تزيد الإمارات السوريين معاناة فوق معاناتهم بترك بلدهم جراء اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ 2011، من خلال إجراءات تعسفية بحقهم.

السوريون يقيمون في الإمارات بطريقة شرعية بعد الحصول على إقامة قانونية، ولكن وفقا لشروط قاسية، إذ لم تسمح الدولة بدخول السوريين كلاجئين وإنما بشروط تخدم الدولة.

وبحسب السوريين أنفسهم، لا تستقبل الإمارات إلا الطبقات العالية والأغنياء أو خريجي الجامعات بما يسمح بدمجهم في سوق العمل والاستفادة منهم، بينما ترفض دحول الأسر ذات الدخول المنخفضة.

لم تتوقف شروط وتحكمات الإمارات عند هذا الحد، ولكنها اتخذت عددا من الإجراءات التعسفية بحق عدد من العاملين والأسر السورية على فترات، فضلا عن وقف التأشيرات السياحية للسوريين لزيارة ذويهم.

50 أسرة

وبشكل مفاجئ اتخذت الإمارات قرارا لم يعلن بشكل رسمي بترحيل نحو 50 أسرة سورية دفعة واحدة إلى خارج البلاد قبل أيام.

هذه الأسر لم تمثل تهديدا أمنيا على الإمارات، أو حتى تشكل عبئا ماديا لأن أغلبهم من الأسر الميسورة ورجال أعمال ومستثمرين.

هذه الخطوة وضعت علامات استفهام كثيرة حول الهدف منها في هذا التوقيت، إذ المعلومات المتوفرة تشير إلى تلقي هذه الأسر استدعاء من الأجهزة الأمنية في الإمارات وإبلاغها مغادرة البلاد على وجه السرعة، في غضون 24 ساعة.

هذه المدة المقررة تعتبر قصيرة جدا، ولكن لها دلالة بالغة الأهميةإما أنها تتعلق بمدى خطورة هذه الأسر على الأمن الداخلي، أو أن هذا قرار غاضب من نظام الحكم في الإمارات.

وبالتأكيد هذه المهلة المحددة لن تمكن الأسر من ترتيب أوضاعها للسفر خارج الإمارات، ليس فقط بإنهاء كافة المتعلقات الخاصة ولكن أيضا بتحديد الوجهة المستقبلية، والتي ربما تكون تركيا.

ولم توضح المعلومات المتداولة إذا ما كانت أجهزة الأمن في الإمارات سبق أن وجهت تحذيرات لهذه الأسر بعدم القيام بتصرفات معينة تخل بأمن الدولة.

الأمر أثار حالة من الاستهجان الشديد بين السوريين، نظرا لأن الإمارات لا تقدم شيئا مجانيا لهم وإنما هم يعملون مثل أي عمالة أجنبية.

ومن غير المتوقع أن تعلن الإمارات هذا الأمر رسميا خلال الفترة المقبلة، أو تعلن السبب الحقيقي له منعا لإثارة الضجة حولها وعدم إظهارها كدولة طاردة للسوريين رغم معاناتهم.

تحكم إماراتي

واقعة طرد 50 أسرة سورية لم تكن الأولى ولا الأخيرة، ولا تعتبر إجراءات جديدة على الإمارات، ولكن فقط ما يثير اللغط هو السبب الحقيقي وراء هذا القرار المفاجئ بالترحيل بهذه القسوة في التعامل.

الإمارات تعتبر الأكثر تكلفة بالنسبة لإقامة السوريين بين دول المنطقة، مع فرض رسوم كبيرة للحصول على التأشيرات والإقامة، كما أن الانتقائية في قبول الإقامات كانت واضحة من البداية بقصر الأمر على حاملي الشهادات الجامعية.

ولكن في المقابل تسمح الإمارات بدخول عدد من مواطني الدول بـدون تأشيرة مسبقة، وبالتأكيد الأمر يتعلق بمبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، ولكنها لم تتخذ الموقف ذاته تجاه السوريين رغم المعاناة.

وأظهرت الإمارات ضيقها الشديد من استضافة 100 ألف سوري على أراضيها رغم عدم تحمل الدولة أي تكاليف لهم، بل على العكس يحصول على إقامة بطريقة شرعية قانونية.

وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد قال إن الدولة تتحمل عبئاكبيرايسببه وجود أكثر من 100 ألف سوري في الإمارات، على الدولة ذات التعداد السكاني الصغير.

وكان لهذا التصريح تأثير كبير على السوريين، وقال الإعلامي السوري يعقوب قدوري، حينها: “هذا الكلام من أوضع وأكذب ما قيل في عالم السياسة منذ سنوات”، هؤلاء السوريون في الإمارات لا يوجد بينهم لاجئ واحد، بل هم رجال أعمال وعاملون بعقود عمل، لم يحصلوا على الإقامات إلا بشق الأنفس.

تصريحات بن زايد لم تكن من فراغ ولكنها كانت ربما بداية لعملية تقليل هذا العدد واتخاذ سياسات جديدة تجاه السوريين، فلم يكد يمر شهر إلا وأقالت شركة بترول أبوظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة “ADCO”، جميع العمال والموظفين السوريين لديها.

وبحسب ورقة وزعت على الموظفين والعمال السوريين بالشركة البالغ عددهم 96 موظفا وعاملا، فقد قررت الشركة إعفاءهم من العمل.

إذن الموضوع لا يتعلق بعمالة زائدة أوضغوط اقتصادية على الشركة، وإلا لماذا تم إقالة كل العاملين السوريين فقط.

قطر في الصورة

ولكن ما هو السر الغامض وراء القرار المفاجئ بطرد هذه الأسر السورية؟ الإجابة جاءت من خلال ما صرحت به بعض الأسر بأن السبب كان “قطر”.

من دون معرفة تفاصيل العلاقة، فإن التوتر الشديد بين الإمارات وقطر، من خلال مشاركة الأولى في الحصار مع “السعودية والبحرين مصر” للدوحة، فإن أي ارتباط بين أي شخص يقيم بالإمارات وقطر من أي نوع كفيل بترحيله بل وسجنه.

وبحسب ما نشرته صحيفة “القدس العربي” حول الأزمة، ونقلا عن أحد هذه الأسر، فإن الإمارات وجهت تهما بالتعامل مع قطر وأن الطرد جاء بعد اتهامات ضمنية بتصدير البضائع والمنتجات بطرق “غير شرعية” إلى قطر بعد الحصار المفروض عليها.

الحكم على مصداقية هذه المعلومات يمكن قياسه على طبيعة الأسر التي تم طردها من الإمارات، إذ إن أغلبهم من رجال الأعمال والمستثمرين.

ولكن بدا واضحا عدم إجراء تحقيق إماراتي في هذه الاتهامات “الضمنية” إذ لم يتم توجيه اتهام صريح لهذه الأسر، بما يعني وجود حالة من الانفعالية وعدم التحقق الكامل من هذا الأمر، ويقود الواقعة غضب من حكام الإمارات ضد قطر.