تصاعد التوتر في الجزء الخاضع للإدارة الهندية في كشمير، بعد إلغاء تشريع كان يعطي سكان الولاية التي يعيش فيها غالبية مسلمة امتيازات قانونية من ضمنها حقوق التملك.
ويتركز النزاع في ولاية “جامو وكشمير”، وهي الكيان الإداري للجزء الذي تسيطر عليه الهند من منطقة كشمير، في حين تسيطر باكستان على ثلث هذا الإقليم الواقع في جبال الهيمالايا.
ومنذ أكثر من سبعين عاماً تتنازع هاتان القوتان النوويتان تبعية هذا الإقليم، كما ظل مصدر توترات عسكرية ودبلوماسية قوية بين البلدين منذ رحيل الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية عن الهند عام 1947.
ما الحكم الذاتي الذي ألغي؟
في 5 أغسطس 2019 ألغت الحكومة الهندية الاستقلال الدستوري لإقليم جامو وكشمير في شمال البلاد، وأعلنت أنه أصبح باطلاً، حيث ينص الوضع الخاص لجامو وكشمير على الحفاظ على حقوق سكانها، وهو موروث من الشروط التي وضعتها إمارة كشمير للقبول بالانضمام إلى الهند عند استقلالها عام 1947.
وتعطي المادة 370 من الدستور الهندي، التي ألغيت بموجب مرسوم رئاسي، سكان جامو وكشمير هامشاً واسعاً من المناورة في إدارة شؤون ولايتهم.
كما تمنح هذه المادة جامو وكشمير دستوراً وعلماً منفصلين، وهو ما سيتغير مع إلغاء المادة المذكورة.
وبإلغاء هذه المادة تصبح المادة “35A” باطلة بشكل تلقائي، وهي التي كانت تمنع الأجانب في جامو وكشمير من شراء الأراضي والحصول على فرص عمل في المنطقة.
ويخشى المسلمون الكشميريون من أن يكون هدف حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الهندوسية القومية، من هذه الخطوة هو تغيير التركيبة السكانية لمنطقتهم على المدى الطويل.
كيف شرعت هذه المادة؟
كان هاري سنغ أول من وضع تشريعاً في عام 1927 لوقف تدفق الناس من ولاية البنجاب الشمالية على كشمير.
وتقول تقارير إنه فعل ذلك بناء على طلب الجالية الهندوسية القوية في كشمير، وما يزال هذا التشريع سارياً في الأجزاء الخاضعة للإدارة الباكستانية في كشمير.
وفي الهند أضيفت المادة “35A” إلى الدستور الهندي بقرار رئاسي في عام 1954، إلى المادة 370 من الدستور التي تكفل لكشمير وضعاً خاصاً داخل الهند.
وعندما اعتمد دستور ولاية جامو وكشمير في عام 1956، أقر قانون الإقامة الدائمة الذي كان قد مضت على تشريعه سنتان.
وبحسب إحصاء عام 2011 يبلغ عدد سكان جامو وكشمير 12.5 مليون نسمة، وهي المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند.
غضب باكستاني
تمثل كشمير أهمية استراتيجية لباكستان، فتعتبر كشمير منطقة حيوية لأمنها، وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تجري بمحاذاة كشمير.
وينبع من الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان، ممَّا يجعل احتلال الهند لها تهديداً مباشراً للأمن المائي الباكستاني.
وبدأ البرلمان الباكستاني ومجلس الشيوخ جلسة طارئة بدعوة من الرئيس الباكستاني عارف علوي لمناقشة قرار الهند إلغاء الوضع الدستوري الخاص لإقليم جامو وكشمير.
كما أدانت الحكومة الباكستانية القرار الهندي بإلغاء الوضع الخاص للإقليم، وقالت: إنه “غير قانوني وينتهك قرارات الأمم المتحدة”.
كما أعلن الجيش الباكستاني، في 6 أغسطس 2019، استعداده “الذهاب إلى أقصى حد ممكن، للإيفاء بواجبه” تجاه إقليم كشمير المتنازع عليه، عقب إعلان الهند إلغاء مادة دستورية تمنح الإقليم وضعاً خاصاً يخوله وضع قوانينه بمعزل عن الحكومة المركزية.
وقال القائد العام للقوات الباكستانية الجنرال قمر جاود باجوا، أثناء اجتماع طارئ ترأس فيه قادة القوات، في مبنى القيادة العامة بالعاصمة إسلام أباد: إن “الجيش الباكستاني يقف بحزم إلى جانب الشعب الكشميري في كفاحه العادل حتى النهاية”.
وجهة نظر الهند
تمثل كشمير أهمية استراتيجية للهند جعلتها شديدة التمسك بها، فهي تعتبرها عمقاً أمنياً استراتيجياً لها أمام الصين وباكستان.
وتنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها قائمة على أسس دينية ممَّا يهدد الأوضاع الداخلية في الهند.
تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية، أن تفتح باباً لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية.
وكانت السلطات الهندية في 6 أغسطس 2019 أمرت بتوقيف ثلاثة قياديين في كشمير، قالت إنهم يشكلون تهديداً للسلام.
ويتعلق الأمر بالرئيسين السابقين لحكومة جامو وكشمير محبوبة مفتي وعمر عبد الله، إضافة إلى زعيم حزب المؤتمر الشعبي في كشمير ساجد لون، ووضع الثلاثة قيد الإقامة الجبرية.
وكانت محبوبة قبل توقيف السلطات الهندية لها كتبت على “تويتر” أن “قرار الحكومة الهندية الأحادي بإلغاء المادة 370 غير شرعي وغير دستوري، وسيجعل الهند قوة احتلال في جامو وكشمير”.
كما قامت السلطات الهندية بعزل سكان كشمير عن العالم منذ مساء 4 أغسطس 2019، عبر قطع جميع وسائل الاتصال، كما حظرت عليهم التجول والتجمع.
ونشرت الهند أكثر من ثمانين ألف جندي وشبه عسكري في شوارع وأرياف كشمير على مدار الأيام العشرة الماضية، للحيلولة دون وقوع أي انتفاضة.
ويخشى أن تؤدي هذه الإجراءات غير المسبوقة إلى انتفاضة دموية في وادي سرينغار ذي الأغلبية المسلمة، والذي يعادي سكانه الهند ويتشبثون بالاستقلال عنها.
التوتر الأخير بين البلدين
التوتر بين البلدين حول كشمير لم يتوقف، وكان آخر الأحداث التي كادت أن تفجر حرباً بين البلدين في فبراير 2019، على خلفية تفجير انتحاري أودى بحياة 40 عنصراً في الشرطة الهندية، وخلف أزمة حادة تحولت إلى مواجهة جوية مباشرة بين الهند وباكستان.
وعقب التفجير في منتصف فبراير شنت الهند، في 26 فبراير 2019، غارات جوية على الأراضي الباكستانية قالت إنها استهدفت قواعد للمتشددين، ونفت باكستان أن تكون الغارات قد تسببت في أي أضرار أو إصابات كبيرة، لكنها وعدت بالرد.
وفي اليوم التالي، قالت إنها أسقطت طائرتين تابعتين للقوات الجوية الهندية في مجالها الجوي.
وكان عام 2018 أكثر الأعوام صراعاً وشهد سقوط أعلى عدد من الضحايا في كشمير، حيث قُتل أكثر من 500 شخص من المدنيين وقوات الأمن والمسلحين.
3 حروب وسلام هش
وتسبب نزاع السيادة على الإقليم بثلاث حروب طاحنة بين الهند، التي تسيطر على 48٪ من مساحة الإقليم البالغة 222.236 كيلومتراً مربعاً، وباكستان التي تسيطر على 35٪ منه، في حين تسيطر الصين على 17٪.
الحرب الأولى اندلعت عام 1947 وانتهت عام 1948، بسبب سعي الدولتين لبسط كل منهما سيطرتها على المنطقة، وانتهت الحرب بعد أن قسمت كشمير بينهما فيما بات يعرف الآن بولاية “جامو وكشمير” الخاضعة للسيادة الهندية، و”آزاد كشمير” (كشمير الحرة) التابعة لباكستان.
انطلقت شرارة الحرب الثانية عام 1965، واستمرت 17 يوماً، بعد أن حاولت باكستان دعم المقاتلين الكشميريين، لتتطور الأمور لاحقاً وتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين النظاميين الهندي والباكستاني على طول الحدود بينهما، في مناطق “لاهور” و”سيالكوت” و”كشمير” و”راجستان”، ولم تحقق أي من الدولتين نصراً ناجزاً، وانتهت الجهود الدولية بعقد معاهدة وقف إطلاق النار بين الجانبين في الثالث والعشرين من الشهر نفسه.
الحرب الثالثة وقعت عام 1971 إثر اتهام إسلام آباد للهند بدعم باكستان الشرقية (بنغلاديش) في محاولتها الانفصالية، وحققت فيها نيودلهي انتصاراً عسكرياً على الأرض غيّر موازين القوى، ودخل البلدان بعدها في سباق تسلح وصل بهما إلى الإعلان عن امتلاك سلاح نووي، وأسفرت الحرب عن انفصال باكستان الشرقية عن إسلام أباد لتشكل جمهورية بنغلاديش.
وفي عام 1972 توصل الطرفان إلى سلام وصف بـ”الهش”؛ إذ لم يمنع البلدين من تبادل إطلاق النار على طرفي الحدود بين الفينة والأخرى.
ولا تزال القضية تشكل عنصر تفجير بين البلدين، وهو ما يهدد بتفجر حرب رابعة بينهما، وهي إن حدثت ستكون الأولى بعد دخولهما النادي النووي.
اضف تعليقا