استبعاد الحلفاء من المحادثات
في تطور جديد يعكس تغير أولويات الولايات المتحدة، يتزايد القلق من استبعاد الحلفاء الأوروبيين والدوليين من المحادثات السرية التي تجريها واشنطن مع موسكو بشأن الحرب في أوكرانيا.
هذا الإقصاء لا يُنظر إليه فقط على أنه خطوة دبلوماسية، بل يراه البعض تهديدًا حقيقيًا لميزان القوى في أوروبا والعالم، حيث يمكن أن تؤدي مفاوضات غير متوازنة إلى نتائج كارثية على الأمن الأوروبي.
فعدم إشراك حلفاء واشنطن في مناقشات حاسمة بشأن الحرب الدائرة في أوكرانيا يعني تهميشهم في عملية صنع القرار، مما قد يثير تساؤلات حول مصداقية التزامات أمريكا تجاه شركائها.
إن هذا الإقصاء يعكس واقعًا لا يمكن إنكاره: واشنطن، كما كانت دائمًا، تعمل وفقًا لمصالحها الخاصة، وليس وفقًا للالتزامات التي تقدمها لحلفائها. الحديث عن ضرورة عقد مناقشات أوسع مع الولايات المتحدة لضمان خطة لوقف إطلاق النار يشير إلى المخاوف المتزايدة من أن أي اتفاق يتم التوصل إليه بين واشنطن وموسكو قد يكون على حساب أوكرانيا والدول الأوروبية الداعمة لها.
موسكو ترفض التنازلات
من ناحية أخرى، تواصل روسيا التشبث بموقفها الرافض لأي محادثات تتضمن تقديم تنازلات قد تُفسَّر داخليًا على أنها هزيمة للكرملين. فالقيادة الروسية، وعلى رأسها فلاديمير بوتين، تعتبر أن أي تراجع عن مواقفها في أوكرانيا سيكون بمثابة إهانة وطنية، وهو ما يجعل التفاوض معها أكثر تعقيدًا. في ظل إدارة بايدن، لم يتمكن الغرب من إجبار روسيا على تقديم تنازلات تُنهي الحرب، إذ لا تزال موسكو تراهن على عامل الوقت، متوقعة أن الدعم الغربي لكييف سيتضاءل تدريجيًا مع استمرار الصراع.
لكن دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة الأمريكية، قد يمتلك ورقة ضغط قادرة على إجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فترامب، المعروف بسياسته الحادة في فرض العقوبات والضغوط الاقتصادية، يمكنه استخدام تهديدات جدية تجاه قطاعي الطاقة والمصارف في روسيا، بالتوازي مع استمراره في دعم الجيش الأوكراني. هذه السياسة قد تجعل الكرملين يواجه خيارًا صعبًا بين التصعيد أو التفاوض، وهو ما لم تنجح إدارة بايدن في تحقيقه حتى الآن.
الوعود الأمريكية لأوكرانيا.. الحقيقة تتكشف تدريجيًا
على الرغم من كل التصريحات الأمريكية بشأن دعم أوكرانيا “للنهاية”، إلا أن الحقيقة على الأرض تكشف أن وعود واشنطن تتبخر مع مرور الوقت. فمنذ بداية الحرب، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية واقتصادية ضخمة لكييف، لكنها اليوم تواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، سواء من الجمهوريين الذين يطالبون بتقليص الدعم، أو من الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يتساءل عن جدوى استمرار إنفاق المليارات في حرب قد لا تؤدي إلى النتيجة المرجوة.
هذا التراجع التدريجي في الالتزامات الأمريكية تجاه أوكرانيا يمثل درسًا يجب أن يفهمه القادة العرب جيدًا: الولايات المتحدة لا تحتفظ بتحالفاتها بناءً على الأيديولوجيا أو الصداقة، بل بناءً على مصالحها المتغيرة. اليوم، تبدي واشنطن استعدادًا للدخول في محادثات مع روسيا حول مستقبل أوكرانيا دون إشراك كييف أو حلفائها الأوروبيين، وغدًا قد تقوم بتكرار السيناريو نفسه مع أي دولة أخرى، بما في ذلك حلفاؤها في الشرق الأوسط.
هل يتعلم العرب الدرس؟
هذا التساؤل يفرض نفسه في ظل التحولات المتسارعة في السياسة الأمريكية. فالعديد من الأنظمة العربية لا تزال تراهن على دعم واشنطن كضمانة أمنية لها، رغم أن التاريخ الحديث يثبت أن التحالفات الأمريكية ليست ثابتة، بل تخضع لحسابات المصالح.
استبعاد الحلفاء من المحادثات حول مستقبل أوكرانيا يجب أن يكون رسالة واضحة: أمريكا لا تحمي أحدًا إلا إذا كان ذلك يصب في مصلحتها المباشرة.
اضف تعليقا