العدسة: محمد العربي

من الصواب بالنسبة إلي أن أتنحى” بهذه الكلمات ترجم وزير الدفاع الأمريكي المستقيل جيمس ماتيس، الحالة التي تعيشها ادارة الرئيس الأمريكي ترامب، والتي تشهد خلال الساعات الماضية موجة جديدة من الاستقالات والاقالات، فبالإضافة لماتيس الذي قضي عامين في إدارة ترامب، قدم ريت ماكجورك مبعوث ترامب في التحالف العالمي للحرب ضد تنظيم “داعش” استقالته قبل انتهاء مدة تعيينه في فبراير المقبل، بينما أعلن ترامب عن إقالة رئيس مجلس الاحتياط الاتحادي جيروم باول، لفشله في ضبط اسعار الفائدة ما نتج عنه خسائر في الاسهم الامريكية.

هذه الاستقالات المتنوعة، تفجر العديد من التساؤلات عن مصير ادارة ترامب، وهل بدأ زلزال نجاح الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس يضرب اركان إدراة ترامب، وما الذي تمثله إستقالة ماتيس، الذي يعتبره البعض آخر العقلاء في الإدارة المجنونة التي يديرها ترامب المتهور، وهل يمكن ان يكون ذلك مؤشرا سلبيا على فرص ترامب في الوصول لولاية ثانية بانتخابات 2020.

لماذا رحل العاقل؟

المتابعون لاستقالة ماتيس، لم يكونوا يتوقعونها، واعتبروها أخطر ما واجهته ادارة ترامب، الذي اعتاد مفاجأة العامليين معه بإقالتهم، بينما هذه المرة، كانت الاقالة من اهم مسئول بإدارته، والاهم من ذلك أنها كانت مسببة بقرار ترامب الذي اتخذه منفردا بالانسحاب من سوريا.

وقد وصف السيناتور الجمهوري ماركو روبيو رسالة الاستقالة التي وجهها ماتيس لترامب، بأنها تدل على أن البيت الأبيض ينتهج سياسة خارجية قد تترتب عليها عواقب وخيمة، وأضاف روبيو قائلا من خلال حسابه عبر تويتر”  “اقرؤوا رسالة استقالة الجنرال ماتيس، فمن الواضح تماما أننا نتجه نحو سلسلة من الأخطاء السياسية الفادحة التي ستعرض أمتنا للخطر، وستضر بتحالفاتنا وتقوّي أعداءنا”، وأنهي السيناتور الجمهوري رسالته قائلا:”آمل أن نكون نحن الذين دعمنا مبادرات هذه الإدارة على مدى العامين الماضيين، قادرين على إقناع الرئيس باختيار نهج مختلف”.

بينما اعتبر السيناتور الديمقراطي مارك وارنير رحيل ماتيس بالأمر المخيف، مشيرا إلى أن وزير الدفاع المستقيل كان بمثابة جزيرة للاستقرار وسط الفوضى السائدة في إدارة ترامب، وأضاف وانير على حسابه بتويتر قائلا: ” ما رأيناه من خلال نهج الرئيس العشوائي تجاه سوريا، يؤكد أن دفاعنا الوطني مهم للغاية بحيث لا يمكن إخضاعه لأهواء الرئيس المتقلبة”.

بينما اعتبرت نانسي بيلوسي زعيمة الأكثرية الديمقراطية بمجلس النواب، قرار ماتيس بأنه صدمة بالنسبة لها، وأضافت في تصريحاتها للصحفيين قائلة “قواتنا تنظر إلى الجنرال ماتيس كزعيم، والآن سيتركها. وهذا أمر خطير للغاية بالنسبة لبلدنا”.، مؤكدة أن ماتيس كان يمثل عامل تهدئة بالنسبة للكثيرين، وصوتا للاستقرار في إدارة ترامب.

غضب ترامبي وقلق دولي

وحسب ما نشرته الصحف الأمريكية فإن الرئيس الامريكي ترامب وضح عليه الغضب الشديد لخطاب الاستقالة إلى قدمه ماتيس، ووصفت مصادر مقربة من ترامب، بأن تصرف الرئيس بإنهاء الالتزامات الأمريكية في سوريا، وعلى ما يبدو أفغانستان، لا ينبغي أن يشكل مفاجأة.

وتوقعت تحليلات أخرى تناولت تداعيات الإستقالة التي قدمها ماتيس، أن تساعد خطوة وزير الدفاع في انتشار الفوضي التي تضرب البيت الابيض مؤخرا، خاصة وان ماتيس كان يحظي بعلاقات قوية مع حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة تركيا ودول الخليج العربي.

وقد عكست ردود الأفعال الدولية حالة القلق التي صاحبت قرار ماتيس، حيث أكدت المتحدثة باسم حلف الأطلسي أن ماتيس قدّم مساهمة مهمة في إبقاء الحلف قوياً ومستعداً للتعامل مع التحديات الأمنية الكبرى التي يواجهها، بينما طالبت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين الولايات المتحدة بتوضيح سريع فيمن يخلف ماتيس وما هو المسار المستقبلي لإدارة ترامب، بينما اعتبر زعيم الليبراليين في البرلمان الأوروبي غي فيرهوفشتات أن هذه الاستقالة تفرض على الاتحاد التعجيل في تنفيذ خططه لتعزيز قدراته الدفاعية الخاصة.

وتشير تحليلات أخرى إلى إن قرار ترامب بتخفيض القوات الامريكية العاملة في افغانستان، المتوقع اتخاذه قريبا، يعكس حالة الازمة التي تضرب علاقة الرئيس بوزير دفاعه، خاصة وأن الاخير كان له الدور الأبرز في إقناع ترامب بإرسال مزيد من الجنود الأميركيين لأفغانستان، لوقف نجاحات حركة طالبان خلال العاميين الماضيين.

وتشير كتابات تناولت ردود أفعال الصحافة العالمية لقرار ماتيس إلى ما كتبه المحرر بصحيفة الغارديان البريطانية توم مكارثي، بأن استقالة ماتيس أثارت القلق بشأن توقيتها، خاصة وأنها جاءت بعد يوم واحد من إعلان ترامب الانسحاب المفاجئ من سوريا وبينما يتم تداول تقارير أن الرئيس ينظر في انسحاب ممثال من أفغانستان.

وأضاف مكارثي أن دوافع القلق كانت مدفوعة بمخاوف أعمق. بالنسبة لمحللي السياسة الخارجية، والمسؤولين الحكوميين، والحلفاء في الخارج والمراقبين في الداخل، حيث كان ماتيس الشخص الأخير من مجموعة من أربعة أشخاص في إدارة ترامب من الوزن الثقيل يُنظر إليهم بأنهم يقومون بتصحيح اتجاهات الرئيس الزئبقية.

 

فوفقاً لهذه الرؤية، كان ماتيس وعصبته – مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، ورئيس هيئة أركان البيت الأبيض جون كيلي ووزير الخارجية ريكس تيلرسون – يقدمون ثقلاً حيوياً لسفينة الدولة عرضة للترنح بطرق غير متوقعة إذا أمر الرئيس، على سبيل المثال، اغتيال الرئيس السوري.

الموقف الإسرائيلي

وتناولت تحليلات أخرى التأثير السلبية لقرار ترامب بالانسحاب من سوريا واستقالة ماتيس، على إسرائيل ورئيس وزرائها نتننياهو، حيث أكدت الصحف الاسرائيلية إلى أن الحدثين جاءا في أسوأ توقيت لنتنياهو، في ظل ملفات الفساد التي تلاحقه، والانتخابات التي تدق على الأبواب، بالإضافة للاحتجاجات المتواصلة ضد غلاء المعيشة.

وكتب مراسل صحيفة “هآرتس” ومحللها للشؤون الأمريكية، حيمي شاليف أن استقالة ماتيس والإعلان المفاجئ عن الانسحاب من سورية يهز واشنطن، ويطلق صافرات الاستغاثة في عدة عواصم في العالم، حيث ينظر إلى الاستقالة على أنها إزالة للحاجز الأخير أمام النزوات غير المتوقعة للرئيس الأمريكي، كما تشير إلى عدم استقرار خطير في المستقبل.

وبحسب شاليف، فإنه بعد إبعاد وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، والمستشار للأمن القومي، هربرت مكماستر، ومع المغادرة القريبة لكبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، فإن ماتيس يعتبر “المتعقل” الأخير، حيث كان ينظر إليه بوصفه “الحاجز الأخير أمام النزعات الانعزالية والمتقلبة لترامب”.

ويشير المحلل الإسرائيلي إلى أن نتنياهو اعتاد أن يكرر أن طالما كان ترامب خلف إسرائيل، فإنها قوية أكثر ومعزولة أقل. وبعد الانسحاب من سورية، واستقالة ماتيس، وسيطرة ترامب على السياسة الخارجية والأمنية، فإن إسرائيل ستبدو قريبا “ضعيفة ومعزولة أكثر مما سبق”.

بينما وصف موقع “نيوز إسرائيل” استقالة ماتيس، بعد يوم واحد من إعلان الرئيس دونالد ترامب عزمه سحب القوات الأمريكية من سوريا، بالضربة التي تلقتها إسرائيل، وحسب الموقع فإن الحديث الآن في أمريكا عن الشخصية الأهم على الإطلاق فيما يتعلق بحماية المصالح العسكرية الإسرائيلية في واشنطن، مضيفًا أن ماتيس فضّل الاستقالة بعد أن فشل في جهود إقناع الرئيس الأمريكي بالتراجع عن قرار الانسحاب “الجبان والمتسرع” من سوريا.

ولفت الموقع إلى أن ماتيس حاول بكل قوة تبرير مدى أهمية بقاء القوات الأمريكية ولو بشكل رمزي داخل الأراضي السورية، وأن نتنياهو تحدث مع ترامب هاتفيًا بشأن قرار استقالة وزير دفاعه، لكن الرئيس الأمريكي أصر على التمسك بقرار الانسحاب من سوريا.

وأشار الموقع إلى أن سياسة ترامب كانت متوقعة منذ البداية، وكانت أجهزة الاستخبارات قد تنبأت بها، منذ أن تم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، لكن رئيس الوزراء نتنياهو أصر على السير خلفه والتمسك بدعمه، ومن ثم كان ذلك على حساب علاقات تل أبيب بدول أوروبا، كما خسرت علاقاتها مع كل من روسيا والصين جراء تمسك نتنياهو بالرئيس الأمريكي، ما جعل إسرائيل تقف حاليًا داخل حصار خطير، بينما يواصل نتنياهو قيادتها إلى المجهول، كل ذلك لأنه يتمسك داخليًا ببقاء حكومة اليمين الضيقة، المتطرفة والمغيبة تمامًا عن الواقع.