تسببت ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية المتعجرفة في المسجد الأقصى والشيخ جراح إلى تصعيد أعمال المقاومة المشروعة للفلسطينيين دفاعًا عن إخوانهم ومقدساتهم وأراضيهم المحتلة. فمنذ 13 أبريل/ نيسان الماضي، تشهد الأوضاع على الساحة الفلسطينية تصعيدًا بسبب اعتداءات شرطة الاحتلال الإسرائيلي، ومستوطنين على الفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة.  تطورت هذه الاعتداءات فيما بعد إلى اقتحام للمسجد الأقصى المبارك، خلال شهر رمضان.

ثم تلا ذلك شن الاحتلال لعملية عسكرية ضد قطاع غزة، في 10 مايو/ أيار الجاري، أطلق عليها اسم “حارس الأسوار”. وذلك بعد أن أطلقت فصائل المقاومة نحو 150 صاروخًا تجاه الأراضي المحتلة، بما في ذلك 7 على مدينة القدس، إثر انتهاء مهلة أعطتها المقاومة لحكومة الاحتلال، لسحب جنودها من المسجد الأقصى وحي “الشيخ جراح” والإفراج عن المعتقلين الذي اعتقلوا أثناء اعتداءات الاحتلال على المسجد الأقصى.

استمر هذا الاعتداء 11 يومًا على غزة، وأسفر هذا العدوان الهمجي على الأراضي الفلسطينية المحتلة وغزة منذ 13 أبريل/نيسان الماضي، عن 274 شهيدًا، بينهم 70 طفلًا، و40 سيدة، و17 مسنًا، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها شديدة الخطورة.​​​​​​​

 

ضغوط شعبية في السودان حول التطبيع

ووفق مراقبين، فإن الأحداث الجارية تسببت في مزيد من الضغوط السياسية والشعبية على السلطات الانتقالية في السودان بشأن الاستمرار في ملف التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأن أفعال الاحتلال الإجرامية تسببت في إحياء قضية الشعب الفلسطيني.

من ذلك على سبيل المثال، التظاهرة التي خرجت يوم الثلاثاء الماضي، في العاصمة السودانية الخرطوم، بدعوة من قوى شعبية مقاومة للتطبيع، تنديدًا بهجمات الكيان الصهيوني على غزة والقدس، ودعمًا لنضال وصمود الشعب الفلسطيني.

كذلك، طالب الحزب الشيوعي السوداني، في 17 مايو/ أيار الجاري، حكومة بلاده بالإلغاء الفوري لكل الخطوات التي اتخذتها في إطار التطبيع مع دولة الاحتلال، لينضم بذلك إلى أحزاب أخرى مشاركة في الائتلاف الحاكم (قوى إعلان الحرية والتغيير) منها حزب البعث العربي الاشتراكي، والتي تطالب جميعها بوقف عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وقبل ذلك، وتحديدًا في 13 مايو، دعا حزب البعث العربي “إلى النزول للشوارع رفضًا للتطبيع، وجاء في بيانه أن التطبيع مرفوض “من الرباط إلى المنامة إلى أبوظبي وانتهاء بالقاهرة وعمان وكل موقع عربي يقيم علاقة مع إسرائيل فوق الطاولة أو تحتها”.

 

دعم رسمي للتطبيع

وفي الواقع، فإن التطبيع السوداني على المستوى الرسمي قد تم بالفعل، ففي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعلن السودان تطبيع علاقته مع دولة الاحتلال. كما أنه في أبريل الماضي، صادق مجلسا السيادة والوزراء بالسودان، “بشكل نهائي” على مشروع يلغي قانون مقاطعة “إسرائيل”، القائم منذ عام 1958.

ووفق هذا القانون، فإنه يُحظر “على أي شخص أن يعقد بالذات أو الوساطة (التفويض) اتفاقًا من أي نوع مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو مع هيئات أو أشخاص يعلم أنهم ينتمون بجنسيتهم إلى إسرائيل أو يعملون لحسابها”؛ إلا أن بإلغائه يُلغى تجريم كل هذه الأفعال.

وفي خضم التصعيد في الأراضي المحتلة وغزة، دافع رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، مجددًا عن خيار التطبيع، وذلك في مقابلة تلفزيونية له مع قناة “فرانس 24”. حيث قال إن التطبيع “ليست له علاقة بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم”. وإن “قيام دولة فلسطينية هو الحل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني”.

 

انتقاد الاعتداءات 

ويبدو أن الإدارة السودانية حاولت امتصاص غضب الشارع بشكل أو بآخر، حيث أعلنت في 14 مايو، دعمها للشعب الفلسطيني في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، معلنة استعدادها لتقديم كل ما يلزم لوقفها.

وأصدرت وزارة الخارجية السودانية بيانًا أعربت فيه عن “قلقها وقلق بلادها من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ووقوف السودان حكومةً وشعبًا مع الشعب الفلسطيني أمام هذه الاعتداءات”، وأعادت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، ذات المضمون في اتصالين مع نظيريها الفلسطيني رياض المالكي، والسعودي فيصل بن فرحان.

 

شطب السودان من الدول الراعية للإرهاب

ومن المهم هنا النظر إلى طبيعة اتفاق التطبيع الذي وقعه السودان، ففي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وقع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرارًا برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، حيث أدرجته واشنطن على هذه القائمة منذ 1993، لاستضافته آنذاك زعيم تنظيم “القاعدة”، أسامة بن لادن.

وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الخارجية السوداني المكلف عمر قمر الدين حينها، أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلنت السفارة الأمريكية لدى الخرطوم بدء سريان قرار إلغاء تصنيف السودان “دولة راعية للإرهاب”.

وعلى هذا، يقول مراقبون إن قرار التطبيع، الذي لم يصدر من إرادة داخلية، ولم يكن محل توافق وطني، ستبقى قِواه مُقيدة بالتزاماتها تجاه الإملاءات الخارجية، وفي مقدمتها التطبيع. بمعنى أن التطبيع مع إسرائيل هو في الأساس ناتج عن ضغط أمريكي على السودان وتم مقابل إزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

لكن تضامن الشعب السوداني وقواه السياسية مع شعب فلسطين ونضاله وتأييد حقوقه المشروعة، بجانب حركة التضامن في كل العالم من شأن كل ذلك أن يحاصر دعاة التطبيع ويجبرهم على التراجع التكتيكي، عن مواقفهم المعلنة، والكف عن الاندفاع غير المحسوب على طريق التطبيع.

إذن هناك عاملان يبطئان من وتيرة التطبيع السوداني، وهما الرفض الشعبي الواسع له، والذي تعبر عنه تحركات شعبية ومؤسسات حزبية. هذا بالإضافة إلى أن الاعتداءات الآثمة من دولة الاحتلال تحرج الحكومات المطبعة أمام الرأي العام. لكن في المقابل، فإن التطبيع السوداني أتى كمقايضة على شطب اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب. وبالتالي، ترى الحكومة السودانية الحالية أنه من الصعب التراجع عن عملية التطبيع من أساسها.

اقرأ أيضًا: كيف يسعى السيسي لاختراق غزة أمنيا وكشف شبكة الأنفاق؟