في مشهد يحمل رمزية سياسية وتاريخية عميقة، وجّه معتقلون سياسيون في سجن بدر 3 نداءً غير معتاد، خاطبوا فيه النظام المصري بلغة “حب الوطن”، داعين الشرفاء في الدولة إلى إعادة التفكير في مسار الأحداث، وإنهاء المأساة المستمرة منذ عقد.

نداءٌ، حمل بين سطوره رسالة وطنية خالصة ومكاشفة سياسية قاسية، في ظل ظروف قمعية غير مسبوقة، وأزمات تضرب الأمن القومي المصري من كل الجهات.

 نداء من قلب الزنازين: استغاثة بطابع وطني

الرسالة التي وصفها أصحابها بـ”نداء حق وقوة، نداء حب للوطن”، جاءت لتدق ناقوس الخطر بشأن أوضاع المعتقلين السياسيين، والملف الحقوقي المتجمد، الذي تحوّل إلى قنبلة اجتماعية وإنسانية صامتة داخل السجون المصرية.

النداء استعرض طبيعة المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والإقليمية، وذكّر بتكرار سيناريوهات تاريخية حين كان المعتقلون جزءاً من معادلة الأمن القومي لا ضحاياها.

 هل يرد السيسي كعبدالناصر؟ أم كالسادات؟

الرسالة أحيت في الأذهان مواقف سابقة لمعتقلين سياسيين من الإخوان المسلمين في عهدي ناصر والسادات. ففي أعقاب نكسة 1967، ناشد المعتقلون النظام بالمصالحة والمشاركة في حماية الوطن، لكن عبدالناصر رفض، مقدماً الإقصاء على الوحدة الوطنية.

أما أنور السادات، فقد أطلق سراح المعتقلين تدريجياً بين عامي 1971-1975، وسعى لتوظيفهم في مشروعه السياسي والعسكري قبل وبعد حرب أكتوبر، مع إطلاق خطة “معركة بدر” كعنوان تعبوي مستلهم من رمزية دينية ووطنية.

السؤال المطروح اليوم: هل يكرر السيسي خيار عبد الناصر في التجاهل؟ أم أنه يستلهم تجربة السادات في المصالحة مع الخصوم السياسيين خدمة للوطن؟

 واقع مأساوي وملف مغلق بالقوة

منذ انقلاب 2013، تعيش مصر أوسع موجة قمع سياسي في تاريخها الحديث. أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، بعضهم رهن الحبس الاحتياطي دون تهم واضحة، وآخرون يعاد “تدويرهم” في قضايا جديدة، في مخالفة صريحة للقانون والدستور.

حتى قرارات إخلاء السبيل التي تصدر عن النيابة، لا تُنفذ فعلياً، بل يتم احتجاز أصحابها مرة أخرى، وإخفاؤهم قسرياً، وسط غياب شبه تام للرقابة القضائية أو البرلمانية.

وقد وثّقت منظمات حقوقية أبرزها رابطة أسر المعتقلين، والشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تصاعد الانتهاكات في سجن بدر 3 تحديدًا، من بينها الإهمال الطبي، الحبس الانفرادي، ومنع الزيارات، إلى جانب حالات وفاة ومحاولات انتحار مأساوية داخل السجن.

 لماذا لن يستجيب السيسي؟

وفقًا لعدد من السياسيين والحقوقيين تحدثوا لـ”عربي21″، فإن النظام الحالي لا يرى في المصالحة السياسية مكسبًا، بل يعتبر الانتقام من التيار الإسلامي جزءًا من شرعيته السياسية أمام داعميه الإقليميين، خصوصًا الإمارات و”إسرائيل”.

  • أسامة رشدي: “الانتقام من الإسلاميين هو ورقة الشرعية لدى السيسي”.

  • محيي عيسى: “الأنظمة السابقة كانت لديها مساحة للتعايش، أما الآن فلا توجد أوراق مساومة لدى المعتقلين”.

  • أشرف عبدالغفار: “النداء وصل إلى العنوان الخطأ.. من ظلمهم لا يمكن أن ينقذهم”.

  • أحمد جاد: “النظام يخوض حربًا بالوكالة عن إسرائيل ضد الإسلاميين.. ولا نية لديه لإنهاء الملف”.

 أزمات البلاد تتفاقم.. هل يعيد النظام حساباته؟

رسالة المعتقلين جاءت في توقيت حرج:

  • تصاعد المخاوف من تفكك الدولة السودانية المجاورة، وتورط الإمارات في تأجيج الصراع، ما يهدد أمن مصر المائي والاستراتيجي.

  • ضغوط أمريكية بشأن ملف غزة والحدود المصرية، مع تقارير عن نية واشنطن إدارة القطاع بشكل مباشر.

  • تفاقم أزمة بيع الأصول العامة وتمدّد الاستحواذ الإماراتي في قطاعات حيوية، يهدد السيادة الاقتصادية المصرية.

في ظل هذه التحديات، نداء السجناء ليس فقط استغاثة إنسانية، بل رؤية سياسية لأمن قومي يتآكل، تتطلب من صناع القرار إعادة النظر في جدوى استمرار القمع كأداة لحكم بلدٍ يواجه العواصف من كل الجهات.

نداء “حب الوطن” الصادر من زنزانات بدر 3 ليس مجرد مناشدة للإفراج عن معتقلين، بل هو صرخة وطنية من قلوب دفعت الثمن لعقد من القمع والملاحقة، ورسالة صريحة بأن الاستقرار لا يُبنى على الظلم، ولا يستمر بالقمع.

ومع ذلك، يبدو أن النظام لا يرى في هذه النداءات سوى ورقة ضغط ضعيفة بلا مقابل سياسي، ويواصل طريقه في حرب داخلية تُهدد مستقبل مصر قبل خصومه.

اقرأ أيضا: ساويرس يهاجم هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد ويقارنها بتجربة تركيا الدفاعية