لقد كشف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أسباب تأخره في تشكيل الحكومة الجديدة، وأكد ذلك في منشور على فيسبوك قائلًا إنه “منذ توقيع الاتفاق السياسي في ٢١ نوفمبر/ تشرين الثاني، لم يتم تشكيل الحكومة الانتقالية. نحن ندرك جيدًا مشاركة جميع القوى السياسية الداعمة للثورة والتحول الديمقراطي المدني في حوار جاد وعميق للاتفاق على ميثاق وطني، وخلق جبهة واسعة لتحقيق وتقوية الانتقال الديمقراطي المدني”.
وتابع: “هذا الإجماع الوطني سيشكل إطارًا وطنيًا لتوحيد الصفوف، وإرساء آلية لتشكيل حكومة تكنوقراطية. كما ستساعد في استكمال هياكل السلطة الانتقالية ومراقبة عملها لتحقيق أولويات الفترة المتبقية من الفترة الانتقالية. وتشمل هذه تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام، واستكمال عملية السلام، وتحقيق الاستقرار والانتعاش الاقتصادي، وتعزيز الوضع الأمني واستكمال عملية الانتقال الديمقراطي من خلال انتخابات حرة ونزيهة “.
سيطر الجيش السوداني، بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية في انقلاب عسكري في ٢٥ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢١.
وتأتي جهود حمدوك لتشكيل حكومة انتقالية جديدة في ظل التعقيدات الخطيرة في المشهد السياسي في السودان، بعد أن رفضت عدة قوى سياسية في البلاد -أبرزها قوى الحرية والتغيير- الاتفاق السياسي المبرم في ٢١ نوفمبر بين حمدوك ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، أفرج بموجبه عن حمدوك وعاد إلى منصبه حتى انتخابات عام ٢٠٢٣. ولم يتم التوصل بعد إلى توافق بين الفئات المختلفة بعد موافقة حمدوك على تشكيل حكومة انتقالية جديدة. وفيما يخص المعتقلين، اشتملت الاتفاقية على عدة بنود تمثل خارطة طريق جديدة تحدد المسار الديمقراطي لانتقال السلطة واستكمال المرحلة الانتقالية.
وبحسب الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية، ستكون الحكومة المنتظرة حكومة تكنوقراطية بدون أي شخصيات سياسية أو حزبية، وحمدوك نفسه ملتزم بذلك. لكن المشكلة الأكبر التي يواجهها حمدوك في هذه المهمة هي الانقسام في الساحة السياسية حول الاتفاق السياسي.
ظهرت احتجاجات متفرقة رافضة للاتفاق السياسي، ومن المحتمل في هذه المرحلة أن فلول نظام البشير يدعمون ويساهمون في هذه الاحتجاجات لإعادة البلاد إلى الوراء.
أكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية السابق في مصر، أن نجاح حمدوك في تجاوز المرحلة الحالية وإقامة حكومة تكنوقراط هو التحدي الأكبر بالنسبة له.
وبشأن مستقبل قوى الحرية والتغيير في الحكومة الجديدة، قال حليمة في تصريح صحفي إنه “لن يكون لقوى الحرية والتغيير وغيرها من القوى والأحزاب السياسية أي حضور في الحكومة الجديدة، لأن الاتفاق السياسي يُلزم حمدوك بحكومة تكنوقراطية لتجنب تكرار نفس السيناريو. الحكومة السابقة التي كانت حكومة حزبية شكلت مشكلة كبيرة في الماضي وأغضبت القوى السياسية التي لم تكن ممثلة في الحكومة، والتي كانت داعمة بقوة للثورة السودانية”.
وفيما يخص صلاحية حمدوك في اختيار وزراء جدد، أشار حليمة إلى أنه “وفقًا للاتفاق السياسي، يتمتع حمدوك بكامل الحرية في اتخاذ قرارات السلطة التنفيذية، والدليل على ذلك تعليقه الفوري لتعيينات عبد الفتاح البرهان في المنصب الذي جاء بعد أحداث ٢٥ أكتوبر، وتعيين مسؤولين جدد في جميع مؤسسات الدولة”.
وفي رسالة تطمينية أكد البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان أن الاتفاق السياسي هو المخرج الآمن لاستكمال مهام المرحلة الانتقالية، وأكد أيضًا أن العمل يسيرعلى ميثاق يشمل كافة القوى السياسية، باستثناء حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير)، كما أن الجيش سيبقى وفيًا لتعهده للشعب باستكمال الانتقال الديمقراطي وصولًا إلى الانتخابات، حيث قرر حمدوك إعفاء أمناء المحافظات من مهامهم وتعيين خلفاء لهم.
قال عبد الرؤوف الريدي، السفير المصري السابق في واشنطن، في أحد التصريحات الصحفية، إن حمدوك يواجه تحديات، من بينها تشكيل حكومة تتمتع بالإجماع الوطني ودعم الشعب السوداني في ظل حالة الانقسام، وفي هذا الوضع السياسي الحاد في السودان، سيحتاج تشكيل الحكومة إلى مزيد من الوقت حتى يتمكن حمدوك من خلق توافق سياسي بين القوى السياسية المختلفة، خاصة وأن بعضها يعارض الاتفاق السياسي، وأكد أن الوضع السوداني مهم بالنسبة لمصر. لهذا السبب، تقوم مصر بمراقبة التطورات في السودان عن كثب.
وقال مصعب الهادي، الصحفي السوداني بمجلة النخبة، في تصريح صحفي إن “الخيارات المطروحة أمام حمدوك في تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة واضحة في مطالب الناس في الشوارع بتشكيل حكومة تكنوقراطية خالية من التعيينات الحزبية، وهذه إحدى العقبات الرئيسية التي تواجه حمدوك، وتكمن جهوده لتشكيل الحكومة في ضغوط بعض الراغبين في إعادة شكل الحكومة إلى التعيينات الحزبية والقبلية، لكن لا خيار سوى تشكيل حكومة تكنوقراطية”.
وقال هادي أيضًا إنه “من أهم التحديات التي ستواجهها الحكومة بعد تشكيلها احتواء الأزمة في شرق السودان، بالإضافة إلى الخلافات العرضية بين المكونين العسكري والمدني، ومحاولة كل فصيل لفرض سيطرته على قرارات الدولة. ومن القضايا التي تنتظر الحكومة، توفير حياة كريمة للشعب السوداني من خلال تحسين ظروفه المعيشية اليومية، خاصة وأن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكد في تقرير أن ١٤.٣ مليون سوداني، يمثلون حوالي ٣٠٪ من السكان، على شفا المجاعة وسيحتاجون إلى مساعدات غذائية للعام المقبل”.
كما أوضحت أماني الطويل، مستشارة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية وخبيرة في الشؤون الإفريقية، أهم التحديات التي يواجهها حمدوك في تشكيل حكومته المقبلة، وأكدت عدم وجود قاعدة سياسية يؤهله لاختيار الكفاءات القادرة على التعاون معه في حكومة تكنوقراطية. كما أنها أكدت وجود مساع لترسيخ هذه القاعدة، لكن هناك خلافات وانقسامات أساسية، كما أن رفض بعض القوى السياسية للاتفاق السياسي يشكل تحديًا أيضًا.
وقالت في بيان حصري إنه من غير المرجح أن يتم تمثيل جماعات الحرية والتغيير، وذلك لأن الدعم الدولي الذي كانت تتمتع به هذه القوى أصبح الآن منعدمًا. إلى جانب ذلك، لم يعد العنصر العسكري يرحب بأفراد قوى الحرية والتغيير، ما لم يتم دفع عناصر جديدة مرحب بها إلى الواجهة. لكن هذا غير ممكن، في ضوء جهود حمدوك لتشكيل حكومة تكنوقراطية.
ولفتت إلى أن “عملية تشكيل الحكومة شابها الكثير من الغموض، بالإضافة إلى أن فترة وزارية مقبلة في السودان أصبحت غير مرحب بها لكثير من الكوادر والتكنوقراط السودانيين، في ظل تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد”.
قال السفير المصري السابق في السودان، السفير محمد الشاذلي، في تصريح صحفي إن “الشعب السوداني الآن لا يثق برموز السلطة السودانية الحالية، وذلك لأن فعله البرهان في ٢٥ أكتوبر/ تشرين الأول خلق فراغًا سياسيًا وحالة من انعدام الثقة، فهو لم يقم بتصحيح الأمور، بل فرض رأيه بالقوة. وبهذا العناد جر البلاد إلى موجة صراعات سياسية أدت إلى ظهور العديد من المظاهرات الرافضة لوجود العنصر العسكري بشكل كامل. وهذا يجعل من الصعب توفير بيئة آمنة، يمكن للحكومة القادمة من خلالها تلبية متطلباتها”.
اضف تعليقا