على الرغم من ارتفاع نبرة التهديد من المسؤولين في الرياض تجاه إيران، والتي وصلت إلى حد التلويح بالعمل العسكري، وتحديدًا على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، في أعقاب الهجومين اللذين استهدفا منشأتين لـ”أرامكو” في وقت سابق هذا الشهر، واتهمت كل من السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا إيران بالوقوف وراءهما، جاءت تسريبات من الصحف الأمريكية تفيد بموافقة السعودية على الوقف الجزئي لإطلاق النار في اليمن.

هجوم الحوثيين على أرامكو سبب في تراجع الرياض

دفع استهداف منشآت النفط السعودية، منتصف سبتمبر 2019، والأضرار الاقتصادية التي ترتبت على ذلك، مع عدم استطاعة المملكة الرد، الرياض إلى اتخاذ سياسة استراتيجية منخفضة السقف في حرب اليمن ضمن التوجه الأمريكي في المنطقة، وبالرغم من اتهام السعودية لإيران باستهداف منشأتي “بقيق” و”خريص” النفطيتين شرقي المملكة، وتبني الحوثيين للحادثة مع بُعد المسافة وعدم توفر الإمكانيات لديهم، فإنّ التوجه نحو وقف إطلاق نار في اليمن يدلل على تغير في التناول السعودي للملف برمته.

يقول المحللون أن السعودية تريد التهدئة في الملف اليمني، بسبب أن الضربة الكبيرة في الفترة الأخيرة ضد أرامكو كانت مؤذية، حيث انكشفت السعودية عسكريًا، وتراجعت هيبة الحكم أمام الرأي العام السعودي، ما اضطر المملكة إلى أن تلتقط أنفاسها أو التعجيل نحو استراتيجية خروج، وهو السبب الرئيسي.

السعودية توافق على الوقف الجزئي لإطلاق النار

نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، عن مسؤولين مطّلعين لم تكشف عن هويتهم، أن السعودية وافقت على وقف جزئي لإطلاق النار في اليمن، بعد إعلان جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) وقف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على الأراضي السعودية، في حين نفت الجماعة ذلك.

وأوضحت الصحيفة أن الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في أربع مناطق تحديداً، تشمل العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014، وأضافت أن السعودية تخطط لتوسيع الهدنة لتشمل أجزاء أخرى من اليمن، في حال أثمرت جهود وقف إطلاق النار الجزئي بالفعل في المناطق الأربع المذكور

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين، رفضا الكشف عن هويتهم، أن الخلافات الحوثية الداخلية تصاعدت بعد هجومي “أرامكو” بين من يريدون النأي بأنفسهم عن إيران ومن يرغبون في توطيد العلاقات معها، وأن بعض قادة الحوثيين تنصلوا سرًّا من إعلان الجماعة مسؤوليتها عن الهجومين.

وقال هؤلاء للصحيفة إن مسؤولين حوثيين أبلغوا بعض الدبلوماسيين الأجانب أن إيران كانت تحضر لهجوم لاحق، مباشرة بعد الهجومين اللذين استهدفا “أرامكو” وتسببا في تعطيل عمليات الإنتاج، حيث استدركت الصحيفة ذلك بالإشارة إلى أن متحدثين حوثيين نفيا أية تلميحات بخصوص التنصل من ادعاء الجماعة الأولى المسؤولية عن الهجومين، ونفيا كذلك أن تكون الجماعة قد حذّرت الرياض من هجمات مستقبلية.

في المقابل، نفى عضو ما يُعرف بـ”المجلس السياسي الأعلى” التابع للحوثيين، محمد علي الحوثي، تلك الأنباء، قائلًا إن “التسريبات التي تناولتها بعض الصحف الأميركية عن اتفاق مع السعودية لوقف القصف على أربع مناطق، تظل تسريبات لا جهة رسمية تقف خلفها”، وشدد على أن مبادرة الجماعة لوقف الهجمات على السعودية تنص على “الوقف الكامل” لما وصفه بـ”العدوان”، وقال إنه “لا صحة لأي تسريبات من جانب العدو” عن وقف جزئي”.

وكان الحوثيون قد أعلنوا، في الـ20 من سبتمبر الجاري، على لسان رئيس ما يُعرف بـ”المجلس السياسي الأعلى”، مهدي المشاط، عن وقف استهداف أراضي المملكة العربية السعودية “بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف”، كما أضاف المشاط أنهم ينتظرون “رد التحية بمثلها أو أحسن منها في إعلان مماثل بوقف كل أشكال الاستهداف والقصف الجوي لأراضينا اليمنية”، وأنهم يحتفظون لأنفسهم “بحق الرد في حال عدم الاستجابة لهذه المبادرة”.

واشنطن تريد التهدئة في اليمن

نقلت أيضًا صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطلعة قولها، إن “إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تستعد لبدء محادثات مباشرة مع الحوثيين”، مضيفة أن واشنطن ستحث السعودية على المشاركة في محادثات سرية مع قادة الحوثيين في سلطنة عُمان، كما بينت أن المحادثات المزمع عقدها في عُمان تعكس عدم وجود خيارات عسكرية قابلة للتطبيق أمام التحالف في اليمن.

وكشفت مصادر “وول ستريت جورنال” أن الدبلوماسي المخضرم، كريستوفر هينزل، الذي عُين سفيرًا في اليمن في أبريل الماضي، هو من سيقود هذه المحادثات، وأشارت إلى أن مسؤولين أمريكيين سيلتقون هذا الأسبوع عدداً من المسؤولين السعوديين في واشنطن، بينهم الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي؛ في مسعى لإقناعهم بأهمية تبني نهج الدبلوماسية في اليمن.

وقال المحلل السياسي عمر عياصرة في حديث خاص مع موقع “الخليج أونلاين”: إنّ “هناك توجهاً أمريكياً جاداً لنزع ورقة الحوثيين من إيران وإغلاق هذا الملف، وهناك ضغط في المؤسسات الأمريكية حول ذلك، وقد قال ديفيد شينكر (مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى)، في الأيام الماضية، إن الحوثيين والمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية كلهم أطراف في العملية السياسية، والسعودية تستجيب بشكل كبير للمقاربة الأمريكية”.

وبيّن عياصرة أن هذا “جاء لتخفيف الضغط على الإيرانيين والحوثيين؛ لأن الضربة ولّدت ضغطاً كبيراً على طهران، وأصبحت هناك محاولة شيطنة لإيران، ومحاولة سحب للخطاب الدبلوماسي الذي قدّمته بشكل جيد أمام الأوروبيين، والمبادرة الحوثية كانت للتخفيف عن ذلك، وأيضاً حتى يضع السعودية أمام مسؤولية أن الحوثيين يريدون أن يكونوا الطرف الرئيسي، وأنهم من قام بالضربة، وتتوجّه إلى حوار سياسي وطاولة وتهدئة وحسن نية”.