العدسة – معتز أشرف

فيما يبدو أنه تمهيد واضح لتمرير “صفقة القرن” المشبوهة، أعلنت وكالة “أونروا”، تحت الضغط المالي الصارخ الناتج عن الحصار الأمريكي لها، تعليقًا جزئيًّا صادمًا لأعمالها في غزة بعد ساعات من انعقاد المؤتمر الاستشاري للوكالة في العاصمة الأردنية عمّان، يومي 18 و 19 يونيو، بحضور 27 دولة، بمشاركة جامعة الدول العربية، لتدق أجراس الخطر في المنطقة خوفًا من توابع الانهيار في منظومة داعمي اللاجئين.

نرصد أبعاد المؤامرة المستمرة على “الأونروا” وتوابعها وتأثيراتها على القضية الفلسطينية.

قرار صادم!

تأسست “الأونروا”، كوكالة تابعة للأمم المتحدة، بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لحوالي خمسة ملايين وأربعمائة ألف لاجئ من فلسطين مسجلين لديها، وتقتضي مهمتها تقديم المساعدة للاجئي فلسطين في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية وذلك إلى أن يتم التوصل لحل عادل ودائم لمحنتهم، وتشتمل خدمات “الأونروا” على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات والحماية والإقراض الصغير.

ولكن في ضربة جديدة للنشاط الإنساني الإغاثي، تعتزم وكالة (أونروا) إرجاء دفع الرواتب وتعليق بعض عملياتها في غزة، بحسب ما أفاد مسؤولٌ، الثلاثاء، وذلك على خلفية أزمة مالية حادة إثر خفض الولايات المتحدة مساهمتها في موازنتها بـ250 مليون دولار، قالت عنها مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إنها مرتبطة بموافقة الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، حيث تعد الولايات المتحدة المساهم الأكبر في “أونروا” .

وقال منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، خلال اجتماع لمجلس الأمن، إن الوكالة ستخفض بعد أسابيع مساعداتها العاجلة لغزة وغيرها في المنطقة، وفي غزة، سيعني ذلك إرجاء دفع رواتب بعض موظفيها في يوليو والبدء بتعليق عمليات أساسية تجريها الوكالة في أغسطس “.

ومن المنتظر أن ينعقد مؤتمر للمانحين الاثنين المقبل في الأمم المتحدة هو الثاني في 3 أشهر بهدف إيجاد مصادر تمويل جديدة لـ”أونروا، ففي شهر مارس، نجح مؤتمر مشابه عقد في روما في جمع 100 مليون دولار للوكالة، لكنه لم ينجح في جمع 446 مليون دولار تحتاج إليها لمواصلة نشاطاتها.

ويأتي تعليق بعض عمليات الوكالة في غزة وسط تحذيرات من الأمم المتحدة من إمكان اندلاع حرب في القطاع بعدما قتل عشرات الفلسطينيين بنيران الجيش الإسرائيلي خلال “مسيرة العودة” قرب الحدود مع إسرائيل، ووسط دعوة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دول الخليج لتحمل عبء إعمار غزة، والسعي القوي لتمرير ما يسمى “صفقة القرن”.

وتقول (الأونروا) إنها تواجه طلبًا متزايدًا على خدماتها بسبب زيادة عدد لاجئي فلسطين المسجلين، ودرجة هشاشة الأوضاع التي يعيشونها وفقرهم المتفاقم، ويتم تمويل “الأونروا” بشكل كامل تقريبًا، من خلال التبرعات التطوعية، فيما لم يقم الدعم المالي بمواكبة مستوى النمو في الاحتياجات، ونتيجة لذلك، فإن الموازنة البرامجية لـ”لأونروا”، والتي تعمل على دعم تقديم الخدمات الرئيسية تعاني من عجز كبير، وتدعو “الأونروا” كافة الدول الأعضاء للعمل بشكل جماعي، وبذل كافة الجهود الممكنة لتمويل موازنة الوكالة بالكامل، ويتم تمويل برامج “الأونروا” الطارئة والمشروعات الرئيسية، والتي تعاني أيضًا من عجز كبير، عبر بوابات تمويل منفصلة.

إضعاف ممنهج!

لجنة “الأونروا” في منظمة المؤتمر الشعبي الفلسطينيي بالخارج، قدمت من جانبها أبعادًا متكاملة للمؤامرة التي تستهدف الوكالة الإغاثية، حيث ترى أن الأزمة المالية غير المسبوقة التي تواجهها “الأونروا” تأتي في سياق العدوان الأمريكي الثاني على الشعب الفلسطيني، بعد العدوان الأول الذي استهدف القدس، وفي ظل استهدافٍ هو الآخر غير مسبوق، لوكالة “الأونروا” من إدارة “ترامب” والكيان الإسرائيلي المحتل.

وأوضحت في بيان صحفي أن وجود “الأونروا” ناتج عن الظلم الذي لحق باللاجئين الفلسطينيين بسبب اعتراف الأمم المتحدة بدولة الكيان الإسرائيلي المحتل فوق أرض فلسطين، وفق القرار الأممي غير القانوني رقم 181 للعام 1947، والتسبب بطرد وتشريد حوالي 935 ألف فلسطيني قبل وبعد نكبة العام 1948، مطالبة بضرورة تحويل ميزانية “الأونروا” إلى ميزانية كافية ومستدامة، عملاً بتوصية تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في نيسان/أبريل 2017.

ولفتت إلى التزام الدول العربية بما نسبته 7.8% من الميزانية العامة للوكالة، مؤكدة رفضها القاطع لأية مغريات مادية وغير مادية للدول المضيفة لحثها للقبول بتوطين اللاجئين أو تحويل الخدمات إليها، محذرة من حجم المخاطر الإنسانية والأمنية والسياسية التي يمكن أن تنتج بسبب محاولات إضعاف دور وكالة “الأونروا” أو نقل أو إنهاء خدماتها.

منظمة المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج نبهت لأهمية الدور الذي تقوم به الوكالة في المنطقة لحفظ الاستقرار والتنمية في أوساط اللاجئين، مؤكدة على عدم التلاعب في مصادر ميزانية الوكالة، وأن تبقى بشكل رئيس من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كالتزام دولي، وعدم تحويلها التدريجي إلى الأفراد والمؤسسات والبنوك، كما طالبت بالمسارعة في سد ما تبقى من العجز المالي للوكالة والذي، يقدر بنحو 250 مليون دولار قبل تعرض برامج الوكالة الصحية والتربوية وبقية البرامج للمزيد من التراجع والتقليصات.

ورفضت المنظمة ما جاء على لسان وزير خارجية سويسرا في 17مايو 2018، بأن “الأونروا” جزء من المشكلة في الشرق الأوسط، وأن دعم “الأونروا” يبقي الصراع على قيد الحياة لأنه يتطابق مع رؤية “ترامب” و”نتنياهو” للوكالة، مؤكدة التمسك بـ”الأونروا” واستمرار تقديم خدماتها لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني إلى حين العودة، وبأن الأزمة المالية ما هي إلا أزمة مفتعلة تهدف إلى إضعاف الوكالة كمقدمة لإنهاء خدماتها لارتباطها بقضية اللاجئين وحق العودة.

الناطق الرسمي باسم وكالة “الأونروا”، سامي مشعشع، كشف في تصريحات صحفية أبعاد الأزمة بشكل واضح، حيث أكد أن ما حصلت عليه وكالة “الأونروا” بعد إطلاقها نداء الاستغاثة، نهاية يناير من هذا العام وحتى الآن، لا يتجاوز 5%، وقال “مشعشع”: “وكالة “الأونروا” أطلقت نداء استغاثة لدعم عملياتها في سوريا بقيمة 409 ملايين دولار، وحتى اللحظة لم نحصل إلا على 5% من قيمة هذا المبلغ”.

وأضاف الناطق الرسمي باسم الوكالة، أن “المؤشرات ليست مشجعة، ولكن لدينا التزام أخلاقي، كما هو التزام قانوني ودولي، بحق اللاجئين الفلسطينيين سنستمر في قرع الأبواب حتى تتم الاستجابة إن جاز التعبير”.

 محاولات للدعم

صندوق الوقف” كان أحد المحاولات المهمة للدعم من منظمة التعاون الإسلامي التي أعلنت عن “تسريع تفعيل الصندوق الوقفي التنموي” خلال مؤتمرها غير العادي السابع، الذي عقد في إسطنبول في الثامن عشر من شهر مايو الماضي، وهو ما ثمنته وقتها (الأونروا)، وأعرب المفوض العام، بيير كرينبول، عن شكره لهذا القرار بقوله: “إن هذا القرار يحمل أهمية عظيمة، ففي الوقت الذي يشعر فيه لاجئو فلسطين بالقلق العميق حيال مستقبلهم، فإن الإعلان عن الصندوق الوقفي يمثل مَعلَمًا مهمًّا في سياق الجهود العالمية الرامية إلى المحافظة على الخدمات الحيوية للأونروا”.

بيير كرينبول، المفوض العام لـ”أونروا” كشف في أعقاب اجتماع اللجنة الاستشارية للوكالة في عمان، يومي الثامن عشر والتاسع عشر من يونيو، عن أن “هذا العام كان صعبًا بشكل استثنائي بالنسبة للأونروا”، مضيفًا أنه متشجع بالمرحلة الأولى من عملية حشد الموارد استجابة لأزمتنا التمويلية، وإنه لمن المهم للغاية، أننا لغاية الآن استطعنا حماية العام الدراسي والخدمات الحيوية الأخرى”.

وثمن “كرينبول” تحرك المانحين الذين قاموا بتقديم موعد تمويلهم للعام، وللمملكة العربية السعودية ودولة قطر والإمارات العربية المتحدة الذين قاموا فيما بينهم بالالتزام بتقديم حصة الأسد من الدعم الإضافي لهذا العام، ما يبعث برسالة قوية للاجئي فلسطين وللمجتمع الدولي الأوسع”، بحسب تعبيره.