العدسة – معتز أشرف:

في مطالعة دورية مهمة لخبراء مركز كارنيجي لدراسات الشرق الاوسط حول توقعاتهم لمستقبل قطاع غزة في العقد المقبل، ذهب الخبراء إلى القول إن المستقبل محير في ظل الحملة الرباعية من مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل ضد القطاع، لكنهم يحذرون من توابع استمرار الضغط على سكان غزة، ما يؤدّي إلى حرب محتملة أو انفجار غير محدود الأفق، فيما يرى البعض إمكانية تمتع القطاع باستقلال شبه كامل خلال العقد المقبل.

نحو الاستقلال

في التقرير الذي حمل عنوان “غزة إلى أين في العقد المقبل؟” ووصل (العدسة )أكد على الجرباوي  الأستاذ في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، والذي تولّى سابقًا منصبَي وزير التخطيط والتنمية الإدارية ووزير التعليم العالي في السلطة الفلسطينية أن كل شيء رهنٌ بالمواقف والسياسات المتقلّبة لكل الفرقاء المعنيين، مع الإشارة إلى أن لا مصر ولا إسرائيل تريد ضمّ غزة إليها وتحمّل “أعبائها”، إذن، يبدو أن مستقبل القطاع يكمن في فك ارتباطه بكلٍّ من هاتين الدولتين.

وأضاف أنه من هذا المنطلق، ثمة خياران مطروحان على بساط البحث– أحدهما هو الأقل ترجيحًا والآخر هو الأكثر احتمالًا: فإما أن تصبح غزة دولة فلسطينية صغيرة مستقلة تتمتع بسيادة كبيرة، إنما ليس بشكلٍ كامل، ما يعني أيضًا أن إسرائيل ستبتلع الضفة الغربية، وإما أن تشكّل غزة جزءًا من دولة فلسطينية تتألف من منطقتين (هما غزة والضفة الغربية) تتمتعان بمستويات مختلفة من السيادة، فتُمنح “فتات” أراضي الضفة الغربية حكمًا ذاتيًا، وتكون مرتبطة بقطاع غزة المستقل الذي يتمتع بسيادة كبيرة، وفي كلتا الحالتين ستسير غزة نحو الاستقلال في السنوات العشر المقبلة.

مشكلة بن سلمان والسيسي!

مهنّد صبري الصحفي المصري ومؤلّف كتاب “سيناء: عماد مصر، حياة غزة، كابوس إسرائيل” يرى أن المستقبل القريب يحمل معه تغييرات غير مسبوقة في قطاع غزة، وهي تغييرات لن يختارها شعب غزة بإرادته الحرّة، بل سيقرّرها لاعبون إقليميون ودوليون رئيسيون يرسمون الآن ما يبدو أنه خريطة جديدة للشرق الأوسط.

وقال: “لايترك لنا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أي خيار سوى الاعتقاد بأنهم ينوون فرض رؤيتهم حول دولة فلسطينية على الفلسطينيين أنفسهم وعلى الجميع، دولة ستضمّ غزّة بالحدود التي نعرفها وجزءًا من شبه جزيرة سيناء سبق أن أخلاه جيش السيسي باستخدام القوة المُميتة، أما خيارات غزة الوحيدة فتتمثّل في قبول ما يُعرف الآن باسم “صفقة القرن”، أو مواجهة أي عمل عسكري إسرائيلي آخر سيدمّر القطاع بشكل كامل ونهائي.

وأضاف أنه ستقرّر أحداث الأشهر المقبلة الوضع في غزة خلال العقد المقبل، الذي إما سيكون عقدًا من المعاناة والموت والدمار، أو حقبة من الذل والخضوع إلى إرادة الأنظمة الديكتاتورية القوية التي مازالت تخطط وتكرّس ما يبدو أنه شتاء عربي لا ينتهي.

 

مستقبل غامض!

نورمان ج. فينكلشتاين الكاتب البارز الذي صدر له مؤخرًا كتاب بعنوان “غزّة: تحقيق حول استشهادها” من جانبه يرى أن مستقبل غزة معتمد على تاريخها المعاصر الذي بدأ في العام 1948، مع التدفّق الهائل للمطرودين من دولة إسرائيل التي كانت حديثة العهد آنذاك،  وفي العام 1967، باتت غزة ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ومع أن إسرائيل تزعم أنها انسحبت من غزة في العام 2005، ثمة إجماع في صفوف الخبراء القانونيين بأنها لاتزال تشكّل قوة احتلال.

وأشار إلى أنه في العام 2006، وبعد أن فازت حماس في الانتخابات التي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بأنها كانت “نزيهة وعادلة تمامًا”، فرضت إسرائيل حصارًا على القطاع كان أشبه بنمط محاصرة القلاع في القرون الوسطى، وفي غضون ذلك، نفّذت ما لا يقل عن ثماني “عمليات” على غزة منذ العام 2004،  فبعد المجزرة الأخيرة التي ارتكبتها إسرائيل في العام 2014 والتي أطلقت عليها اسم “عملية الجرف الصامد”، زار رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بيتر ماورر، القطاع وعلّق على الوضع هناك قائلًا: “لم أرَ في حياتي هذا الحجم الهائل من الدمار”.

وأضاف أن وكالات الأمم المتحدة صرّحت بأن غزة “مكان غير قابل للعيش”،  وقال روبرت بايبر، منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة، العام الماضي: “أرى أن هذه العملية اللاإنسانية والظالمة للغاية التي يشهدها القطاع تخنق بالتدريج مليوني مدني لا يشكّلون فعليًا أي تهديد لأحد”، كما أشارت سارة روي من مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة هارفرد إلى أن “البشر الأبرياء في غزة، ومعظمهم من الشباب، يتسمّمون ببطء بسبب المياه التي يشربون، وربما أيضًا بسبب التربة التي يزرعون فيها”، ومن المتوقّع أن يتفشّى وباءا التيفوئيد والكوليرا في غزة في القريب العاجل.

ولفت فينكلشتاين الانتباه إلى أنه رغم هذا كله إلا أنها ظلت باقية في الحدث؛ حيث أطلق الغزّاويون في 30 مارس شرارة مظاهرات أسبوعية ترمي إلى رفع الحصار غير القانوني المفروض على القطاع، وبحسب منظمات حقوق الإنسان، فإنَّ الغالبية الساحقة من المسيرات كانت سلمية، إلا أن نيران القنّاصين الإسرائيليين أسفرت عن مقتل أكثر من 110 غزّاويين وإصابة 3,700 آخرين. وقد خلُصت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن استخدام القوات الإسرائيلية المتكرّر للقوة القاتلة في قطاع غزة منذ 30 مارس 2018 ضد متظاهرين فلسطينيين لم يشكّلوا تهديدًا على حياة الآخرين، قد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب”.

الحصار نقطة مهمة في تحليل فينكلشتاين، حيث أشار إلى تقرير للأمم المتحدة في  العام 2015، عندما دعت قاضية ولاية نيويورك ماري ماكغوان ديفيس إسرائيل إلى رفع الحصار “على الفور وبلا قيد أو شرط”، وكذا فعل البرلمان الأوروبي في العام 2018 عندما دعا إلى “إنهاء فوري وغير مشروط للحصار”.

وشدد فينكلشتاين على أنه في حال فشل المجتمع الدولي في التحرّك قبل فوات الأوان، لن يكون حكم التاريخ متسامحًا، عندما يُطرح يومًا ما سؤال لماذا بقي العالم صامتًا عندما صُلبت غزة حيث من المستحيل التنبؤ بمستقبلها بحسب قوله، لكن من البديهي القول – والكلام لـ(فينكلشتاين)- إنه ما لم يتصرّف المجتمع الدولي الآن، فلن يكون للقطاع أي مستقبل.

حرب محتملة !

أما دونالد ماكنتاير المراسل السابق في القدس لصحيفة الإندبندنت، ومؤلّف كتاب “غزّة تتحضّر للفجر” فيحذر من البديل عن يأس سكان غزّة بعد عقد من الحياة داخل القضبان، وبعد أن وصلت البطالة إلى مستويات قياسية، وانتشر الفقر الاقتصادي الكارثي ونقص الطاقة والمياه، والشقاق بين حماس وفتح، والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية الثلاث المدمّرة، مشيرا إلى أنه من الممكن أن تطلّ هذه المنطقة برأسها مجدّدًا لتكون محطة بحرية للاستيراد والتصدير نابضة بالحياة، ومصدّرة للصناعات والأسماك والمنتجات الزراعية، ومكتفية ذاتيًا في مجال الطاقة من مخزون الغاز الطبيعي غير المستخرج بعد من البحر، ومركزًا سياحيًا إقليميًا، لكن فقط من خلال إبرام اتفاق سلام عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهذا أمر يُعتبر مستبعدًا إلى حدّ كبير في العقد المقبل.

وأضاف أنه في الوقت نفسه، من شأن رفع الحصار الإسرائيلي (والمصري) الذي دام 11 عامًا ببساطة أن يُحدث نموًا اقتصاديًا بنسبة 32 % بحلول العام 2025، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي يؤكد وجود صلة “غير قابلة للنقاش” بين الانتعاش الاقتصادي وبين الأمن الإسرائيلي، ناهيك عن الصلة بالكرامة الفلسطينية، ومن دون ما سبق (إضافة إلى تجديد البنية التحتية الرئيسة)، يواجه سكان غزة بشكل متواصل نموًا سلبيًا للفرد الواحد، ويتخبطون في منطقة تصبح على نحو متزايد غير قابلة للحياة، ويشهدون اضطرابات مستمرة على الحدود. وسيؤدي هذا الوضع إلى اندلاع حرب أخرى محتملة، ووقوع قتلى في صفوف الفلسطينيين بأعداد أكبر حتى من الذين قُتلوا خلال عملية الجرف الواقي في العام 2014.