العدسة: محمد العربي

لم تكن الصور المتداولة لمسئولي المؤتمر الوطني للإصلاح باليمن (الإخوان المسلمون) مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مجرد صور للقاء عابر، فالمضيف يكره ضيوفه إلى حد تمنيه قتلهم الواحد تلو الآخر، فلماذا جلس معهم، وعن أي شيء تناقش معهم، وأيهما في حاجة للآخر، التجمع القوي سياسيا وعسكريا، أم مدمر الثورات العربية الذي يقف وراء كل المصائب التي تحدث للعرب.

ما دفع لوجود قراءات عديدة للقاء ابن زايد بقيادات التجمع الوطني للإصلاح باليمن في هذا التوقيت، هي الزيارة السابقة لابن زايد للمملكة السعودية والتقاءه بالملك سلمان، ما أثار تساؤلات عديدة أيضا عن غياب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن اللقاء المفاجئ، ثم تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بأن بلاده لم تكن ترغب في توسيع الحرب باليمن، وتزامن ذلك مع مذكرة لنواب مجلس الشيوخ الأمريكي لفرض عقوبات على السعودية بسبب مقتل الصحفي السعودي خاشقجي وكذلك بسبب حرب اليمن.

إنها اليمن إذن؟!

يرى المراقبون أن اليمن بات النقطة رقم واحد على أجندة المحادثات الأمريكية السعودية، وباقي الأطراف المعنية بالحرب الدائرة منذ عدة سنوات وخلفت وراءها دمار وتجويع لأبناء اليمن الذي لم يعد سعيدا على الإطلاق، وأن الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على المملكة زادت بشكل كبير بعد مقتل خاشقجي، الذي اعتبرت أمريكا وفاته فرصة لإعادة بوصلة الإدارة السعودية بعد تجاوزها للحدود المرسومة لها.

ويرى المراقبون أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأمريكية على 17 من المسئولين السعوديين المتطورين في مقتل خاشقجي، تدعم هذا الاتجاه، وأنها لن تكون الخطوة الأخيرة في دفع الرياض لوقف العمليات باليمن، حيث دعا ستة أعضاء بمجلس الشيوخ فرض عقوبات جديدة ضد السعودية بما في ذلك تعليق مبيعات الأسلحة التي تستخدمها في الحرب الدائرة باليمن.

وطبقا للمتابعين فإن اليمن سيكون محطة للصراع الأمريكي الداخلي بعد فوز الديمقراطيون بأغلبية مجلس النواب، وعودة تأثيرهم القوي داخل الكونجرس، وهو ما أشارت إليه وكالة “بلومبرغ” الأمريكية تعليقا على تحركات نواب مجلس الشيوخ ضد السعودية، وطبقا للوكالة الأمريكية فإن خطوة أعضاء الكونجرس تمثل تحد لموقف الرئيس الأمريكي ترامب الذي يدافع عن الصفقات المبرمة مع السعودية حتى لا يفقد المزيد من الأمريكان وظائفهم نتيجة أي تحرك قوي ضد المملكة.

وأشارت الوكالة إلى أعضاء مجلس الشيوخ غير راضين عن العقوبات التي أعلنتها إدارة ترامب، الخميس الماضي، والتي استهدفت أفراد تم تحديدهم على أنهم المتورطون في مقتل خاشقجي، لكنها لا تستهدف النظام بشكل أوسع. كما أن أعضاء مجلس الشيوخ غير راضين عن الإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن لإنهاء الحرب في اليمن.

وأوضحت “بلومبرغ” أن مجموعة نواب مجلس الشيوخ، الذين يطالبون بالمزيد من العقوبات، تضم ثلاثة من الجمهوريين هم: تود يونغ من إنديانا، وليندسي غراهام من كارولينا الجنوبية، وسوزان كولينز من ولاية مين. بالإضافة إلى بوب مينينديز من نيوجيرسي، وهو ديموقراطي بارز في لجنة العلاقات الخارجية، وجاك ريد من رود آيلاند، وهو الديموقراطي الأبرز في لجنة خدمات القوات المسلحة، والديمقراطية جين شاهين من نيو هامبشاير.

وطبقا لبوب مينيندز فإنه يجب أن يكون هناك تحقيق شفاف وموثوق في مقتل خاشقجي ومع مشروع القانون هذا سيبرهن الكونجرس على التزامه بالمساءلة وحقوق الانسان”.

بينما رأي السيناتور يونج: أن تشريع العقوبات يبرهن على قوة إدارة ترامب التي يجب أن تستخدمها لدفع جميع الأطراف في اليمن للمشاركة بحسن نية في المفاوضات العاجلة لإنهاء الحرب الأهلية ومعالجة أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.

السعودية تتراجع

وطبقا للمتابعين فإن السعودية بدأت في تليين مواقفها تجاه الحرب الدائرة باليمن، وأن الضغوط الغربية المتزايدة سوف تأتي بنتائج إيجابية في هذا الاتجاه من أجل إنهاء معاناة اليمنيين الذين تتحمل السعودية مسئولية المجاعة التي يعيشون فيها باعتبارها المسئولة عن التحالف الذي يتولي عملية عاصفة الحزم.

ويستدل المراقبون بوقف التحالف لحملته العسكرية بمدينة الحديدة التي بدأت مطلع هذا العام وتوقفت لأسابيع ثم عادت للعمل مرة أخرى في أكتوبر الماضي، بالإضافة لتصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يوم الخميس والتي أكد فيها أن بلاده تؤيد مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، وأن بلاده ملتزمة بتقديم كافة الدعم الإنساني للأشقاء في اليمن..

وتشير تحليلات صحفية متعددة أن السعودية وحلفاءها أمام مفترق طرق، إما الالتزام بالمهلة الأمريكية التي حددها وزير الدفاع جيمس ماتيس، مطلع نوفمبر الجاري بوقف إطلاق النار في اليمن خلال 30 يومًا، ووقف التحالف العربي بقيادة السعودية، قصف المناطق المأهولة بالسكان المدنيين في اليمن، والدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الحرب بالبلاد.

وطبقا لتصريحات ماتيس خلال كلمة ألقاها في ندوة نظمها معهد السلام الأمريكي بالعاصمة واشنطن، فإنهم يحتاجون لتهدئة الأوضاع خلال الثلاثين يومًا القادمة، مؤكدا أنّ السعودية والإمارات على استعداد للمضي في الأمر، وهي نفس الرسالة التي أكد عليها وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا، والتي أكد فيها أنه قد حان الوقت لإنهاء القتال عن طريق التسوية، ولتعافي الشعب اليمني عبر تحقيق السلام وإعادة الإعمار.

وتشير التحليلات ذاتها أن جريمة اغتيال خاشقجي جعلت الكثير من الدول التي كانت تغض الطرف عمدًا أو جهلًا عن الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في اليمن، دفعتهم للتخلي عن هذا التغاضي وتسليط الضوء أكثر وبالتالي توجيه العديد من الاتهامات للتحالف العربي.

لماذا الإصلاح الآن؟

وبالعودة إلى التساؤل الأول عن سبب لقاء ابن زايد بقيادات التجمع الوطني للإصلاح، يرى المراقبون أن الهدف من هذا اللقاء هو دعوة الحزب ذات التأثير والنفوذ للقيام بدور هام خلال المباحثات المقبلة التي من المقرر أن تتولاها الأمم المتحدة، وهو خيار لم يكن أمام أبو ظبي إلا أن تلجأ إليه، وهو ما يبرر زيارة ابن زايد للمملكة قبل أيام بشكل مفاجئ، والتي يبدو من الأحداث أنها كانت مرتبطة بالوضع في اليمن، وطلب الملك سلمان من ابن زايد بتهدئة حربه ضد قيادات الحزب الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن، وخاصة بعد ما كشفه موقع “بازفيد” الأمريكي، بأن ابن زايد استأجر فريقا من المرتزقة الأمريكيين والإسرائيليين؛ لاغتيال عدد من قيادات الحزب.

ويتساءل المراقبون كذلك عن مستقبل هذه العلاقة خاصة بعد التصريحات الإيجابية التي خرجت عن الاجتماع من الطرفين وكذلك ردود الأفعال لباقي القوي اليمنية، مؤكدين أن العلاقة الحالية بين الطرفين أشبه بالدواء المر الذي لابد من تعاطيه من أجل تجاوز مرحلة الخطر، التي أصبحت تهدد اليمن وكل الأطراف المرتبطة به، وانطلاقا من ذلك فإن تهدئة الأجواء ولو حتى بشكل ظاهري سوف يساعد التحالف والأطراف اليمنية في الضغط المشترك على الحوثيين من أجل إنهاء وجودهم العسكري في مدن الجنوب.

وهو ما أكده يمنيون مقربون من الإمارات حيث علق نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي باليمن هاني بن بريك، على استقبال الإمارات لقادة الإصلاح اليمني، بأنه يرحب بكل الخطوات التي تسعى لإنهاء الحرب في البلاد، وأنه يثق في جهود التحالف العربي لتجنيب المنطقة من الوقوع في قبضة الجماعات المصنفة إرهابية ومنها الحوثي والإخوان”.