“لقد أفقرونا، وحرمونا من زاد يومنا… ما الذي سأقتات عليه؟ كيف سأجلب الطعام لأطفالي؟”… هكذا صاحت مواطنة مصرية في مقطع مصور نشرته على حسابها على موقع تويتر بعد قرار حظر التجوال الذي فرضته الحكومة المصرية.
في الأوقات العادية، تُعد حياة هذه المرأة قاسية، ولكن بعد حظر التجوال الذي أعلنت عنه الحكومة وقالت انه سيمتد لأسبوعين، أصبحت حياتها “لا تطاق”، على حد وصفها.
اللافت للنظر أنه وعلى الرغم من ضرورة اتخاذ تدابير احترازية في محاولة لاحتواء فيروس كورونا، إلا أن الشعب المصري اعتبره حظراً غريباً، حيث يبدأ في السابعة مساء وينتهي في السادسة صباحاً، وهو الأمر الذي علق عليه الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي قائلين “ما هو المنطق في هذه الأوقات؟ هل يصيب الفيروس الناس في الليل فقط؟”
بالنسبة لملايين المصريين الذين يعملون لمدة نوبتين في اليوم لتغطية نفقاتهم ونفقات عائلاتهم، فإن حظر التجول هو “حكم الإعدام الذي سيقتلنا جميعاً، وبهذه الطريقة لن يصبح هناك أحد لكي يصاب بالفيروس”… هكذا علق أحد المواطنين.
يتم تطبيق حظر التجول على جميع وسائل النقل العام، بما في ذلك مترو الأنفاق، الذي يستقبل ملايين الركاب يوميًا في القاهرة، وعلى جميع المحال التجارية كذلك باستثناء الصيدليات ومحلات السوبر ماركت، لتتحول المدينة النابضة بالحياة إلى مدينة أشباح مثل مدن أوروبا وإسرائيل، بعد أن كانت لا تستريح للحظة، ليلاً أو نهارًا.
من ناحية أخرى، تقوم قوات كبيرة من الشرطة بدوريات في الأسواق الرئيسية، والتي تم إغلاق بعضها بالكامل بالفعل، بالإضافة إلى الأزقة والطرق الرئيسية، للإشراف على تطبيق قرار حظر التجوال، مع تغريم مخترقي الحظر مبلغ 4000 جنيه مصري (ما يعادل 255 دولاراً)، وهو مبلغ ضخم حتى بالنسبة للطبقة المتوسطة.
في الوقت نفسه، يواجه المصريون صعوبة في معرفة مدى انتشار الوباء في بلادهم، فوفقاً للأرقام الرسمية، توفي حتى الآن حوالي 40 شخصًا، وأثبتت نتائج اختبارات الإصابة بفيروس كورونا وجود حوالي 540 شخصًا مصاباً-وقت كتابة هذا المقال-، وهي أرقام لا يصدقها أحد، ومع ذلك، لا يستطيع أحد التشكيك في صحة هذه الأرقام خشية التعرض للاعتقال.
هذا ما حدث للصحافية البريطانية روث مايكلسون، مراسلة الغارديان في مصر منذ عام 2014، حيث طردت الأسبوع الماضي بعد نشر دراسة علمية كتبها خبير أمراض معدية تفيد أن نحو 19000 شخص في مصر مصابون بالفيروس، كما كشف البحث، الذي تم قبوله للنشر في المجلة الطبية المرموقة لانسيت، عن خضرع مايكلسون لتحقيق استمر ثلاث ساعات ونصف، من قبل جهات أمنية مصرية، وكان من بين الحاضرين رئيس المخابرات المصرية ضياء رشوان، كما تم استدعاؤها بعد ذلك لجلسة أخرى لمناقشة حالة إذن الإقامة الخاص بها.
في ذات السياق، قامت السفارة الألمانية بحث “روث مايكلسون “، التي تحمل أيضًا الجنسية الألمانية، على عدم حضور التحقيقات مرة أخرى لأنه قد يتم القبض عليها وسجنها، لتتمكن روث في النهاية من ركوب واحدة من آخر الرحلات الجوية خارج مصر.
على صعيد آخر، يواجه الصحفيون المصريون ذات التضييقات، مع الفارق أنه لا يوجد لديهم مكان للفرار، وعلاوة على ذلك، لن تنشر أي وسيلة إعلامية مصرية أرقامًا تتعارض مع تصريحات الحكومة بعد تحذيرات وتهديدات بالالتزام بالنسخة الرسمية التي يتلقاها المحررون المصريون.
على النقيض من ذلك، يختلف الواقع تماماً على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تظهر قصص وأرقام مخيفة، على الرغم من أنها ليست مؤكدة، أبرزها أن أحد رواد التواصل الاجتماعي زعم أن السيسي وعائلته أصيبوا بالفيروس ولهذا لم يظهر علنا منذ أسبوعين. دفعت هذه القصة الرئيس إلى الظهور مرتين متتاليتين الأسبوع الماضي، الأول للإعلان عن جهود البلاد للحد من انتشار الفيروس، والثاني لتأكيد وفاة جنرالين في القوات المسلحة: شفيع عبد الحليم وخالد شلتوت، متأثرين بإصابتهم بفيروس كورونا، الخبر الذي أثار الذعر في البلاد، حيث جعل الناس يدركون أن الجيش، الذي لديه أفضل الوسائل للاختبار والعلاج في البلاد، ليس بمنأى عن الإصابة بالمرض.
أكبر مشكلة تواجه مصر الآن هي الحفاظ على الخدمات العامة والحكومية، وكذلك المساعدة الاقتصادية للشركات والمؤسسات التي تم تجميد عملياتها أو تقييدها بشدة بسبب الإجراءات الحكومية المتبعة في مكافحة كورونا، وعليه أعلن البنك المركزي المصري عن خطة اقتصادية تتضمن تخفيض أسعار الفائدة على القروض بنسبة 3 في المائة، ليصل المعدل إلى 9.25 في المائة، وكذلك تقديم قروضا ومنحًا يبلغ مجموعها 1.25 مليار دولار للشركات لتحفيز الاستثمارات والتجارة والتصنيع.
ليس من الواضح من الذي سيكون مؤهلاً للاستفادة من هذه المساعدة الحكومية، حيث أن المعايير غامضة، ولكن الشيء المؤكد هو أنه في مثل هذا الوقت، من الصعب ضمان وجود مستثمرين أجانب أو محليين لبدء استثمارات في البلاد حتى لو تم تقديم حوافز وتسهيلات حكومية لهم.
بعد أن فقدت البورصة المصرية أكثر من 40 في المائة في شهر واحد، تمكنت الحكومة من الإعلان عن انخفاض التضخم إلى 5.3 في المائة، نتيجة انخفاض حاد في الاستهلاك، ووفورات في نفقاتها على مشتريات النفط.
في الأوقات العادية، ستشهد مثل هذه التطورات على النجاح الباهر في الإصلاحات الاقتصادية للبلاد، التي بدأت في عام 2016، ولكن في الوقت نفسه، توقفت السياحة تماماً، وهو القطاع الذي يعتبر ثالث أهم مصدر للدخل للبلاد (حوالي 12 مليار دولار سنويًا) بعد الدخل من المصريين المقيمين بالخارج (ما يقدر بـ 24 مليار دولار) والصادرات غير البترولية، وهو ما يمثل أكثر من 17 مليار دولار من الإيرادات.
يعمل بقطاع السياحة أيضاً الملايين من المصريين، بشكل مباشر وغير مباشر، الذين أصبحوا الآن بدون عمل.
التهديد الآخر هو أن مئات الآلاف من المصريين الذين يعملون في دول الخليج سيضطرون إلى العودة إلى مصر بعد فقدان وظائفهم بسبب انخفاض أنشطة شركات النفط في الخليج والركود الذي يلوح في الأفق في دول الخليج.
من ناحية أخرى، يستقبل المصريون والمسلمون في جميع أنحاء العالم شهر رمضان بعد أقل من شهر، وهو شهر يأمل المصريون فيه الحصول على قسط من الراحة، والبعد عن أعباء الحياة المختلفة، بمتابعة مسلسلات وبرامج تليفزيونية، وهي الأشياء التي أعلن بعض المنتجون أنهم قاموا بإيقاف التصوير بسبب أزمة فيروس كورونا، ليصبح رمضان المقبل أقسى رمضان عرفته مصر منذ عقود.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا