العدسة -ياسين وجدي:

سواء كان أكاديميا بحسب الرواية البريطانية أو جاسوسا خطيرا بحسب البيانات الإماراتية ، فقد سدد الشاب البريطاني ” ماثيو هيدجز” ضربات جديدة لصورة إمارات تزعم الحرية والقوة بينما هي معسكر للتلفيق والقمع ، وحالة صارخة للتفريط في السيادة .

“العدسة” رصد صورة إمارات بن زايد بعد العفو عن ” هيدجز ” ، وبدت وفق كثير من الدلائل “الإمارات المستباحة” أيا كانت الرواية في هذه الواقعة.

قصة “هيدجز”!

قصة الأكاديمي البريطاني، ماثيو هيدجز، فاضحة للإمارات من أكثر من جهة، وفق المراقبين ، في ظل سيطرةٍ قمعية لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وغياب رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان.

 

 

وبحسب وجهة النظر البريطانية ، فإن تلفيق الاتهامات وملاحقة الأكاديميين وقمع الحريات كانا صفة الإمارات في هذه الوقعة ، وهو ما دفع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، للإعراب عن “قلقها العميق”، فيما عبّر وزير الخارجية جيرمي هنت، عن “صدمة كبيرة وخيبة أمل”.

ووفق الرواية البريطانية ، فإن ما حدث قمع لأكاديمي ، ونقلت شبكة بي بي سي باللغة العربية عن أصدقاء وزملاء وأفراد أسرة  ماثيو هيدجز، أنه “ضحية بريئة” وليس عميلا للمخابرات وأنه ليس غريبا عن منطقة الشرق الأوسط، حيث قضى فترة هناك في السابق، وعمل في المنطقة لعدة سنوات، لكن أثناء رحلة بحثية من أجل الحصول على درجة الدكتوراه اعتقلته السلطات الإماراتية.

طبيعة دراسته وتخصصه يفرضا عليه منذ يناير 2016 ، وفق المعلومات البريطانية ، تناول موضوعات مثل الدفاع والأمن والشؤون الدولية والسياسة العسكرية في الشرق الأوسط، وكان عنوان رسالة الماجستير  الخاصة به : “ما الذي حفز الإنفاق العسكري في الإمارات منذ عام 2001؟”، وقوبل باحتفاء وقتها ، فيما تغيرت الأجواء عندما قرر نيل درجة الدكتوراه عن تأثير انتفاضات “الربيع العربي” على دول الخليج، من زاوية “تطور استراتيجية الأمن الوطني” في المنطقة، لكن الإمارات صنفت كل ذلك في إطار الجاسوسية بالتلفيق.

وفي الرواية الثانية التي أعلنتها السلطات الإماراتية ، إدانة جديدة من جانب آخر بحسب مراقبين ، وذلك بعد أن فرطت في سيادة أراضيها وعفت عن جاسوس خطير بحسب وصفها بعد خمسة أيام فقط من صدور الحكم بالإدانة والسجن المؤبد في 21 نوفمبر الجاري!!.

جابر اللمكي، المسئول الإعلامي البارز في الإمارات أدان نظام بلاده بوضوح في تصريحاته دون قصد بقوله :” إن القضية تتعلق بجريمة تمس أمن الإمارات وسيادتها، وليست قضية سياسية أو قضية رأي وحقوق إنسان، وهذا ما هو مثبت بشكل واضح جداً، بالأدلة والقرائن واعتراف المدان” زاعما أن هيدجز اعترف بالجريمة .

أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في الإمارات رغم كل هذه الاتهامات الخطيرة برر العفو بأن بلاده حرصت على أن تكون الأولوية للعلاقات الثنائية بين الإمارات وبريطانيا مؤكدا أن قرار “العفو يسمح لنا بإغلاق هذا الجزء والتركيز على الجوانب الإيجابية العديدة لهذه العلاقة”!!.

التلفيق والتشويه !

وفق الرواية الأولى ، فإن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لم تسمع صوت النشطاء البريطانيين المعارضين لزيارات “بن زايد” الأخيرة لصالح بقاء الشراكة الاقتصادية ، حتى صدمت وحكومتها بالحكم على “ماثيو هيدجز”، ولكن وفق المراقبين والحقوقيين هناك المئات من المعارضين الذين يتعرضون للاعتقال والتعذيب بسبب اتهامات ملفقة كما لفقت الاتهامات للأكاديمي البريطاني وفق ما تعتقد السلطات البريطانية.

 

 

 

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة استمع في يونيو الماضي أثناء دورته الـ38، بمدينة جنيف السويسرية لمئات الروايات التي تكشف التلفيق الذي تعرض له النشطاء في الإمارات، ووثقته منظمات عدة منها منظمة “هيومن رايتس ووتش” الإمارات التي أطلقت نداء بحماية حق التعبير ووقف التعذيب والاحتجاز التعسفي وتلفيق الاتهامات.

ووفق مراقبين ، دأبت العديد من المنظمات الحقوقية خلال السنوات الأخيرة الحديث عن يجرى من تلفيق للاتهامات في الإمارات وعادة تطالب دولة الإمارات بالإفراج الفوري وغير المشروط عن معتقلي الرأي والالتزام بالقيم الديمقراطية، وإعادة النظر في تعديلات القوانين المقيدة للحريات ووقف انتهاك حقوق الإنسان في السجون الداخلية والخارجية، لكن دون جدوى.

وبحسب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان فإن التلفيق والتشويه قاعدتين ثابتين في السياسة الإماراتية في التعامل مع المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية ‏العاملة على الملف الحقوقي للإمارات، حيث تعمل السلطات الإماراتية ممثلةً بوسائل إعلامها على تشويه سمعة الناشطين السياسيين والحقوقيين وإتهامهم بمختلف أنواع التهم كالخيانة والعمالة والعمل ضد المصالح القومية للدولة وغيرها من التهم الكفيلة بإسقاطهم سياسياً واجتماعياً، تأديباً لهم وتحذيراً لغيرهم.

الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان من جانبها ، طرحت مثالا صارخا على الازدواجية في المعايير والتلفيقات التي تعيشها الإمارات في العهد الحالي ، ودعت في بيان لها للإفراج عن  الصحفي الأردني تيسير النجار من سجون الإمارات أسوة بالعفو الرئاسي عن الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز الذي أدين رسميا بتهمة التجسس، وانتقدت الفيدرالية اقتصار العفو الرئاسي الإماراتي على هيدجز المُدان بتهمة التجسس ومعتقلين على ذمم مالية فيما يستثنى العشرات من معتقلي الرأي في دولة الإمارات.

والتفريط كذلك !

وفي المقابل جددت الرواية الإماراتية التي تتهم ” هيدجز” بالجاسوسية وانتهاك السيادة ، الحقائق التي تؤكد فشل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ، في الحفاظ على سيادة الإمارات وحقوقه ، وخاصة في الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران منذ عام 1971.

 

 

اللافت بحسب المحللين أن الإمارات لم تحرك ساكنا  تجاه هذا الاحتلال الذي شهد رفضا عربيا وإقليما ودوليا، في ظل قيامها بإدارة حرب شرسة في اليمن، بالإضافة لتوسعات غير طبيعية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، استخدمت فيها الإمارات آلة عسكرية ضخمة، ومع ذلك فإنها لم تستطع مواجهة إيران حتى في أضعف حالاتها سواء في حرب الخليج الأولى ضد العراق، أو نتيجة الحصار العسكري والاقتصادي الأمريكي .

ويرى الخبراء أن الأولى بالإمارات كان الدفاع عن سيادة أراضيها في جزرها الثلاث التي تمثل أهمية استراتيجية في مضيق هرمز، مدخل الخليج العربي وممر التجارة البحرية القادمة والخارجة من وإلى المضيق، ولكن يبدو أن ولي العهد في أبوظبي بحسب المتابعين للشأن الإماراتي ، لا يريد استكمال السيادة الوطنية للإمارات في ظل فشله الداخلي والخارجي خاصة في الجانب العسكري الذي ترى دراسات كثيرة أنه في صالح إيران رغم التسليح الإماراتي المتزايد والحديث.

هذا الفشل ظهر في سبتمبر الماضي بوضوح ، في اعتراف غير مسبوق، أطلقه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ، مؤكدا أن “الجزر الإماراتية الثلاث التي تسيطر عليها إيران هي “أمانة” لديها، وعليها إعادة الأمانة لأصحابها ” في توصيف أثار سخرية نشطاء ومعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي.

الازدواجية الإماراتية !

قضية هيدجز أبرزت بحسب وفق موقع إمارات ليكس المعارض ، تساؤلات قديمة جديدة عن “مصير المئات من معتقلي الرأي والمعارضين المغيبين في سجون الإمارات” ، والذي يرى الموقع المعارض بدوره أنه لا توجد “بارقة أمل على ما يبدو حتى الآن لتحررهم في ظل نظام أبو ظبي القمعي”، رغم أن كل التهم الموجهة لهم تدور حول الرأي وليس التجسس كما تقول الإمارات عن “هيدجز”.

 

 

 

ومن أبرز معتقلي الرأي في الإمارات الحقوقي ” أحمد منصور” الذي وثق وضع حقوق الإنسان في دولة الإمارات منذ 2006، وتحدث علنًا دفاعًا عن حقوق الإنسان الدولية، وحتى وقت اعتقاله في 20 مارس 2017، كان آخر المدافعين المتبقين عن حقوق الإنسان في دولة الإمارات.

كما يعد الدكتور محمد الركن المحامي البارز في مجال حقوق الإنسان، والرئيس السابق لجمعية الحقوقيين في الإمارات، من أبرز الحالات الصارخة على التلفيق والتشويه بعد أن اعتقل في 17 يوليو 2012، وحُكم عليه في يوليو 2013 بالسجن لمدة 10 سنوات، إثر محاكمة معيبة   94 من رواد الإصلاح، والتي أصبحت تعرف باسم محاكمة “الإمارات 94”.

 

 

 

وتلاحق منظمات حقوقية كثيرة الإمارات بسبب الانتهاكات التي تعرض لها الدكتور ناصر بن غيث الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في 29 مارس 2017 من قبل محكمة الاستئناف الاتحادية في أبو ظبي بتهم منها “نشر معلومات مغلوطة عن قادة الإمارات وسياساتهم، والتواصل والتعاون مع أعضاء جمعية الإصلاح “، ولازال رهن الانتهاكات في محبسه وفق الحقوقيين.