مع تصاعد التوتر بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، تجد تل أبيب نفسها أمام سؤال استراتيجي خطير: هل بإمكانها تنفيذ تهديداتها المتكررة بتدمير المفاعلات النووية الإيرانية؟ ورغم التصريحات النارية المتكررة من المسؤولين الإسرائيليين، يشكك عدد متزايد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين في قدرة الاحتلال على تنفيذ هذه المهمة المعقدة بنجاح.
ففي أعقاب الضربة الإسرائيلية الواسعة التي استهدفت قيادات عسكرية إيرانية بارزة، أعادت بعض مراكز الأبحاث وشبكات الأخبار طرح سؤال قديم جديد: ما مدى واقعية خطة إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية؟ وهل يمكن فعلاً لإسرائيل تدمير هذه المنشآت دون أن تخاطر بانفجار إقليمي واسع أو حتى فشل تكتيكي مدوٍ؟
حماية تحت الأرض… وداخل الصخر
أحد أبرز أسباب التشكيك في قدرة إسرائيل على تنفيذ هذه المهمة هو العمق الهائل الذي بنيت فيه بعض المنشآت النووية الإيرانية، والتي صممت خصيصًا لتحمّل أقسى الضربات الجوية. فموقع فوردو، على سبيل المثال، يقع على عمق يُقدّر بنحو 800 متر تحت الأرض، ما يجعله بعيدًا جدًا عن متناول معظم الأسلحة التقليدية.
وفي هذا السياق، أشار سيدريك لايتون، محلل الشؤون العسكرية في شبكة CNN، إلى أن الإيرانيين استخدموا نوعًا من الخرسانة عالية الصلابة والمصممة خصيصًا لامتصاص آثار الانفجارات الجوية.
وأوضح أن الطائرات الإسرائيلية، وحتى القنابل خارقة التحصينات، قد لا تكون قادرة على اختراق هذا النوع من التحصين، مضيفًا: “سيضطر الإسرائيليون إلى شن موجات متتالية من الهجمات المركزة، وهذا قد لا يضمن النجاح الكامل”.
تعقيدات هندسية ومحدودية تقنية
إلى جانب العمق، تمثل البنية الهندسية المعقدة للمفاعلات النووية الإيرانية عائقًا آخر أمام أي هجوم إسرائيلي محتمل.
فبحسب ما كشفه أليكس بليتساس، الزميل في المجلس الأطلسي، فإن المنشآت النووية الإيرانية مرتبطة بأنفاق تتخذ زوايا 90 درجة، وهو ما يعقّد قدرة الصواريخ المجنحة أو حتى الذخائر الذكية على استهداف النقاط الحيوية بدقة.
وأوضح بليتساس: “الصواريخ المجنحة لا تستطيع القيام بدوران حاد بهذه الزاوية، ما يجعل الوصول للأجزاء الحساسة من المفاعل أمرًا بالغ الصعوبة”. وبهذا تظل الهجمات محدودة التأثير إذا لم تكن قادرة على اختراق أكثر أجزاء البنية تحصينًا.
خيارات جوية محدودة
كما أن الطيران الإسرائيلي يواجه قيودًا لوجستية واستراتيجية في طريقه نحو إيران. فالمسافة الطويلة تتطلب عبور عدة أجواء لدول في المنطقة، بعضها لا يسمح بمثل هذه العمليات، ما يجعل المهمة محفوفة بالتحديات، خاصة في ظل احتمال اعتراض الطائرات أو عدم وجود قواعد دعم قريبة.
وتُعدّ الولايات المتحدة القوة الوحيدة حاليًا التي تملك قنابل “بانكر باستر” الخارقة للتحصينات المتطورة مثل قنبلة GBU-57، لكن تل أبيب لا تملك هذه القنبلة، ولم تُمنح حتى الآن نسخة منها، وهو ما يضعف خيار الهجوم الجوي المباشر بشكل حاسم.
الحسابات السياسية والردع الإيراني
حتى إذا افترضنا جدلاً أن إسرائيل تمتلك القدرة التقنية على ضرب المفاعلات، فإن التكلفة السياسية والعسكرية قد تكون باهظة. إذ إن أي هجوم بهذا الحجم سيعني عمليًا إشعال حرب مفتوحة مع إيران، وربما مع حلفائها في لبنان، سوريا، العراق، واليمن. كما أنه قد يفتح المجال لتدخل دولي واسع إذا ما شعر العالم بتهديد مباشر للمفاعلات النووية.
وفي هذا السياق، صرّح تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي بواشنطن، قائلاً: “لا أعتقد أننا رأينا أي دليل حتى الآن على أن الإسرائيليين يمتلكون القدرة الفعلية لتدمير المفاعلات النووية”.
وأضاف أن إيران تملك أوراق قوة عديدة لردع مثل هذا الهجوم، بدءًا من الصواريخ الباليستية، ووصولًا إلى الهجمات السيبرانية وعمليات الانتقام عبر الحلفاء الإقليميين.
خلاصة المشهد
تشير المعطيات العسكرية والفنية والسياسية إلى أن إسرائيل تواجه صعوبات حقيقية في تنفيذ أي عملية فعالة ضد المفاعلات النووية الإيرانية.
التحصينات العميقة، التعقيد الهندسي، محدودية التكنولوجيا المتاحة، وغياب الدعم الدولي أو الإقليمي الكامل، كلها عوامل تجعل من هذه المهمة شبه مستحيلة.
ولذلك، فإن التهديدات المتكررة من قبل إسرائيل قد تكون جزءًا من سياسة الردع أكثر من كونها استعدادًا لهجوم وشيك.
فبين الواقع العسكري والتمنيات السياسية، يظل السؤال قائمًا: هل تملك إسرائيل حقًا القدرة على تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، أم أن هذه المهمة تفوق إمكانياتها؟
اقرأ أيضًا : ماذا وراء الهجوم الإسرائيلي على إيران؟.. أسئلة يجب أن تطرح الآن
اضف تعليقا