العدسة – غراس غزوان

مَثَّل خبر توقيف الممثل اللبناني زياد عيتاني صدمة للوسط الفني في بيروت امتدت هذه الصدمة إلى جماهيره العريضة التي شاهدته على مدار سنوات في أدوار عكست عادات وتقاليد المجتمع اللبناني.

لكن الصدمة الكبرى كان مردها إلى نوع الاتهام الموجه إليه من قبل السلطات الأمنية في بيروت، التي اتهمته بالتخابر مع الموساد الإسرائيلي، وهي التهمة التي أكدها ولم يستطع أن ينفيها.

وخلال التحقيقات التي أجرتها مديرية أمن الدولة اللبنانية مع “عيتاني” اعترف بتكليفه برصد مجموعة من الشخصيات السياسية الرفيعة المستوى، وتزويد الجانب الإسرائيلي بالمعلومات عن شخصيات سياسية بارزة، والسعي لتأسيس نواة لبنانية تهيئ الشعب اللبناني للتطبيع مع إسرائيل.

كما أظهر البيان الصادر عن أمن الدولة اللبناني اعتراف “عيتاني” بتزويد الإسرائيليين بتقارير توضح ردود فعل الشارع اللبناني على المشهد السياسي والتطورات الأخيرة التي أعقبت إعلان رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري استقالته من الرياض بصورة مفاجئة قبل أسابيع.

قضية الممثل اللبناني زياد “عيتاني” تعيدنا لمشاهد أخرى مشابهة وقع فيها العديد من الممثلين العرب خلال العقود الماضية استطاع فيها الموساد الإسرائيلي تجنيد العديد منهم للتجسس على الدول، ونقل معلومات شديدة الحساسية، خاصة وأن بعض هؤلاء الفنانين كانوا مرتبطين بعلاقات قوية بدوائر صنع القرار في الدول التي كانوا يعيشون فيها.

فمنذ نشأة الكيان الصهيوني في العام 1948 لم تتوقف محاولات إسرائيل في تجنيد العشرات من الأشخاص، سواء في الوسط الفني أو غيره.

” زياد عيتاني “

 

راقية إبراهيم “راشيل إبراهام”

ومن أبرز الشخصيات الفنية التي استطاع الموساد الإسرائيلي تجنيدها الفنانة “راقية إبراهيم” وهو مجرد اسم فني تسترت خلفه لتخفي اسمها الحقيقي “راشيل إبراهام ليفي”، حيث ولدت في “حارة اليهود” بالقاهرة لأسرة مصرية يهودية.

وعرف عن “راقية إبراهيم” ولاؤها الشديد لدولة إسرائيل حتى إنها كانت إحدى الشخصيات الرئيسية الضالعة في اغتيال عالمة الذرة المصرية “سميرة موسى” التي قتلها الموساد الإسرائيلي أثناء زيارتها للولايات المتحدة منتصف أغسطس عام 1952.

كما كان لها دور كبير في إقناع يهود مصر بالهجرة إلى إسرائيل، في الفترة التي أعقبت حرب 1948، وإعلان قيام الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين المحتلة.

وظهر تعصب الفنانة الجاسوسة ضد العرب، رغم جنسيتها المصرية، في أكثر من موقف، أبرز هذه المواقف؛ عندما رفضت دورا في أحد الأفلام، تجسد فيه دور “بدوية” تخدم مع الجيش المصري، الذي يستعد لحرب تحرير فلسطين، بالإضافة إلى رفضها رئاسة الوفد المصري في مهرجان “كان” العالمي، لكونها يهودية، الأمر الذي أثر على وجودها في الوسط الفني بعد ذلك.

وهاجرت “راقية إبراهيم” بعد ذلك في عام 1954 إلى أمريكا واستقرت هناك، وعملت بعد ذلك سفيرة للنوايا الحسنة لصالح إسرائيل، حتى توفيت في 13 ديسمبر 1978.

” راقية إبراهيم “

 

كاميليا “ليليان فيكتور كوهين”

لم تكن “راقية إبراهيم” الفنانة الوحيدة التي استطاع الموساد تجنيدها، فهناك من هو أشهر منها في أربعينيات القرن الماضي، وهي الفنانة المصرية اليهودية ذات الأصول القبرصية “كاميليا” وهو أيضا اسم فني، واسمها الحقيقي “ليليان فيكتور كوهين”.

اشتهرت “كاميليا” في فترة الأربعينيات، وكانت أكثر نجوم السينما في ذلك الوقت شهرة وأعلاهن أجرا، حتى ماتت في حادث انفجار طائرتها عام 1950.

عرفت بعلاقاتها القوية بالأثرياء، ومنهم سيد اللوزي صاحب مصانع الحرير بالقاهرة، الذي أغدق عليها المال، وفتح أمامها أبواب الساسة ورجال القصر، حتى وصل صيتها إلى الملك فاروق، الذي بدأت علاقته تتوطد بها في عام 1947، حتى كادت أن تحصل على لقب “ملكة مصر”.

ومع وقوع حرب 1948، وقعت في شباك الموساد الإسرائيلي، وقيل إن جهاز المخابرات الإسرائيلي برئاسة جيمس زارب قد جندها للاستفادة من اختراق قصر عابدين، للحصول على معلومات غاية في الأهمية.

وتضاربت الروايات حول حادث وفاتها، وحتى الآن، تظل كل الروايات التي نسجت حول الحادثة مجرد تكهنات، مثل دور الجاسوسية لإسرائيل، وتفسيرات الانتقام من قِبل الملك فاروق بسبب علاقتها بالفنان “رشدي أباظة”.

” ليليان فيكتور كوهين “

 

المخرج اليهودي “توجو مزراحي”

ومن بين من طالتهم الاتهامات بالجاسوسية كان المخرج السينمائي اليهودي “توجو مزراحي”، الذي ارتبط اسمه بأعمال الفنان “علي الكسار”.

حيث جرى اتهامه بالجاسوسية والتخابر مع الصهيونية عام 1948، وتم نفيه إلى إيطاليا، حيث أقام هناك، وتوقف عن أعماله السينمائية حتى توفي في 5 يونيو 1986.

 

ليلى مراد

وهناك شخصيات أخرى دارت حولها الشكوك بضلوعها في الجاسوسية للموساد الإسرائيلي، أبرز هذه الشخصيات؛ الفنانة المصرية اليهودية “ليلى مراد”، التي أعلنت إسلامها عقب زواجها من الفنان المصري “أنور وجدي”.

اتهمت ليلى مراد بالجاسوسية، وظلت تنفي تلك الاتهامات، وتتبرأ منها لكنها فشلت في إقناع الرأي العام، خاصة بعد صدور بيان رسمي من “أحمد علي” مدير الإذاعة السورية في القاهرة، عقب حضوره دورة لجامعة الدول العربية، وأعلن في مؤتمر صحفي أن دوائر الأمن السوري لديها دلائل مادية دامغة ووثائق تؤكد جاسوسيتها، وأن تدابير وقائية اتخذتها السلطات السورية لمنع أفلامها في سوريا وكل الدول العربية.

” ليلى مراد “

وطلبت الإذاعة السورية من ليلى مراد أن تقدم المستندات التي تثبت صحة ما قالته في بياناتها من تكذيب للخبر، وقد تصاعدت حدة الشائعات في القاهرة عن عزم سلطات الأمن المصرية- المُمَثَّلةِ في المباحث العامة بوزارة الداخلية وإدارة المخابرات- القبض عليها لاستجوابها عقب عودتها للقاهرة في 22 أكتوبر 1952، واعتقلتها السلطات المصرية وصادرت أموالها، حتى أفرج عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعد تحريات قيل إنها أثبتت براءتها عام 1958.