مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مصر، والمقرر عقدها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، تقول المؤشرات إن عبد الفتاح السيسي هو من سيفوز بالمنصب، بغض النظر عن الطريقة التي بالطبع ستكون خارقة للقانون، لكن في دولة ديكتاتورية مثل مصر، من المرجح أن يفوز السيسي بالولاية الرئاسية الثالثة، رغم ذلك، تتراجع شعبيته بشكل ملحوظ، حتى لو أنكر هو ذلك.

بعد عقد كامل من اعتقال المعارضين، وتكميم أفواههم، والسيطرة على وسائل الإعلام، والتضييق على الاحتجاجات، يحاول السيسي الترشح مجددًا للرئاسة مستخدمًا ذات الأساليب القمعية وما يُسمى بـ “تكتيكات الذراع” لعرقلة المشرحين المحتملين الآخرين من التقدم بأوراقهم للترشح خلال المدة التي ستنتهي يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول، وشملت هذه الممارسات اعتقال وضرب أنصار منافسه الأكثر شعبية لمنعهم من تحرير توكيلات له، كما نظمت الحكومة مسيرات في جميع أنحاء مصر لدعم حملة السيسي مقابل أموال وطعام.

نظمت الدولة مظاهرة احتفالية بترشح السيسي للرئاسة في محافظة مرسى مطروح، لكن سرعان ما انقلبت الآية، وانحرف الاحتفال المخطط له – والذي كان يضم مسؤولين محليين وما تقول جماعات حقوق الإنسان إنهم مصريون نقلوا بالحافلات لهذه المناسبة – عن المسار، وهتف المواطنون بعبارات مثل “ارحل يا سيسي”، كما أظهرت مقاطع الفيديو المتظاهرين وهم يمزقون لافتات تحمل صور السيسي ويشعلون النار فيها.

وتفرق بعض الشباب في الشوارع الجانبية وهتفوا باسم أشهر منافس للسيسي، أحمد الطنطاوي، وردد آخرون في حشد المتظاهرين، الذين قدر أحد الشهود العيان عددهم بالمئات، الشعار الشهير لثورة الربيع العربي في مصر عام 2011: “الشعب يريد إسقاط النظام”.

وعندما ترددت هذه الكلمات في المدن المصرية في عام 2011، اضطر رئيس البلاد آنذاك -محمد حسني مبارك- إلى التنحي، ثم صوت المصريون في انتخابات ديمقراطية واحدة لصالح رئيس من التيار إسلامي، قبل أن يستولي السيسي، الجنرال السابق المدعوم من الجيش، على السلطة في عام 2013.

وفي عام 2014، ركب السيسي موجة من التملق ليحقق الفوز بنسبة 97% من الأصوات الرسمية -حسب تقديرات نظامه- وفي عام 2018، عندما تم القبض على جميع المنافسين الجادين أو ترهيبهم لحملهم على الانسحاب من الترشح، أُعيد انتخابه بدعم متضائل، ولكن بنسبة غير منقوصة تبلغ 97% من جميع بطاقات الاقتراع، وفي عام 2019، عدل الدستور عبر استفتاء دستوري مزيف، سمح له هذا التعديل بالبقاء في السلطة حتى عام 2030، مما منحه الحق في الترشح لولاية ثالثة ممتدة في الانتخابات التي كان من المتوقع إجراؤها في الأصل العام المقبل.

لكن الحكومة المصرية أعلنت الأسبوع الماضي أن التصويت سيبدأ بدلاً من ذلك في ديسمبر/كانون الأول، وهي خطوة قال محللون سياسيون ودبلوماسيون إنها تشير إلى الضغوط الاقتصادية المتصاعدة التي تخنق البلاد، وعلى الرغم من الوعود العديدة، لا تظهر مصر سوى علامات قليلة على إجراء تغييرات جدية يقول الخبراء إنها ضرورية لتصحيح اقتصادها.

من المرجح أن يفوز السيسي في ديسمبر/كانون الأول المقبل ليترأس دولة لا تملك الأموال اللازمة لسداد ديونها أو شراء الواردات الأساسية، وهو الوضع الذي يقول المحللون إنه قد يهدد قبضته على السلطة قريبًا.

قال ماجد مندور، المحلل السياسي المصري الذي ألف كتابا من المقرر صدوره عن الفترة التي قضاها السيسي في منصبه: “إن هذه الانتخابات المقبلة ليست نهاية السيسي، لكنها قد تكون بداية النهاية”.

وحتى الأصوات المؤيدة للحكومة حذرت من أن مصر تخاطر بعواقب وخيمة واضطرابات اجتماعية إذا لم تتحسن الظروف.

في عهد السيسي فقدت العملة المصرية قيمتها بشكل كبير أكثر من مرة، وقد أدى تخفيضان سابقان لقيمة العملة إلى خفض قيمة الجنيه بمقدار النصف منذ مارس/آذار 2022، بعد فرار المستثمرين الأجانب من مصر في حالة من الذعر في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، مما لم يترك لمصر سوى القليل من الدولارات لتغطية تكاليف القمح والوقود المستوردين باهظ الثمن.

وقد سجل التضخم مراراً وتكراراً مستويات قياسية تجاوزت 30٪، مما أجبر الأثرياء على التقشف كما لم يحدث من قبل تقريباً، والطبقة الوسطى على نقل أطفالهم إلى مدارس أرخص والتخلي عن اللحوم في وجباتهم الرئيسية، في وقت اضطر فيه الفقراء إلى الاكتفاء بوجبة واحدة لا تحتوي على العناصر الغذائية الرئيسية.

وعلى الرغم من أن الاقتصاديين يقولون إن نقاط الضعف الاقتصادية الأساسية في مصر وعبء الديون الهائل هي الأسباب الحقيقية للأزمة وأن العوامل الخارجية هي التي تشعل الأزمة، إلا أن السيسي يلقي اللوم بشكل ثابت على الحرب في أوكرانيا، وعلى أمور أخرى ليس من بينها الاعتراف بالفشل، لقد اعتاد أيضًا على تجاهل الألم باعتباره تافهًا مقارنة بإنجازات فترة ولايته.

وقال عند إعلان ترشحه يوم الاثنين: “أقسم بالله العظيم، إذا كان ثمن رخاء الأمة وتقدمها هو الجوع، فلنتوقف عن الأكل والشرب”، واقترح في نفس الخطاب أن المصريين الذين يبحثون عن أموال إضافية يمكنهم دائمًا البدء في التبرع بالدم مرة أو مرتين في الأسبوع.

ولم تؤد مثل هذه التصريحات إلا إلى قتامة المزاج الشعبي الذي انقلب بالفعل ضد الرئيس، الذي كان يتمتع ذات يوم بعشق كبير لدرجة أن المصريين أقاموا حفلات زفاف ذات طابع عسكري وزينوا قطع الشوكولاتة والمعجنات بملصقات بوجهه.

وحتى عندما خفت نجمه بعد أزمة اقتصادية سابقة في عام 2016، فإن الآلية القمعية التي بناها الرئيس، والتي يتم من خلالها اعتقال المصريين في كثير من الأحيان بسبب جرائم بسيطة مثل إعادة مشاركة منشور على فيسبوك ينتقد السيد السيسي، ساعدت في إسكات أي معارضة، لكن في هذه الأيام، يشتكي العديد من المصريين منه علانية، قائلين إنهم نادمون على التصويت له من قبل.

وقد توافد البعض على أحد منافسيه المحتملين، وهو السيد الطنطاوي، وهو عضو سابق في البرلمان، ورد على تصريحات السيسي بشأن الجوع والعطش يوم الاثنين بمنشور على موقع X، تويتر سابقًا: “لقد مات المصريون جوعًا بالفعل أثناء حكمك بسبب إدارتك”.

وفي مقابلة أجريت معه في وقت سابق من هذا العام، دعا الطنطاوي السلطات إلى احترام حق المصريين في اختيار زعيمهم، وقال “لو كان النظام الحالي يتمتع بالشعبية التي يدعيها، فما الضرر من الذهاب للانتخابات وانتظار نتائج تصويت الشعب المصري؟”.

وردا على سؤال عما إذا كان لديه أي أمل في النجاح، نظرا لتاريخ الحكومة في استخدام التكتيكات القمعية خلال العملية الانتخابية، قال الطنطاوي إن الأجهزة الأمنية لديها “القليل جدا من الحيل” في حال تغلب الناس على خوفهم من المشاركة.

ولكن هناك دلائل تشير إلى أنه قد لا يصل إلى ما هو أبعد من صناديق الاقتراع، إذ قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الأسبوع الماضي إنه تم اعتقال ما لا يقل عن 73 من أنصار طنطاوي من عدة محافظات مصرية، بعضهم بعد ملء نماذج للتسجيل للتطوع في حملته، والبعض الآخر بعد الإعجاب بصفحة الحملة على فيسبوك.

وأمام المرشحين حتى تاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول لجمع ما يكفي من توكيلات الدعم من جميع أنحاء البلاد أو الترشيحات من أعضاء البرلمان للتأهل للاقتراع، وقد فعل ذلك بالفعل اثنان من السياسيين، لكن حملة طنطاوي والساسة المعارضين قالوا إنه عندما ذهب أنصاره إلى مكاتب الشهر العقاري لتأييده، واجهوا عقبات لا تعد ولا تحصى.

من جانبها قالت هانية مهيب، المتحدثة باسم الحملة، إن البعض تعرضوا للضرب أو الرش بالمياه، وقيل للآخرين إن التيار الكهربائي قد انقطع أو أن أنظمة الكمبيوتر معطلة.

يُذكر أن مختبر سيتيزن لاب بجامعة تورنتو الكندية سبق وأعلن في وقت سابق من الشهر الماضي أن هاتف السيد الطنطاوي قد تم استهدافه ببرامج تجسس بعد إعلانه عن ترشحه للرئاسة هذا العام، وقال المختبر إن الحكومة المصرية على الأرجح تقف وراء هذا الاستهداف.

وفي مرسى مطروح، حيث اندلعت الاحتجاجات مساء الاثنين، تم اعتقال حوالي 400 شخص، حسبما أفادت وكالة المنصة الإخبارية المصرية المملوكة للقطاع الخاص، نقلاً عن رئيس نقابة المحامين المحلية.

للاطلاع على النص كاملًا من المصدر اضغط هنا