العدسة – ربى الطاهر

تمكن الإنسان عبر مرور الزمن من مكافحة أمراض خطيرة والقضاء عليها نهائيا، وربما تمتلئ قائمة تلك الأمراض بما واجهه الإنسان بشكل تام… إلا أن مرضًا واحدًا لم يتمكن الباحثون أبدًا من الاقتراب مما قد يقضي عليه… إنه “الشيخوخة”.

فالأمراض التي تجتمع على الإنسان بفعل الشيخوخة، ربما ترجع لضعف الخلايا عن العمل بنفس الكفاءة مع تقدم العمر، وربما يؤدي هذا الكسل إلى أمراض مثل القلب والسرطان والزهايمر وأيضًا التهاب المفاصل.

وهذه الأمراض التي تقتل ما تبقى من صحة وحيوية، تجتمع لتؤدي إلى وفاة 100 ألف شخص يوميًّا حول العالم، وقد سُخرت المليارات لمحاولة البحث عما قد يبطئ هذا الزحف من تكالب الأمراض على أجسادنا.

ولكن بعض العلماء رأوا أن الاتجاهات السابقة في مواجهة الشيخوخة لم توفق؛ حيث إن الطرح الجديد ليس مواجهة أمراض الشيخوخة، ولكن اعتبار الشيخوخة نفسها مرضًا يمكن الوقاية منه، وبدء العمل لإبطاء هذا الزحف المرضي بفعل الزمن أو حتى إيقافه تماما.

الأمراض المرتبطة بالشيخوخة

وقد وضعت بعض الاكتشافات الحديثة يدها على أن الشيخوخة البيولوجية يمكن علاجها والقضاء عليها نهائيا، فالسبب في تقدم العمر، والذي قد يختلف من شخص إلى آخر، يرجع لعوامل بيئية وجينية، وهي تبدأ بعوارض بسيطة في بنية الحمض النووى “دي أن إيه”، وفي الخلايا تؤدي إلى بعض الاختلال، والذي يقوم بدوره بإحداث تلف في الأنسجة.

ويتضح مع مرور الزمن الفرق بين شخص متقدم في العمر بصحة جيدة، وآخر يعاني من أمراض الشيخوخة بناء على قدر هذه التغيرات لدى كل منهما.

وبدأت عدة مراكز بحثية حول العالم في إعطاء هذا البحث الأولوية، لاكتشاف وسائل وطرق منع الشيخوخة بشكل نهائي.

حتى إن بعض الأبحاث قد توصلت إلى بعض الطرق التي تمكنت بها من إطالة عمر بعض المخلوقات، وهو ما يعطي الأمل في أن يتحقق ذلك مع البشر أيضًا.

كما تمكن أحد العلماء من الوصول لتاثير دواء يسمى “ميتفورمين” – وهو أحد أدوية مرض السكري- على إطالة عمر القوارض، كما كانت سينثيا كينيون – نائبة رئيس شركة كاليكو لابس لأبحاث الشيخوخة، والمدعومة من شركة جوجل- قد وصلت لنتائج سابقة في بداية التسعينيات بأن الديدان المستديرة، بعد تغيير رمز واحد في شفرتها الجينية، عاشت لفترة أطول، فبعد أن كانت لا تزيد أعمارها عن ثلاثة أسابيع، عاشت ستة أسابيع.

ويوضح “أوبري دي جري” – كبير العلماء في مؤسسة أبحاث “سينز”، والتي تمثل حروفها اختصارا لـ “خطط مستقبلية لشيخوخة محدودة ومهندسة”، وأحد الباحثين البارزين المهتمين بمجال إطالة عمر الإنسان- أن هناك دراسات تجرى للوصول إلى هذه النتائج في إطالة عمر الإنسان، فالهدف الذي يعملون عليه هو الوصول إلى مجموعة علاجات طبيعية تساوي بين المتقدمين في العمر سواء جسديا أو ذهنيا مع من هم تحت سن الثلاثين.

عوامل بيولوجية

ويضيف “دي جري” أن المسؤول بدرجة كبيرة عن الأضرار الخلوية التي تصاحب الشيخوخة، والتى تبدأ بتغييرات من سن الـ30 وحتى الـ70، هي سبعة عوامل بيولوجية، هي التي تظهر طبيعة تلك الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر.

وتتمثل في عدم تجدد الخلايا أجزء معينة بأنسجة الجسم بالسرعة المعتادة أو مثلما يحدث في حالة الإصابة بالسرطان، تتناسخ الخلايا بشكل بعيد عن التحكم، وكذلك عندما ينبغي أن تموت بعض الخلايا ولا يحدث ذلك، فيما قد يصيب الحمض النووي ضررٌ ما يصل لتلك الخلايا التي تعمل على تصدير الطاقة، والتى تعرف باسم ميتوكوندريا، وأيضًا عندما تترك الفضلات داخل الخلايا التي تسمح للأنسجة بالتمدد أو الانثناء.

وقد توصل فريق العمل الذي يرأسه “دي جري” إلى حلول لهذه المشاكل، وذكروا منها أن حل مشكلة قلة عدد الخلايا، هو العلاج بالخلايا الجذعية، والذي يعمل على إمداد الجسم بالخلايا الجديدة، لتحل محل تلك التي تموت مع تقدم العمر.

إلا أن بعض المشاكل الأخرى، مثل عدم موت بعض الخلايا في الموعد المحدد، ربما يحتاج إلى البحث عن حلول معقدة بشكل أكبر، إلا أن هذه المشكلة يمكن أن تواجه عن طريق استخدام الجينات الانتحارية- وهي جينات تستخدمها الخلايا لصناعة البروتينات والتى ستستهدف تلك الخلايا المراد قتلها، ولكن الصعب في هذه المسألة هو هندسة تلك الجينات لكى تقوم فقط بصناعة البروتينات القاتلة للخلايا فى حالة إذا كان نمو هذه الخلايا قد يحدث أضرارًا أكثر من نفعها.

إلا أن “دي جري” لا يتوقع القضاء بشكل نهائي على الشيخوخة بهذه الطرق، ولكن على أقل تقدير فإنها ستمنح الإنسان 30 عاما من الزيادة في العمر، ولكنه في نفس الوقت يتنبأ بأن المستقبل سيحمل لكبار السن إدارة أفضل لتقنيات التجديد، والتى ستعيد الخلايا لما كانت عليه وقت الشباب، لمنح الإنسان المزيد من الوقت للحياة.

والهدف هنا هو أن يتمكن الشخص الذي يصل عمره إلى 60 عاما من أن يصبح في الـ 30 من عمره من الناحية البيولوجية.

ولكن “دى جري” نفسه يرى أن ما تم التوصل إليه من نتائج أو حلول هي لازالت حلولا مؤقتة، لأن هذه الخلايا المتجددة سينتهي بها الأمر بعد ثلاثين عاما أخرى لنفس ما آلت إليه الخلايا السابقة، وستعود للستين مرة أخرى.

علاج مصاص الدماء

ويرى آخرون أنه لابد من التعامل مع هذا الأمر بقدر من الحذر؛ حيث لا يتوفر إلى الآن دليل قاطع أثبتته تجربة علمية تظهر استجابة أجسادنا لمثل هذه التجارب البرمجية داخلها، وما يحدث يمكن تشبيهه بتطوير الكمبيوتر الذي يتعرض لتحديثات متجددة وكثيرة، فقد يؤدي هذا إلى تعطيله، وبالمثل أجسادنا قد لا تتقبل كل هذه التغييرات.

في حين يرى “دي جري” أن هذه الأفكار قد تؤخر هذه الأبحاث التي ستتقدم خطوات نحو تحقيق وتنفيذ التقنيات المضادة للشيخوخة، ويضيف أن المشكلة هي التعامل مع الشيخوخة بتقبل دون محاولة البحث عن حلول لها، بل على العكس قد تكون محاولات البحث عن علاج أو توقف عنه يمكن أن تواجه بالرفض، وقد يصل الأمر لوصفه بالدجل العلمي.

وقد تستخدم طريقة أخرى لإطالة العمر كذلك، ولكنها غير مستساغة إنسانيا حتى إنه يطلق عليها “علاج مصاص الدماء”، ويستخدمها الأطباء مع حالات الخرف، حيث تجرى لهم عمليات نقل بلازما الدم من أشخاص أصغر سنا، تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاما، وتظهر عليهم علامات التحسن في تجارب تمت بالفعل.

فقد استعاد مرضى الزهايمر قداراتهم على الاهتمام بأنفسهم، فقد تمكنوا من ارتداء ملابسهم بأنفسهم، وكذلك القيام ببعض المهام الخاصة، مثل مهامهم المنزلية دون مساعدة.

وعلى الرغم من أن التجارب لم تنته في هذا المجال ولم تصل لنتائج مؤكدة، إلا أن تلك النتائج المبدئية قد دفعت شركة أمريكية تدعى “أمبروسيا”، للتربح من نتائج تلك التجارب وتتيح الفرصة لكبار السن بتوفير متبرعين لهم ممن أعمارهم تتراوح بين 16 و 25 سنة لنقل الدم منهم مقابل ثمانية آلاف دولار للمريض.

وتؤكد الشركة أن ما قامت به من عمليات نقل الدم أثبت فاعليته من خلال تعزيز أداء بعض الخلايا، والتى يطلق عليها خلايا السبات العميق لدى كبار السن، وأضافت أن بعض حالات مرضى الزهايمر المبكر قد تحسن أداؤهم، كما أن أحد هؤلاء الذين تجاوزوا الـ 60 عاما قد تحول لون شعره إلى لون أغمق.

إلا أن ما أثاروه من استنتاجات لم ينشر في أية مجلة طبية أو علمية، حيث إنها لم تراع أية تأثيرات عقلية محتملة الحدوث للمرضى.

وبالرغم من تلك المحاولات الحثيثة للقضاء على الشيخوخة وإطالة عمر الإنسان، يثير الكثيرون خشية من أن الوصول لتلك النتائج قد يؤدي إلى حياة بشرية أطول تسبب تضخمًا سكانيًّا يعجز كوكب الأرض عن استيعابه.

حتى إن “دي جري” نفسه يقول إنه دائما ما يسأل نفسه، هل ستمكن تلك التقنيات الأثرياء من استغلالها لمنحهم حياة أطول؟ إضافة إلى سؤال آخر، هل سيتمتع هؤلاء البشر ممن يسعون لإطالة أعمارهم بحياتهم الطويلة، أم أنهم سيملون من إطالتها بشكل متجدد؟.