في الرابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن عملية غزو عسكري للأراضي الأوكرانية من أجل تخليص الجارة من النازيين الجدد على حد قوله.

العملية العسكرية لقيت استهجان كثيراً من زعماء الدول ولا سيما الدول الأوروبية التي يعتبر بوتين محاولة انتماء أوكرانيا لها تهديداً لأمنه القومي.

وبعد كثيرٍ من التكهنات والتصريحات حول تقدم الجيش الروسي وتحقيقه للأهداف يخرج بوتين في تصريح غريب ومخيف نوعاً ما لسكان أوكرانيا ودول أوروبا.

حيث قال الرئيس الروسي في اجتماع مع زعماء الأحزاب في مجلس الدوما أن عمل روسيا “الجديّ” لم يبدأ بعد ومن يريد أن يجرب روسيا فليجرب في ارض المعركة.

هذا التصريح ترك عدد كبيراً من المحللين وحتى الزعماء في حيرة من أمرهم، بيد أن تصريحات الرئيس الروسي تأتي بعد استحواذه على أكثر من ربع مساحة أوكرانيا.. لذا تركت سؤالاً مخيفاً هل سيستخدم بوتين أسلحة فتاكة لحسم المعركة في أوكرانيا لصالحه؟! وما دلالة تصريح بوتين في ذلك التوقيت وما هي استراتيجيته الذي أعدها لإنهاء القتال لصالحه.

تصريحات كالرصاص 

عُرف عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يمارس رياضة الجودو الشهيرة التي تعتمد على إسقاط الخصم بعد إنهاكه ومن أهم نقاط ضعفه، ولعل الرئيس المخضرم يواجه نفس اللعبة وبنفس “التكنيك” مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التي تدعم أوكرانيا بمساعدات عسكرية هائلة.

فمنذ بدء الحرب رُصدت تصريحات كثيرة للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي على العكس تماماً من نظيره الروسي بوتين، لذا تخضع تصريحات بوتين للتحليل الفائق من قبل الاستخبارات الغربية.

وعلى سبيل الإحصائيات فإن كل عشرين تصريحاً يصدره زيلنسكي يصدر أمامه بوتين تصريح واحد لكنه تصريح كالرصاص غالباً، يربك عدوه ويبعثر أوراقه.

وهذه المرة يضع بوتين الجميع في حيرة من أمرهم بعدما صرح نصاً: “روسيا لم تبدأ بعد أي شيء جدي في أوكرانيا، يجب أن يعلم الجميع أننا، بشكل عام، لم نبدأ أي شيء جدي بالفعل”، وإذا أراد الغرب إلحاق هزيمة بروسيا فليجرب “في ساحة المعركة”.

والأهم من ذلك هو توقيت التصريح حيث أنه يأتي بعد استحواذه على ربع الأراضي الأوكرانية وبعدما تسبب في نزوح خمس سكان أوكرانيا، فبالعودة للأرقام فقد كانت مساحة أوكرانيا قبل الحرب 603 آلاف كلم مربع، والآن أصبحت مساحتها قرابة 420 ألف كلم مربع بعد سيطرة روسيا على بعد الأقاليم وانفصال أخرى.

كما كان عدد سكان أوكرانيا 42 مليون نسمة، والآن أصبح قرابة 30 مليونا بسبب انفصال سكان الشرق وهجرة الملايين نحو أوروبا.. إذاً إن لم يكن كل هذا عملاً جدياً فكيف سيكون العمل الجدي وماذا سيخلف؟! .. هذا هو لسان حال قادة أوروبا بعد تصريح بوتين.

استراتيجية مُحكمة 

كما أسلفنا القول أن تصريح بوتين تسبب في إرباك خصومه وجعلهم في حيرة من أمرهم لكن البعض فسر كلامه أنه ضغط على الرئيس الأوكراني للاستسلام بعدما اعترف الأخير بصعوبة الموقف وأصبح يخاطب بشكل دوري الغرب والولايات المتحدة لدعمه بالأسلحة لإحداث التكافؤ مع الجيش الروسي.

والبعض الآخر فسر التصريحات بأنها جزء من استراتيجية كبيرة يعمل عليها بوتين وهي في مرحلة جديدة من الصراع بها يبدأ بوتين في تقسيم أوكرانيا إلى نصفين  “أوكرانيا الشرقية” من حدود روسيا إلى نهر دنيبر وسط البلاد مرتبطة بموسكو وهي المنطقة الغنية صناعياً وزراعياً و”أوكرانيا الغربية” من النهر إلى الحدود البولندية ومرتبطة بالغرب.

وهو السيناريو الأرجح بعدما اقتربت روسيا من السيطرة على كامل محيط منطقة دونباس وأصبحت تفرض هيمنتها بعدما دمرت البنية التحتية والقوة العسكرية لأوكرانيا.

وفي هذه الحالة أيضاً سيستخدم بوتين أسلحة متقدمة التي تجعل مجابهته في أرض المعركة مستحيلة وتبطل مفعول المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا.

الخلاصة أن بوتين يدير معركته بذكاء أكبر مستخدماً كل أدواته ويستخدم عامل الوقت لصالحه ليستطيع حسم الأمور مبكراً في أوكرانيا التي تفقد يومياً مئات الجنود والكيلومترات من مساحتها الأرضية.

اقرأ أيضاً : توتر في العلاقات.. روسيا توقف أنشطة الوكالة اليهودية عبر أراضيها