كان اللقاء الأول بين بايدن وبن سلمان محبطاً للغاية، صافحا بعضهما بـ “القبضة” كأن بايدن نسي أن هذه القبضة ملطخة بدماء آلاف الأبرياء الذين تعهد أن ينتصف لهم ويرد حقوقهم ويحاسب قاتليهم، لكنه اختار المصالح الاقتصادية والاستراتيجية وتنازل عن تعهدات حملته، بالرغم من ذلك: هل استحق الأمر كل هذه التضحيات؟

يرتبط محمد بن سلمان ارتباطًا وثيقًا، كما خلصت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بحادث اغتيال الصحفي والمعارض السعودي جمال خاشقجي، حيث كشفت التحقيقات أنه أمر -شخصياً- بقتله وتقطيعه، وأرسل فرقة قتل على صلة به شخصياً لتنفيذ العملية.

نعم، شهدت السعودية بعض الإصلاحات المدنية في عهد ولي العهد ذو الـ 36 عاماً، لكنه بالرغم من ذلك، يحكم بالترويع: سجن المعارضين عذبهم، أعدم الكثيرين منهم، استمر في استهداف المنتقدين السعوديين خارج حدود البلاد، كما سعى إلى ترهيب الدول المجاورة أو السيطرة عليها وشن حربًا كارثية في اليمن.

باختصار شديدة وببساطة: محمد بن سلمان هو سفاح متعجرف.

خلال حملته الانتخابية عام 2020، تعهد بايدن بجعل الأمير السعودي “منبوذ”، ولأكثر من عام ونصف، تجنب بايدن التعامل المباشر مع بن سلمان، لكن كل شيء تغير حين برزت المصالح الاقتصادية على الساحة، تنازل بايدن عن وعوده بجعل حقوق الإنسان على أولويات سياسته الخارجية، ذهب إليه في داره رغم كل جرائمه، لم يطلب منه تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وطلب منه تعزيز العلاقات بدلاً من ذلك.

شهدت السعودية إصلاحات ملموسة على مستوى الحقوق المدنية، والحريات الاجتماعية مثل السماح للمرأة بقيادة السيارات، وكذلك إقامة حفلات غنائية يحضرها جمهور مختلط من الرجال والنساء دون حواجز، وبالطبع تم افتتاح دور سينما في خطوات اعتبرها الكثيرون إنجازاً يجب الإشادة به.

بالرغم من ذلك، حكم بن سلمان البلاد بقبضة من حديد، في قاموسه لا توجد حريات سياسية، والمطالبة بالديموقراطية فعل محرم.. هذه السياسات واجهها الغرب ببعض الانتقادات، خصوصاً الولايات المتحدة التي لوحت بأنها ستدير ظهرها لحليفها التاريخي، لكن السعوديون لم يهتموا، وقرروا البحث عن بديل آخر، الصين وروسيا، وبكل أسف رضخت أمريكا لهذه التهديدات وتراجعت عن التزامها بحقوق الإنسان… عاد بايدن إلى السعودية لإنقاذ الاقتصاد، والسعودية لن تصده لأنها بحاجة إلى جهوده ضد عدوها اللدود “إيران”.

يحتاج السعوديون إلى استثمارات أمريكية، كما يشير بروس ريدل، مستشار الشرق الأوسط للعديد من الإدارات ومؤلف كتاب عن العلاقة الأمريكية السعودية التي استمرت 75 عامًا: “المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أمريكا أكثر بكثير مما نحتاجها… الصين لن تحميهم من إيران ولن تحميهم روسيا “.

على الرغم من الحجم الهائل لمبيعات الأسلحة الأمريكية، أظهرت حرب اليمن أن الجيش السعودي ليس قوة قتالية متصدعة.

محلياً، بينما تحظى إصلاحات محمد بن سلمان باهتمام كبير، تظل المملكة نظاماً قمعياً للغاية، النساء اللواتي يتحدثن من أجل المزيد من الحقوق يتم سجنهن، وأحياناً يتعرضن للتعذيب. يقول مايكل أبراموفيتز، رئيس فريدوم هاوس، وهي منظمة رائدة في الدفاع عن الحقوق السياسية وحقوق الإنسان، إن المملكة العربية السعودية هي “واحدة من أسوأ الأماكن في العالم للحرية السياسية”.

قد يكون مقتل خاشقجي في تركيا أكثر عمليات القمع العابرة للحدود وحشية، لكنها ليست الوحيدة كما يحاول البعض الترويج لها.

سعد الجابري، الرجل الثاني في المخابرات السعودية سابقاً، كاد أن يلحق بخاشقجي، هرب إلى كندا لأنه لم يكن من الموالين لمحمد بن سلمان، وبعد فترة من الوجود في المنفى، تلقى تهديدات عدة للضغط عليه للعودة للبلاد. يقول الجبري إن ولي العهد -الذي يصفه بالمختل عقلياً- أرسل فرقة اغتيال لإلقاء القبض عليه أو قتله مثل خاشقجي، لكن السلطات الكندية أحبطت العملية.

سلسلة المقابلات التي أجراها ولي العهد مع مجلة “ذي أتلانتك” الأمريكية، في وقت سابق من هذا العام تؤكد أنه لا يملك أي نية للإصلاح أو تحسين أوضاع حقوق الإنسان، لقد قالها صراحة “أريدها ملكية مطلقية وليست دستورية”.

في حواره مع المجلة الأمريكية، نفى بن سلمان تورطه في قتل خاشقجي، لكن طريقة نفيه كانت متعجرفة، لم تكن مقنعة، قال: “إذا كانت هذه هي الطريقة التي سأتخلص بها من أحد.. فلن يكون خاشقجي حتى ضمن قائمة من 1000 شخص أود التخلص منهم… إن كنت سأنفذ عملية كهذه، سأنفذها بطريقة أكثر احترافية وضد من يستحق”.

وحول ما إذا كان بايدن قد أساء فهمه، قال: “ببساطة، أنا لا أهتم”.

نحن بحاجة للتعامل مع الأشرار أمثال محمد بن سلمان وغيره من القادة المستبدين بعيون مفتوحة، لا يجب الاطمئنان إليهم أبداً. يقول ريدل: “محمد بن سلمان متعجرف، ومتهور.. التغيير الوحيد الذي يمكن لمسه هو أنه أدرك أن حربه في اليمن كارثة على المملكة”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا