح أجانب، وتوقيف صحفيين، وترحيل أكاديميين، وفرض رقابة أمنية على كل تحرك داخل البلاد، دفع كثيرًا من شركات السفر إلى التحذير من زيارة مصر.
حتى رجال الأعمال والمستثمرين باتوا يخشون بيئة تعتقلهم بسبب نزاعات تجارية، أو تُصادر أموالهم دون محاكمات عادلة، في ظل جهاز أمني يتحكم بكل شيء.
وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر أواخر 2024:
“استمرار الاعتقالات التعسفية، والمحاكمات غير العادلة، وحجب المواقع، يشكل تهديدًا كبيرًا على البيئة الاستثمارية والسياحية في مصر.”
الديون فوق الديون: اقتصاد يقوم على الاقتراض والتسوّل
منذ تولي السيسي الحكم، ارتفع الدين الخارجي من نحو 46 مليار دولار إلى ما يقرب من 165 مليار دولار في 2025، مع التزامات ضخمة لسداد فوائد وأقساط القروض.
الحكومة لا تمتلك خطة اقتصادية واضحة سوى الاستدانة لتمويل مشاريع ترويجية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقطار الكهربائي، دون أي مردود حقيقي على المواطن أو الميزان التجاري.
حتى القروض التي تُصرف تحت مسمّى “الإصلاح”، مثل قرض صندوق النقد الدولي الأخير بقيمة 1.2 مليار دولار، تُستخدم في دعم الاحتياطي الأجنبي بشكل مؤقت، لا في تحسين البنية الاقتصادية أو الإنتاج المحلي.
التضخم تجاوز 35% في بعض الأشهر، الجنيه المصري فقد أكثر من 70% من قيمته خلال عامين، والأسعار تزداد يومًا بعد يوم دون رحمة، بينما تنخفض الدخول وتتآكل المدخرات.
المنظمات الحقوقية تفضح.. والنظام يتجاهل
منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، جميعها أصدرت تقارير متكررة عن:
استخدام القضاء كأداة سياسية.
اختفاء قسري وتعذيب في السجون.
محاكمات عسكرية للمدنيين.
حظر حرية الرأي والتعبير.
هذا السجل الحقوقي الكارثي لا يؤثر فقط على سمعة مصر، بل يُسهم في إحجام المستثمرين الأجانب، ويمنع الاتفاقات الدولية عن الانطلاق في بيئة قانونية غير آمنة.
الشعب يدفع الثمن: من الجنيه المتهالك إلى موائد الإفطار الفارغة
بينما تُبنى قصور العاصمة الإدارية الجديدة وتُعلن مسابقات لاختيار تمثال “العاصمة الخضراء”، يعيش الملايين من المصريين تحت خط الفقر، غير قادرين على توفير وجبة كاملة أو شراء دواء.
موظفو القطاع العام لم تعد رواتبهم تكفي أسبوعًا. أصحاب المعاشات باتوا يتسولون على أبواب الجمعيات الخيرية. التعليم في حالة احتضار، والمستشفيات الحكومية لا تملك شاشًا ولا محاليل.
“سياسات الانهيار.. عندما يتحول الحُكم إلى مشروع ديون”
الانهيار الاقتصادي الذي تشهده مصر اليوم ليس نتيجة ظرف طارئ، بل ثمرة لسياسات عقيمة تبناها نظام لا يعترف بالشفافية أو الكفاءة أو حقوق الإنسان.
السيسي يقود البلاد إلى هاوية حقيقية، اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وسط تجاهل تام لتحذيرات الداخل والخارج، وإصرار على سياسات التوسع الوهمي والاستدانة القاتلة.
مصر لا تحتاج إلى توريق الديون أو قروض جديدة، بل إلى وقف النزيف وإعادة تعريف الأولويات.. قبل أن يفقد المواطن كل أمل، وتفقد الدولة ما تبقى من سيادتها الاقتصادية والسياسية.
اضف تعليقا