إبراهيم سمعان

سلطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على رحيل العالم المصري الكبير الدكتور عادل محمود، خبير الأمراض المعدية، والذي لعب دورًا حيويًا في تطوير لقاحات أنقذت حياة الملايين من البشر من الموت، والذي  توفي في 11 يونيو في مانهاتن عن عمر 76 عامًا.

ونقلت الصحيفة في تقرير- ترجمته العدسة – عن الدكتورة “سالي هودر” زوجة العالم المصري قولها إن موته كان في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك؛ إثر إصابته بنزيف في المخ.

وأشارت الصحيفة أن العالم المصري، أشرف- بصفته رئيس لشركة ميرك للقاحات من عام 1998 حتى عام 2006- على إنشاء وتسويق العديد من اللقاحات التي حققت تقدمًا كبيرًا في الصحة العالمية.

وقالت الصحيفة، إن بين أهم هذه اللقاحات، لقاح يمنع عدوي فيروس “الروتا” الذي يعد سببًا للإسهال عند الرضع، واللقاح الآخر يحمي من فيروس الورم الحليمي (HPV) والذي يسبب سرطانات عنق الرحم، والشرج والأعضاء التناسلية ووسط الحلق.

وأضافت أن العالم المصري ساعد أيضًا في الحصول على مجموعة من اللقاحات ضد الحصبة وحمي النكاف والحصبة الألمانية، والجديري المائي، والوقاية من القوباء المنطقية، وهو مرض مؤلم وموهن يمكن أن يتطور عندما ينشط الفيروس المسبب للجديري المائي بعد سنوات من الإصابة به (وعندما تسمي القوباء المنطقية).

وذكرت أن اللقاحات من فيروسي “الروتا” و”الورم الحليمي”، ظلا موضع جدل، وربما لم يكن ليريا النور في الأسواق بدون عزم وتصميم الدكتور محمود، والتي قالت عنه جولي جربردينج، نائبة الرئيس التنفيذي في شركة ميرك والرئيسة السابقة للمراكز الفدرالية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والتي انضمت إلى ميريك بعد تقاعد محمود: إنه بمثابة مرشدها في الحياة.

 

وأَضافت جربردينج أن العالم المصري الدكتور محمود دافع عن تلك اللقاحات، لأنه أدرك قدرتها على إنقاذ الأرواح، مشيرة إلى أنه على الصعيد العالمي تسبب سرطان عنق الرحم والعدوي الفيروسية وعدوى الفيروس العجلي في وفاة الآلاف من النساء والأطفال كل عام.

ولفتت جربردينج إلى أن شركة أخرى غير ميرك كانت قد طورت لقاحًا بالفعل للفيروس العجلي “الروتا”،  لكن بعد ذلك اضطرت إلى استدعائه من الأسواق، بعدما تبين أنه يزيد من مخاطر انسداد الأمعاء عند الرضع.

وأوضحت الصحيفة أنَّ المعارضين لطرق لقاح ميرك، قالوا إن اللقاح الذي أنتجته شركة ميرك سوف يستلزم دراسات كبيرة واستثمارات ضخمة في الوقت والمال لاختباره، ثم بعد ذلك، التغلب على المخاوف العامة،

وقالت الدكتور جربردينج “أراد الجميع قتله اللقاح” لكن العالم المصري قال “لن نفعل ذلك ولكننا سنجعل دراستنا أكبر لكي تثبت أنه تعمل بكفاءة”.

وذكرت الصحيفة أن العالم المصري تبنى نفس منهج التعامل مع  لقاح “الورم الحليمي” الذي كان له أيضًا منتقدوه، مشيرة إلى أن البعض كان لديه شكوك حول نجاح اللقاح، فيما اعتقد آخرون أن الآباء سيرفضون ذلك؛ خشية أن يشجع تطعيم الفتيات الصغيرات بطريقة ما على ممارسة الجنس.

وتابعت أن هذه المخاوف استندت إلى انتقال الفيروس عن طريق الاتصال الجنسي، والرأي القائل أن اللقاح يكون أكثر فاعلية إذا أعطي قبل مرحلة النشاط الجنسي للفتيات، لكن في نهاية المطاف تمكن العالم المصري الانتصار على المنتقدين وتمت الموافقة على القاح في 2006.

وذكرت الصحيفة أن رئيس منظمة الصحة العالمية دعا في الشهر الماضي خلال حملة للقضاء علي سرطان عنق الرحم في جميع العالم، لأخذ لقاح الورم الحليمي، ووصفه بأنه اختراع رائع حقًا، ويجب أن تأخذه الفتيات.

 

وقال “أنثوني فوسي” مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، إنه دعا الدكتور محمود عدة مرات لتقديم المشورة لمعهده: ” كان من الواضح أن لديه الموهبة لفهم الصورة الكبيرة.. كان من نوعية الرجال الذين يستطيعون فهم العديد من مناطق العلم، الأبحاث والسياسات، الطب السريري، وبجانب قدراته المتعلقة بخبرته، وكان الدكتور محمود شخصية محبوبة بشكل مثير للدهشة.

وأضاف فوسي “على الرغم من أنه أحيانًا يكون جادًا جدًا عند تقديم النصيحة لك حول أمور مهمة، إلا أنه كان يتمتع بشخصية مثيرة ومفعمة بالحياة.

وقالت الصحيفة، إن العالم المصري الدكتور عادل محمود ولد في 24 أغسطس عام 1941 في القاهرة، وكان الابن بين 3 أطفال، وكان والده عبد الفتاح محمود مهندسًا زراعيًا، ولم تكن والدته “فتحية عثمان” تعمل خارج المنزل، رغم أنها كانت تأمل في دراسة الطب وتم قبولها في كلية الطب بجامعة القاهرة، لكن شقيقها-طالب الطب- منعها من مواصلة دراستها لأنه كان يعتقد أن النساء يجب أن لا يكن أطباء.

وأضافت أن تجربة مر بها في صباه كان لها تأثير عميق عليه، فعندما كان عادل محمود في العاشرة من عمره أصيب والده بالتهاب رئوي، ذهب الصغير لإحضار البنسلين من الصيدلية، وعندما عاد للمنزل وجد والده قد مات، ولكونه الأخ الأكبر أصبح عائلًا للأسرة بعد وفاة والده.

وقالت زوجته الدكتورة هودر: كنت أتساءل دائمًا عما اذا كانت قوته كقائد ورؤيته الواضحة نشأت عبر إجباره على القيام بهذه الأدوار في سن مبكرة.

وقد درس العالم المصري الدكتور محمود الطب في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1963، وغادر مصر لبريطانيا عام 1968، وفيها حصل على الدكتوراه من كلية لندن للصحة، وطب المناطق الحارة في 1971.

ونفذ بحثًا في الأمراض التي تسببها الديدان الطفيلية ودور نوع معين من خلايا الدم في جهود الجسم للدفاع عن نفسه.

ثم بعدها هاجر محمود إلى الولايات المتحدة الامريكية عام 1973 للعمل كزميل ما بعد الدكتوراه في جامعة كيس ويسترن ريزيرف ف كليفلاند، وترأس لاحقًا قسم الطب الجغرافي بالجامعة، وكان رئيسًا لقسم الطب من عام 1987 إلى عام 1998.

وهناك التقي العالم المصري الدكتورة هودر عام 1976 لأول مرة، وتزوجا، وهي أيضًا أخصائية أمراض معدية.

وعينت شركة ميرك اللدكتور محمود عام 1998، ثم تقاعد من الشركة عام 2006، ليصبح أستاذًا في مدرسة وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية وقسم البيولوجيا الجزيئية في جامعة برينستون.

وفى عام 2013، عندما تفشت إصابات غير مألوفة بالتهاب السحايا في الحرم الجامعي– لم يكن هناك لأي لقاح لهذا في الولايات المتحدة– استخدم الدكتور محمود خبرته وقدرته على الإقناع واتصالاته في عالم المستحضرات الصيدلاينة؛ لمساعدة الجامعة في الحصول على لقاح أوروبي وحصل على إذن من الحكومة لتقديمه للطلاب على نجو طارئ .

وبعد تفشّي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا عام 2014، بدأ الدكتور محمود في الدعوة إلي إنشاء صندوق عالمي لتنمية اللقاحات.