بعد عقود من الرفض الأمريكي والعرقلة الإسرائيلية، كشفت واشنطن عن نيتها بيع طائرات “إف 15” لمصر، ومن المتوقع أن تلقى صفقة إف 15 مع مصر معارضة كبيرة في الكونغرس، وذلك بسبب سجلها الحقوقي.
ولكن رغبة وتوجّه واشنطن لإبرام صفقة إف 15 مع مصر يمثل نقلة نوعية في العلاقة مع القاهرة، والأهم أنه يعبر عن تغير في مواقف إسرائيل من خصمها القديم، حيث كانت تل أبيب دوما أكبر عائق أمام توريد هذه الطائرة بعيدة المدى للقاهرة.
تفاصيل صفقة إف 15 مع مصر
قال قائد القوات العسكرية في الشرق الأوسط، ورئيس القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي، الثلاثاء 15 مارس 2022، إن الولايات المتحدة تخطط للموافقة على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلى مصر.
وقال في جلسة استماع بالكونغرس: “أعتقد أن لدينا أخبارا جيدة لمصر تتمثل في أن الولايات المتحدة ستزود مصر على الأرجح بطائرات مقاتلة من طراز F-15”. ولم يكشف ماكنزي عن عدد الطائرات التي سيتم بيعها أو موعد البيع.
وأخبر الجنرال فرانك ماكنزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أن الصفقة الوشيكة للطائرات تأتي بعد عملية طويلة الأمد. وقال إنها “عملية طويلة وصعبة، لقد شعروا أن الأمر استغرق وقتا طويلا”.
ويشير حديث القائد الأمريكي إلى حقيقة أن طلب مصر الحصول على هذه الطائرة يعود لعقود، تحديدا لعهد الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، بل إن اهتمامها بهذه الطائرة يعود للسبعينيات، أي يعود لعهد الرئيس الراحل أنور السادات.
وتقدم واشنطن منذ توقيع معاهد السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979 مساعدات عسكرية للقاهرة بقيمة 1.3 مليار دولار سنويا، إضافة لمساعدة اقتصادية توقفت، وزودت الولايات المتحدة مصر بمعظم عتادها العسكري بما في ذلك أكثر من ألف دبابة من طراز أبرامز، وأكثر من 200 طائرة من طراز إف 16 تجعل مصر رابع دولة تمتلك هذه الطائرات بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا، ولكن معظم النسخ المصرية من هذه الطائرة قديمة، كما فرضت واشنطن قيودا على تزويد القاهرة بصواريخ جو-جو بعيدة المدى، والأهم رفضت مرارا تزويدها بالطائرة إف 15، وهي مقاتلة قاذفة تتميز بأن لديها محركين وليس محركا واحدا مثل الإف 16، وهي أكثر سرعة وأبعد مدى من الإف 16 وتحمل حمولة تقارب ضعف حمولتها، كما أن بسبب حجمها الأكبر، فإن رادارها أبعد مدى وأكثر فاعلية.
في شهادته في جلسة استماع حول الموقف العسكري في الشرق الأوسط وإفريقيا ، سئل ماكنزي من قِبَل السيناتور تومي توبرفيل (جمهوري من ألا) حول صفقات الأسلحة الأمريكية مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة التي طلبت من الولايات المتحدة شراء طائرات F-35 الشبحية.
قال ماكنزي لأعضاء مجلس الشيوخ إن الولايات المتحدة لا تزال “الشريك المفضل” لتلك البلدان، لكنه أضاف أنهم يجدون العملية المطولة لإقرار هذه الصفقات محبطة.
وأضاف أن “هذا هو النقد الأساسي لقدرتنا على توفير الأسلحة لأصدقائنا وشركائنا. يستغرق الأمر وقتا طويلا للحصول عليها بالفعل”.
واستدرك قائلا إنه “بالطبع، مع أسلحتنا تأتي قيمنا، لن يكونوا قادرين على فعل أي شيء يريدونه بهذه الأسلحة”، في إشارة لقدرة بلاده على التحكم في طريقة تعامل هذه البلدان مع الأسلحة الأمريكية.
ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على هذه الصفقة، مشيرا إلى السياسة القائمة منذ فترة طويلة بشأن مبيعات الأسلحة المحتملة التي لم يتم إخطار الكونغرس رسمياً بها بعد.
انتقادات في الكونغرس
لكن بعض المشرعين الأمريكيين عارضوا الاستمرار في تسليح مصر بينما تواصل الحكومة قمع خصومها السياسيين، حسب قولهم.
في وقت سابق من هذا العام، قالت إدارة بايدن إنها ستعيد توجيه أو تحجب 130 مليون دولار من 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمنية السنوية الأمريكية لمصر بعد أن فشلت القاهرة في تلبية معايير حقوق الإنسان التي حددتها واشنطن.
وقال راند بول من ولاية كنتاكي في قاعة مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: “يجب أن ننهي المبيعات العسكرية للقادة المجرمين المصريين”.
وأضاف: “سحب بعض المساعدات العسكرية جزئيا، بدعوى العقوبات على انتهاكات حقوق الإنسان، مع تقديم مبيعات جديدة تبلغ 10 أضعاف ما حجبناه يظهر ضعفا في مواجهة القمع”، حسبما ورد في تقرير Politico.
راند بول، الذي رُفضت محاولته منع بيع طائرات شحن أمريكية من طراز “سوبر هركليز سي -130” بقيمة 2.2 مليار دولار إلى مصر في تصويت بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، وصف العقوبات التي تفرضها واشنطن على القاهرة بسبب حقوق الإنسان بأنها “صفعة على المعصم”.
تم رفض طلب بول منع الصفقة إلى حد كبير بسبب الحجج القائلة بأن الطائرة C-130-J لا يمكن استخدامها كأسلحة هجومية، على عكس F-15.
وقال أحد مساعدي الكونغرس لموقع Al-monitor الأمريكي، إن السيناتور كريس مورفي (ديمقراطي من كونيتيكت)، الذي دعا إلى حجب المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، يسعى للحصول على معلومات إضافية حول البيع المقترح لطائرة F-15 من إدارة بايدن.
وقالت جماعات حقوقية إن ما يصل إلى 60 ألف سجين سياسي ما زالوا في السجون المصرية، مع عدم وجود مؤشرات تذكر على تغيير هذا النهج منذ استيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013.
تظهر صفقة إف 15 مع مصر أن إدارة بايدن مستعدة للتخلي عن وعودها بنهج السياسة الخارجية القائم على حقوق الإنسان، والمجازفة بمواجهة محتملة مع المشرعين، من أجل تحسين علاقات واشنطن مع القاهرة.
وعلى الرغم من سجلها في مجال حقوق الإنسان، اعتمدت إدارة بايدن على مصر كحليف في المنطقة، وأشادت بدور حكومة السيسي في التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس العام الماضي، وكانت هذه الحرب نقطة فارقة في العلاقة بين السيسي وبايدن التي بدأت متوترة بعد وصول الأخير للبيت الأبيض.
زادت الأزمة الأوكرانية من أهمية القاهرة مع مساعي واشنطن لدفع دول شرق البحر الأبيض المتوسط لتصدير الغاز إلى أوروبا لتقليل اعتماد القارة الأوروبية على الغاز الروسي.
وللقيام بذلك، تحتاج واشنطن إلى دعم مصر وإسرائيل لزيادة سعة الغاز الطبيعي المسال وتشجيع الإمارات العربية المتحدة وقطر على زيادة الاستثمار في الغاز الطبيعي المسال، حسبما ورد في تقرير لموقع Enterprise.
لماذا تمرر صفقة إف 15 مع مصر بعد نصف قرن من الرفض؟
يعود اهتمام مصر بطائرة F-15 إلى السبعينيات، لكن موافقة واشنطن ظلت بعيدة المنال، حتى مع توريد هذه الطائرة لجيران القاهرة الإقليميين، مثل إسرائيل ودول عربية مثل السعودية وقطر، حسب موقع Al-monitor.
كما سعت الولايات المتحدة تاريخيا إلى الحد من امتلاك مصر لصواريخ جو-جو بمدى أطول من 80 كيلومتراً (50 ميلاً).
وبعد أن أوقفت الولايات المتحدة مبيعات الأسلحة إلى القاهرة بعد أن استولى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على السلطة في عام 2013، سعت مصر إلى تنويع إمداداتها من المعدات العسكرية، ووقعت صفقات لطائرات رافال المقاتلة الفرنسية وطائرات سوخوي سو -35 الروسية.
اشترط المسؤولون الأمريكيون في إدارة دونالد ترامب للمضي قدما في بحث طلب عقد صفقة إف 15 مع مصر، إلغاء صفقة بقيمة 2 مليار دولار أبرمت عام 2018 مع موسكو لشراء ما يترواح بين 25 إلى 30 طائرة من طراز سوخوي 35 الأحدث في الترسانة الروسية، وفقا لما نقله موقع Al-monitor عن مسؤول أمريكي سابق مطلع على المفاوضات.
لا يزال مصير صفقة السوخوي المصرية غير واضح، على الرغم من أنه كان يعتقد أن مصر قد تسلمت على الأقل بعضا من هذه الطائرات العام الماضي قبل اختيار طائرات رافال الفرنسية إضافية بدلا من السوخوي.
وحذر مسؤولون أمريكيون نظراءهم المصريين من أن القاهرة ستخاطر بفرض الكونغرس عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا CAATSA الذي يستهدف مبيعات الأسلحة الروسية، وستتلقى طائرة أقل جودة إذا أكملوا صفقة Su-35.
ويؤشر صمت الجانبين الروسي والمصري تماما عن صفقة سوخوي 35 (خاصة الإعلام الروسي الذي كان يحتفي عادة بهذه الصفقات) إلى أن مصر انصاعت على الأرجح للتهديد الأمريكية، بفرض عقوبات عليها بموجب قانون (CAATSA)، ولم تتقدم في الصفقة الروسية.
ويظل هناك غموض حول هل تسلمت مصر بضعة طائرة سوخوي أم لا، أم تسلمتها ثم أعادتها، وهناك حديث عن أن روسيا تسعى لبيع الطائرات التي كانت مخصصة للقاهرة لإيران.
وقد تكون صفقة إف 15 مع مصر بمثابة بديلا للسوخوي 35 الروسية، خاصة أن الطائرتين متناظرتان إلى حد كبير، بل صنعتا من أجل مواجهة بعضهما البعض.
فالسوخوي 35 تعود جذورها للسوخوي 27 التي صنعها الاتحاد السوفييتي لمواجهة الأجيال الأولى للطائرة إف 15.
وكلتا الطائرتين يمكن وصفها بأنها طائرة سيادة جوية بعيدة المدى مع قدرات قصف متوسط وطويلة المدى شبه استراتيجية.
والطائرتان كبيرتا الحجم ومكلفتان نسبيا، فهما مشهورتان بحجمهما الضخم الذي يسهل كشفهما أمام الرادارات. ولكن الـ”إف 15″ أسرع وأكثر في الحمولة بينما يعتقد أن السوخوي 35، أكثر رشاقة في القتال الجوي القريب والتلاحمي.
بينما الأجهزة الإلكترونية والرادارات من نوع “إيسا” قد تكون ميزة للإف 15 خاصة في نسخها الأخيرة على السوخوي، والتي لديها رادار “بيسا” يتميز بمدى طويلة، ولكنه أقل دقة وموثوقية وقابلية للاختراق من رادارات أيسا التي لم يستطِع الروس تصنيعها بعد.
وطورت الولايات المتحدة نسخة جديدة من الطائرة “إف 15” تدعى F-15 EX، وهذا التطوير تم تمويله من مشتريات السعودية وقطر الضخمة من الإف 15، وكانت هذه الطائرة كفؤة بما يكفي لكي يقرر البنتاغون شراءها لسد الفجوة لديها جراء مشكلات الطائرة إف 35 الشبحية، وشكلت الصفقة عودة للجيش الأمريكي لشراء طائرات الجيل الرابع والنصف غير الشبحية بعد أن قرر التوقف عن ذلك.
ويعتقد أن الإف 15 رغم أنها تفتقد للشبحية التي تميز مقاتلة الجيل الخامس إف 35، ولكن الإف 15 في المقابل أسرع وأكثر قدرة على المناورة، ولديها حمولة أسلحة أكبر بما في ذلك حمل صواريخ كبيرة نسبياً بفضل حجمها الأكبر، ورادار قد يكون أطول مدى بفضل حجم الأنف الأكبر.
إسرائيل تؤيد الصفقة، لماذا؟
قال مسؤولان أمريكيان سابقان إن ماكنزي تولى قيادة القيادة المركزية الأمريكية في عام 2019، ودافع بشكل خاص عن بيع مقاتلات F-15 لمصر خلال إدارتي ترامب وبايدن.
كما أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى دعمهم لبيع مقاتلات F-15 في السنوات الأخيرة، بحسب ما قاله المسؤول الأمريكي السابق الثاني لموقع موقع Al-monitor شريطة عدم الكشف عن هويته.
ويشير إلى أن العلاقات المصرية-الإسرائيلية في عهد السيسي وصلت لمستوى غير مسبوق ولم يكن يمكن تخيله يوما، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ برلين بموافقته على بيع غواصات ألمانيا لمصر، والآن في عهد أفيغدور ليبرمان توافق إسرائيل على صفقة إف 15 مع مصر التي طالما عارضتها.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين إنه لم يتم الانتهاء من جميع تفاصيل صفقة إف 15 مع مصر، مما يعني أنه من المحتمل أن يكون هناك وقت لتزايد المعارضة في الكونغرس قبل أن تصدر الإدارة إخطارها الرسمي.
كيف ستغير الصفقة ميزان القوى في المنطقة؟
بينما لم يعرف عدد الطائرات التي قد تشتريها مصر من مقاتلات إف 15، ولكن يمكن افتراض أن الصفقة بما أنها بديلة للسوخوي 35 التي كانت القاهرة قد تعاقدت على شراء نحو 25 طائرة منها، فإن الصفقة قد تكون في نفس الحجم أول أقل قليلا، وذلك لأن الطائرات الأمريكية أغلى ثمنا من الروسية وساعات عملها أطول.
ومع انضمام هذه الطائرات، لنحو 55 طائرة رافال اشترتها مصر أو تعاقدت عليها، سيصبح للقاهرة لأول مرة أسطول ذي مغزى من المقاتلات القاذفة ذات المدى البعيد نسبيا، بدلا من أسطولها من الإف 16 والذي أغلبه محدود المدى.
سيعزز ذلك قدرة القاهرة على تنفيذ أي عمليات محتملة ضد إثيوبيا وتحديدا سد النهضة، أما فيما يتعلق بإسرائيل فلن يمثل تغييرا كبيرا في تفوقها الجوي، لأن تل أبيب لديها ثاني أكبر أساطيل العالم من الإف 16 ولديها نحو مئة طائرة “إف 15” (كثير منها نسخ قديمة) وأيضا نحو 30 طائرة إف 35 مرشحة لزيادة كبيرة، ويعد الأسطول الإسرائيلي من الإف 35 من هذه الطائرة من أكثر أساطيل دولة جاهزية.
وكما لمَّح قائد القيادة المركزية الأمريكية، فإن تزويد الولايات المتحدة لمصر والسعودية وغيرهما من الدول العربية بالأسلحة يضمن تحكم واشنطن في طريقة استخدامهم لها، ومن المعروف أن مثل هذه المعدات الحديثة تستلزم صيانة متطورة جدا وقطع غيار بشكل دوري من قِبَل الولايات المتحدة، وهناك اعتقاد بأن أنظمة الطائرات الإلكترونية الأمريكية الحديثة تم يتحكم بها من قِبَل واشنطن، وبالتالي فإن عملية استخدامها خاضعة للسيطرة الأمريكية، والتي بالطبع لن تسمح باستخدامها ضد إسرائيل.
اضف تعليقا