خلال الأسابيع القليلة الماضية، أدلى مسؤولون في دولة الاحتلال الإسرائيلي بتصريحات عديدة حول اللاجئين الأوكرانيين. وكانت التصريحات كلها كلها ترحب بشكل كامل باليهود الأوكرانيين “في وطنهم” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذا سعوا إلى الهجرة.  

على عكس الأوكرانيين الذين يتمتعون بوضع الحماية المؤقتة (TPS) في الاتحاد الأوروبي – والتي كما يوحي الاسم توفر حماية مؤقتة فقط للاجئ الأوكراني- يمكن لجميع اليهود المطالبة بالجنسية الإسرائيلية دون أي عوائق بموجب قانون العودة، حتى لو لم يسبق لهم زيارة دولة الاحتلال، ما يعني أن حكومة الاحتلال تخطط لتوطينهم هناك بشكل مستمر. 

حيث قال رئيس الوزراء في الكيان الصهيوني، نفتالي بينيت، بعد أسبوعين من الحرب في أوكرانيا: “هذه لحظة مهمة، لحظة مقدرة لنا ومن أجلها تأسست دولة إسرائيل”. وبالطبع، يقصد بينيت هنا أن الاحتلال الإسرائيلي ينتظر ما تبقى من يهود العالم ليكونوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك صرح قادة الاحتلال أنهم يتوقعون وصول ما يصل إلى 100.000 يهودي من أوكرانيا – وحتى روسيا – في الأشهر المقبلة.

وأضاف بينيت أن “المهمة الكبرى هي فتح الأبواب، وفتح القلوب، واستقبال إخوتنا وأخواتنا الفارين من حرب عصيبة”. وتابع موجهًا كلامه لليهود الأوكرانيين القادمين إلى الأراضي المحتلة، طالبًا منهم أن يكونوا متأكدين من أنه [سيكون لديهم حفل استقبال] سوف يخفف ولو قليلًا من الصدمة التي يتعرضون لها”، مشيرًا إلى أن الصدمة هي أنه في غضون ساعات أو أيام سيضطر الأوكرانيون الانتقال إلى بلد بعيد ومختلف”. 

 

الأرقام تكشف خبث مخطط الصهاينة 

وعلى الرغم من الحديث المزيف حول الإنسانية وسط الصدمة، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أن 5000 فقط من الأوكرانيين، غير اليهود الجدد، سيكونون قادرين على القدوم إلى فلسطين المحتلة كلاجئين، بينما سيسمح لـ 20000 موجود بالبقاء أثناء الصراع.

وهنا، يكشف هذا الوضع عن الدوافع التمييزية للكيان الصهيوني ويلمح إلى سياسة فتح الحدود أمام الأوكرانيين -ليس بالضرورة لأنهم في حاجة إلى اللجوء إلى دولة الاحتلال- بل كوسيلة لتغيير التركيبة السكانية الوطنية.

ويبدو أنها فرصة مثالية لكيان الاحتلال لاستغلال اللاجئين الأوكرانيين كوسيلة لتغيير التركبية الديموغرافية في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الاحتلال، في الوقت الذي يبدو فيه أن التعاطف العالمي مع الأوكرانيين يمكن أن يلقي بظلاله على خطة إعادة التوطين، التي من الواضح أنها ذات دوافع سياسية خبيثة. 

 

أوكرانيا مثل إسرائيل!! 

وبغض النظر عن إن كان ذلك بقصد أو بغير قصد، شبه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بالإضافة إلى أعضاء آخرين من طاقمه، أوكرانيا بدولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال تكرار في عدة مناسبات أن أوكرانيا مثل إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد “الدمار الشامل”.  

وربما يكون الهدف من هذا الخطاب الأوكراني هو كسب التعاطف من الجمهور الغربي، وربما يكون كذلك محاولة لتبرئة كيان الاحتلال من جميع انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان التي يرتكبها بشكل يومي.

وفي السياق ذاته، فإن الأمم المتحدة أعلنت مؤخرًا أن ما يقدر بنحو 3.7 مليون أوكرانيين فروا من الحرب الدائرة في بلادهم منذ بدء يوم 24 فبراير، مضيفة أنه خلال الأيام العشرة الأولى من النزاع، تم تهجير حوالي مليوني شخص.

والأرقام توضح أن غالبية هؤلاء الأفراد قرروا اللجوء، في المقام الأول، في بلدان الاتحاد الأوروبي المجاورة. وفي الواقع، يحق الأوكرانيين والمقيمين في أوكرانيا اللجوء إلى دول الاتحاد، حيث مُنحوا فترة إقامة قابلة للتجديد بين سنة إلى ثلاث سنوات، وسمح لهم بالتمتع بخدمات الرعاية الصحية والتعليم والإسكان. 

حتى أن المفوضية الأوروبية خصصت 500 مليون يورو -والتي هي ربع ميزانيتها المختصة بالجانب الحقوقي والإنساني بأكملها- إلى الأزمة الأوكرانية، وبالتالي فإن الدعم متاح وسهل الوصول إليه. وكما هو مشاهد منذ بداية الأزمة، فإن منافذ الإعلام الأوروبية والسياسيين على حد سواء وجهوا خطابات عنصرية ضد اللاجئين من الأصول المختلفة كالعرب والمسلمين والأفارقة، في حين أن الخطاب على الأوكرانيين كان داعمًا لاستقبالهم بشكل كامل. 

وكل هذه المميزات التي منحتها أوروبا للاجئ الأوكراني تطرح سؤالًا مهمًا وجوهريًا، وهو لماذا تفتح دولة الاحتلال الإسرائيلي أذرعها للاجئ الأوكراني، الذي لديه خيارات لجوء متعددة، جلها قد تكون أفضل من معيشته في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

 

توطين الأوكرانيين في مرتفعات الجولان 

ولتسليط الضوء على هذا المشروع الإسرائيلي الصهيوني الخبيث، فإن هناك ملاحظين رئيسيتين. الملاحظة الأولى هي إعلان منظمة الصهيونية العالمية تكريسها 1000 وحدة سكنية جديدة إلى اليهود الأوكرانيين، وتقع هذه الوحدات في مرتفعات الجولان المحتلة وكذلك في منطقة النقب المحتلة. وكما هو معروف فإن الجولان هي أرض سورية عربية تحتلها دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتعترف العديد من المنظمات الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة بسورية هذه الأرض. 

الملاحظة الثانية، هي أن دولة الصهاينة المزعومة، أعلنت نصب عدة محطات على الحدود الأوكرانية تختص هذه المحطات باللاجئين اليهود الأوكرانيين، وتقدم رحلات مباشرة إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، كما جمعت الوكالة 15 مليون دولار لتحقيق هدف نقل الأوكرانيين إلى دولة الاحتلال. 

وزيادة على ذلك، فإن الخطاب الإسرائيلي الموجه إلى الأوكرانيين هو أن تعالوا وأقيموا في بلدكم “المزعوم” إسرائيل. وهذا يعني بكل وضوح أن الأوكراني القادم إلى دولة الاحتلال لا يراد له أن يعود من حيث أتى ثانية حين تتوقف الحرب، ما يعني أنه مستوطن محتل جديد وليس لاجئ سيقيم لفترة مؤقتة محدودة. وبالطبع، فإن هذا خلافًا للحالة التي عليها اللاجئ الأوكراني في أوروبا. 

ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى عنصرية الكيان الصهيوني في التعامل مع مسألة اللاجئين أو المقيمين في المناطق الخاضعة لسيطرته بشكل عام. حيث تتعدد الدلائل على العنصرية المقيتة التي يمارسها الإسرائيليون بين بعضهم البعض، وخصوصًا اليهود الأفارقة، الذين يعاملون من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين كمواطنين من الدرجة الثانية.