مرت دولة قطر بأوقات عصيبة خلال مدة حكم الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب. فرغم أن العلاقات القطرية- الأمريكية لم تكن متدهورة إبان حكم ترامب، في نظر كثيرين؛ إلا أن الأخير كان مواليًا بشدة لعربدة الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، المتمثلة في نظام محمد بن سلمان في السعودية، ونظام محمد بن زايد في الإمارات، ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر.
وقد ظهرت موالاة ترامب لمحور الشر في المنطقة من خلال تغاضيه عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذه البلاد. بل بلغ الأمر لوصف ترامب للسيسي بأنه “ديكتاتوره المفضل”. علاوة على ذلك، تجاهل ترامب إنزال أي عقوبة على ابن سلمان، بعد تورطه في جريمة قتل الصحفي، جمال خاشقجي، بل منع المخابرات الأمريكية من إصدار تقريرها الذي خلصت فيه أن ولي العهد السعودي أمر أو سمح بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده باسطنبول التركية.
أضف إلى ذلك حصار قطر الذي دام معظم المدة التي قضاها ترامب بالبيت الأبيض. بل وصل الأمر إلى حد التفكير في غزو قطر، كما أشار أمير الكويت الراحل، صباح الأحمد الجابر الصباح، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس ترامب في العاصمة واشنطن في سبتمبر/أيلول من العام 2017 قائلًا: “الحمد لله، المهم أننا أوقفنا تدخلًا عسكريًا”.
اشتراطات الإمارات والسعودية ضد قطر
وكان هذا الصلف الإماراتي والسعودي واضحًا في الشروط الـ 13 التي اشترطاها على قطر لفك الحصار عنها. فقد شملت الشروط كل السياسات القطرية تقريبًا، وكُتبت هذه الشروط حينها بصيغة استعلائية.
حيث جاء فيها: خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وعدم إقامة أى نشاط تجارى مع إيران يتعارض مع العقوبات الأميركية المفروضة عليها، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها وإلغاء التعاون العسكري معها. كما تضمنت الشروط إغلاق قناة الجزيرة بشكل فوري.
وبالطبع، فإنه لولا وجود ترامب على رأس هرم السلطة في الولايات المتحدة، ما كان محور الشر في المنطقة ليفكر في اشتراط هذه الشروط على قطر. لكن تعامي ترامب عن “البلطجة” التي تمارسها أبو ظبي والرياض فتح الباب واسعًا أمام النظامين لاستباحة كل المنطقة.
قطر تقلب الطاولة على دول الحصار
ورغم أنه كان من المفاجئ لقطر أن تتعرض لحصار خانق من جيرانها الخليجيين، إلا أنها أبدت صلابة في وجه دول الحصار، ولم تنفذ أي من شروط محور الشر. الأمر الذي مكنها من إيقاع السعودية والإمارات في حرج كبير، لأنهم افتعلوا مشكلة لتركيع قطر، إلا أن ما افتعلوه انقلب ضدهم عندما فشلوا في تحقيق أي مكسب من وراء الحصار.
لكن هذا الصمود القطري لم ينف حقيقة أن نظامي ابن زايد وابن سلمان استفادا كثيرًا من وجود ترامب في البيت الأبيض، واستثمرا هذا الأمر في تثبيت حكمهم والعصف بكل معارض. هذا فضلًا عن صفقات الأسلحة المتعددة التي مررها ترامب لحلفائه في المنطقة.
لكن الأمور أخذت في التغير بشكل واضح، خلال عقد انتخابات الرئاسة الأمريكية، أواخر عام 2020. فمع الأنباء التي تحدثت عن خسارة ترامب، بدأ الحديث بقوة حول تغير في سياسات محور الشر، بحيث يسير هذا المحور نحو الانكماش ومحاولة التماهي مع السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن.
مكاسب عديدة مرتقبة لقطر
ويبدو أن الأمور في طور التحسن بالنسبة لقطر. ففي الوقت الذي لم يلتق فيه بايدن بابن زايد، ولم يجري ولو اتصالًا هاتفيًا مع ابن سلمان، كان أمير قطر، تميم بن حمد، الزعيم العربي الثاني الذي يزور البيت الأبيض في فترة حكم بايدن، بعد ملك الأردن. والأهم من ذلك بالنسبة لقطر هي التصريحات التي ألقاها بايدن خلال لقائه بالأمير تميم.
حيث كشف الرئيس الأمريكي عن عزم إدارته تصنيف دولة قطر”حليفًا رئيسيًا” لبلاده من خارج دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”، قائلًا إن “قطر صديق جيّد وشريك موثوق”. وتابع: “سأبلغ الكونغرس بأنني سأصنف قطر حليفًا رئيسيًا من خارج الناتو لكي أعكس أهمية علاقتنا.. وأعتقد أنه أمر طال انتظاره”.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي، إن “هذا التصنيف سيغير الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة وجيشها مع قطر، ويفتح نطاقًا جديدًا من الفرص والتدريبات والعمليات وربما أيضًا الحصول على معدات عسكرية”.
وبدوره، صرح وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لقناة “الجزيرة” القطرية أن تصنيف الدوحة حليفًا رئيسيًا لواشنطن من خارج الناتو “يعكس قوة العلاقة ويوفر فرص شراكة ويمثل اعترافًا بمصلحتنا الوطنية في تعميق التعاون الدفاعي والأمني معها”.
أدوار قطر البارزة مقابل الانكماش الإماراتي
كذلك، أقر بايدن بأدوار الدوحة البارزة في ملفات عديدة بقوله إن “شراكتنا مع قطر أدّت دورًا محوريًا لمصالحنا الأكثر استراتيجية: نقل عشرات آلاف الأفغان، والحفاظ على الاستقرار في غزة وتقديم المساعدة المنقذة للحياة للفلسطينيين، ومواصلة الضغط على تنظيم داعش”.
وفي المقابل، هناك انكماش إماراتي متمثل في انسحاب وإعادة تموضع للقوات الإماراتية في اليمن، كما انكفأت عن دعم وكيلها في ليبيا مجرم الحرب، خليفة حفتر، فضلًا عن تراجعها في القرن الإفريقي عبر انسحابها من عدد من الموانئ التي ساهمت سابقًا في استثمارها قواعد عسكرية خصوصًا في جيبوتي والصومال، بالإضافة إلى انفتاحها المفاجئ على تركيا.
أما عن السعودية، فهي ما زالت غارقة في حرب اليمن تحاول أن تجد مخرجًا يحفظ لها ماء وجهها، كما ما زال ولي العهد في ورطة في علاقاته بالبيت الأبيض بسبب جريمة قتل خاشقجي.
لذلك، فإن السؤال يطرح نفسه بقوة: “هل بدأت قطر حصد ثمار صمودها ضد الحصار الخليجي، مقابل انحسار السعودية والإمارات؟”. يبدو أن السطور السابقة أجابت على قدر كبير من هذا التساؤل.
اضف تعليقا