في الوقت الذي يكافح فيه العالم على حافة أزمة مالية أخرى، تعاني بعض الأماكن من القلق، مثل دبي.
وينذر كل أسبوع عنوان جديد بالأزمة القادمة لمدينة ناطحات السحاب.
وقد وصلت أسعار الفلل في دبي إلى أدنى مستوى لها في 10 أعوام، بانخفاض بلغ 24% في العام الأخير فقط.
وشهد التراجع في السياحة وصول فنادق دبي إلى أدنى معدل إشغال منذ الأزمة المالية عام 2008، حتى مع استعداد البلاد لاستضافة معرض “إكسبو 2020” العام المقبل.
وكما ذكرت “زينب فتاح” من “بلومبرغ”، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، فقد بدأت دبي “تفقد بريقها”، ودورها كمركز للتجارة العالمية الذي “قوضته حرب التعريفات العالمية، وبالأخص بسبب حملة العقوبات الأمريكية التي تستهدف التجارة مع إيران القريبة”.
وتتعرض دبي بشكل خاص للركود العالمي.
وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية مباشرة عام 2009، انهار سوق العقارات في دبي، الأمر الذي هدد بتعثر العديد من البنوك وشركات التطوير العقاري الكبرى، وبعضها مرتبط بالدولة.
أبوظبي تتدخل
وقد أنقذت أبوظبي، التي تسيطر على ثروة الإمارات العربية المتحدة النفطية الهائلة، دبي عبر حزمة إنقاذ أولية بلغت 10 مليارات دولار، وتوسعت في وقت لاحق لتصل إلى 20 مليار دولار.
ولكن كان هناك “خطة إنقاذ” خفية ثانية ساعدت على إبقاء دبي واقفة على قدميها. فعندما سنت إدارة “بوش” قانون العقوبات على إيران عام 2006، مما أدى إلى تعميق الاضطرابات الاقتصادية الإيرانية في عهد الرئيس “محمود أحمدي نجاد”، كانت هناك زيادة كبيرة في حجم هروب رؤوس الأموال الكبيرة بالفعل من إيران، وقد انتهى المطاف بمعظمها في دبي. وتشير تقديرات 2009 إلى أن القيمة الإجمالية للاستثمارات الإيرانية في دبي تبلغ 300 مليار دولار.
وفي حين سحب المستثمرون العالميون رؤوس أموالهم من دبي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ظل مجتمع الأعمال الإيراني في الغالب هناك، حيث حافظ على ودائعه في البنوك المتداعية في دبي.
وواصل الإيرانيون الاستثمار في سوق العقارات المتعثر في دبي، واستخدموا موانئ دبي لإجراء عمليات إعادة التصدير، لأن العقوبات فرضت قيودا على وصول إيران المباشر إلى الأسواق العالمية.
وبالنسبة لرؤساء الصناعة والمال في إيران، لم تكن دبي سوقا ناشئة متعثرة، بل كانت نافذة حيوية على الاقتصاد العالمي في مواجهة العقوبات المشددة.
وكما قال الاقتصادي الإيراني “سعيد ليلاز” عام 2009: “تعد دبي أهم مدينة على وجه الأرض بالنسبة لإيران بعد طهران”.
دبي وإيران
وقد ساعدت الأزمة المالية، والعقوبات الأمريكية، على تعميق الاعتماد المتبادل بين دبي وإيران، وهي نتيجة تتعارض مع أهداف صانعي السياسة في كل من أبوظبي وواشنطن.
ولطالما اعتبر ولي عهد أبوظبي وحاكم الإمارات الفعلي، “محمد بن زايد”، إيران دولة منافسة.
ويبرز “بن زايد” كشخص معادي للنفوذ الإيراني على دبي، الذي يرجع للعديد من العائلات التجارية الرائدة في دبي من أصول إيرانية، وهو إرث قرون من التجارة في الخليج العربي.
وكان من الممكن تقويض حلم “بن زايد” المتمثل في سيطرة “أبوظبي” على دولة الإمارات بشكل حازم لو كانت دبي قد استمرت في التطور لتتحول إلى ما يشبه “هونغ كونغ” إلى الصين بالنسبة لإيران.
وقد أتاحت جهود إدارة “أوباما” لبناء حملة عقوبات متعددة الأطراف على إيران الفرصة لـ “بن زايد” لتقليص وجود إيران في اقتصاد دبي.
وأثناء سعيهم لعزل إيران اقتصاديا، سافر المسؤولون الأمريكيون إلى دبي للقاء البنوك والشركات لثنيهم عن المشاركة في الأنشطة التجارية مع إيران.
إملاء السياسات
وبدلا من مقاومة التدخل الأمريكي في السيادة الاقتصادية لدولة الإمارات، أكدت أبوظبي تبنيها للرسالة الأمريكية، حيث استغلت أبوظبي خطة إنقاذ دبي لتضع نفسها في موضع يسمح لها بإملاء السياسة على دبي. ودعت السياسة الجديدة دبي إلى إغلاق أبوابها أمام الأموال الإيرانية.
وفي الأعوام اللاحقة، تقلص وجود الإيرانيين في اقتصاد دبي بشكل كبير.
واستمرت التجارة، لكن البنوك ترفض الصناديق ذات الأصل الإيراني، وتغلق حسابات الشركات الإيرانية، وترفض تقديم الخدمات للأفراد الذين يحتفظون بالجنسية الإيرانية.
وفي الآونة الأخيرة، عندما أقامت إدارة “ترامب” علاقات أوثق مع “بن زايد”، بدأت الإمارات رفض المزيد من الطلبات الإيرانية للحصول على تأشيرات الإقامة، ورفضت البعض منها بشكل دائم. وغادر نحو 50 ألف إيراني دولة الإمارات في الأعوام الـ 3 الماضية.
لكن هناك علامات جديدة على أن دبي ربما تسعى لإصلاح علاقتها التجارية مع إيران.
وفي مقابلة حديثة، أعلن “عبد القادر فقيهي”، رئيس مجلس الأعمال الإيراني في دبي، أن “مساحة التجارة بين إيران والإمارات قد أعيد فتحها”.
وقال المسؤولون في دبي إن الإيرانيين الذين لديهم رأس المال ويعتزمون ممارسة تجارة مشروعة مع الإمارات سيتم منحهم تأشيرات عمل، وأن البنوك ستفتح حسابات لهؤلاء الإيرانيين بناءً على تعليمات من “سلطات دبي”.
وقد يكون هذا الانفتاح الصغير مرتبطا بالجهود المبذولة للحد من التوترات حول مضيق هرمز، حيث تعيد أبوظبي النظر في التشابك الإقليمي وخطر الصراع في المنطقة.
ومن غير المحتمل أن تتمكن دبي من مد “غصن الزيتون” إلى مجتمع الأعمال الإيراني دون موافقة أبوظبي.
تغيير في السياسة
لكن المخاوف الاقتصادية، وليس المخاوف الأمنية، توفر أوضح سبب لحدوث تغيير في السياسة، حيث قد تحتاج دبي قريبا إلى “خطة إنقاذ” أخرى من إيران.
وصرح “فرشيد فرزانيجان”، رئيس غرفة التجارة المشتركة بين إيران والإمارات العربية المتحدة مؤخرا، أن “سلوك الإمارات تجاه رجال الأعمال الإيرانيين قد تغير، ويتخذ البلدان خطوات لاستئناف العلاقات، ومع تباطؤ الاقتصاد الإماراتي، قرر المسؤولون هناك التعاون مع إيران”.
وبعد مرور 10 أعوام على الأزمة المالية الأخيرة، ما زالت دبي تسدد ديونها إلى أبوظبي.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الإمارات للركود العالمي القادم، تظل إيران الدولة الوحيدة القادرة على ضخ رأس مال كبير في دبي، في وقت سوف يتراجع فيه المستثمرون العالميون.
ويتساءل قادة الأعمال الإيرانيون في دبي إلى متى قد تتحمل أبوظبي تجميد أعمالهم؟
اضف تعليقا