كان 2019 عاماً مضطرباً بكل المقاييس في الشرق الأوسط، حيث اجتاحت المنطقة موجدة جديدة من الاحتجاجات الشعبية المعارضة للحكومات في كل من الجزائر وإيران والعراق ولبنان والسودان، كما ارتفعت حدة التوترات بين السعودية وإيران إلى مستويات غير مسبوقة.

ومن ناحية أخرى، سحبت الولايات المتحدة قواتها في سوريا حيث أخذت الحرب الأهلية هناك منعطفًا جديدًا مشؤومًاً، كما قتلت الولايات المتحدة زعيم الدولة الإسلامية بعد سنوات من الملاحقة.

الباحثون السياسيون في مدونة “ The Monkey Cage بالتعاون مع الواشنطن بوست يقدمون في هذا المقال تحليلاً لأبرز 4 محطات شهدها الشرق الأوسط خلال العام 2019.

 

  • تصريحات إدارة ترامب المثيرة للجدل وتحولات السياسة الخارجية لها:

خلال العام 2019 قام ترامب بإثارة الجدل والبلبلة في صفوف المسؤولين الأمريكيين والأجانب بعدد من التصريحات والقرارات المتعلقة برأيه في القضايا الخارجية.

أبرز تلك القرارات كان قرار ترامب في أكتوبر/تشرين الأول بسحب القوات الأمريكية من سوريا، وترك الأكراد عرضة للهجمات التركية والروسية – وربما تمكين مقاتلي الدولة الإسلامية من إعادة التجمع والعودة إلى المعركة.

قرار الانسحاب من سوريا كان واحداً من بين قرارات أخرى “مدهشة”، ففي مارس/آذار قام ترامب بالتغريد على حسابه الرسمي على تويتر قائلاً بأن الولايات المتحدة تعترف بسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وهي الأرض التي ضمتها إسرائيل من سوريا بعد حرب 1967.

الباحثة “ستاسي غودارد” علقت على هذا التصريح قائلة أن هذه الخطوة ربما “تقوض الجهود الرامية إلى بناء سلام دائم مع الفلسطينيين وربما تزعزع معاهدات إسرائيل مع مصر والأردن”.

وفي أبريل/نيسان، قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتصنيف الجيش الإيراني باعتباره منظمة إرهابية، في قرار يعد الأول من نوعه للولايات المتحدة، حيث لم يسبق ووضعت الولايات المتحدة كياناً حكومياً أجنبياً في هذا التصنيف.

“أفشون أوستوفار” اعتبر أن هذه الخطوة ستؤذي العلاقات الأمريكية المشحونة بالفعل مع إيران، وفي الوقت نفسه، كتب جيسون براون عن بيانات استطلاع جديدة تشير إلى أن المواجهة العسكرية الأمريكية مع إيران لن تحظى بتأييد شعبي من قبل الأمريكيين.

 

 

  • احتجاجات في جميع أنحاء المنطقة:

شهد العالم بأسره خلال 2019 موجات احتجاجية عارمة، بما فيه منطقة الشرق الأوسط، حيث خرج المتظاهرون إلى الشوارع بأعداد مهولة كما في بقية الدول.

الاحتجاجات في الشرق الأوسط بدأت في السودان في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2018، لتكون هي وقود ربيع عربي جديد، وفي فبراير/شباط 2019، بدأت الاحتجاجات في الجزائر لتشكل مع الاحتجاجات السودانية صوتاً جديداً في الاحتجاجات العربية التي تلت تلك الاحتجاجات بعد أشهر قليلة من انطلاقها.

وفي أوائل عام 2019، وبعد مأزق استمر تسعة أشهر – وافقت النخبة السياسية اللبنانية على تشكيل حكومة جديدة.

أوضح “جيفري كرم” التحديات والفرص التي تواجه البلاد، حيث أشار إلى كل من الإصلاحات التي دعا إليها المتظاهرون والتغييرات المحتملة في المساعدات الأمريكية.

كما أوضح كل من “كريستيانا باريرا” و”كيلي ستيدم “أن احتجاجات لبنان غير المسبوقة انتشرت في جميع أنحاء البلاد وكانت شرارة الانطلاق فيها اقتراحات الحكومية فرض ضرائب على خدمة رسائل WhatsApp المجانية.

العراق أيضاً شهدت موجة احتجاجية عارمة، استمرت لعدة أشهر حتى بعد قيام المليشيات العراقية بالهجوم على المتظاهرين وقتل المئات منهم، وهي الهجمات التي قال عنها “ريناد منصور” و”ثاناسيس كامبانيس” و”مايكل وحيد حنا” أنها بدعم من الحكومة العراقية.

وبيّن “منقيث داغر” أنه على الرغم من وفاة نحو 300 شخصاً من المتظاهرين، فقد أظهرت بيانات استطلاع جديد سبب استمرار العراقيين في التظاهر: على الرغم من أن هذه الاحتجاجات لم تغير النظام بعد، إلا أنه استمرار نابع من إيمان العراقيين بأنفسهم.

في نوفمبر/تشرين الثاني، ردت الحكومة الإيرانية بسرعة وعنف على المتظاهرين المناهضين للحكومة – فقتلت أكثر من 100 شخص وقطعت خدمات الانترنت عن الدولة لمدة أسبوع.

علق “محمد علي كاديفار” على الأمر قائلاً “إنه على الرغم من أن القمع الذي تمارسه الحكومة الإيرانية ربما يكون قد قمع المتظاهرين، إلا أن مثل هذه التكتيكات قد لا تنجح إذا استمرت الاحتجاجات.

“دينا اسفندياري” كتبت عن الاحتجاجات الإيرانية قائلة: “طهران واثقة من ضعف سكانها … وثقتها بمكانتها في المنطقة تقل مع الوقت بسبب الاحتجاجات المستمرة في لبنان والعراق”.

 

  • تمدد النفوذ السعودي في الخارج:

نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يتراجع، وفقاً لتحليلات “مارك لينش” بناء على تراجع الولايات المتحدة في المنطقة خلال إدارة ترامب.

في المقابل، ولملء هذا الفراغ، واصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الدفع بسياسة خارجية طموحة في جميع أنحاء العالم على المستويين الدبلوماسي والاقتصادي – بما في ذلك في الاقتصادات الرئيسية في آسيا، والتي قال “جوناثان فولتون” إنها أظهرت “تحولاً هيكلياً مستمراً في الجغرافيا السياسية”.

خلال الثلاثين شهرًا الماضية، قامت عدد من الدول العربية في الخليج العربي بمقاطعة قطر، ولكن مؤخراً، يبدو أن المملكة العربية السعودية تحاول إيجاد حل لإنهاء تلك المقاطعة التي قادتها في الأساس منذ البداية، وقد بدا ذلك جلياً في قمة الرياض التي عُقدت في 10 ديسمبر/كانون الأول.

” كريستيان كوتس أولريتشن” تعليقاً على هذا التحول قالت أنه “على الرغم من عدم حدوث تقدم في العلاقات في قمة الرياض، فإنه من المحتمل أن يستمر الحوار بين المملكة العربية السعودية وقطر إلى جانب محاولات الوساطة الكويتية المستمرة.”

على صعيد آخر، الحرب السيبرانية كانت محطة أساسية في رحلة النفوذ السعودي للعام 2019، ففي سبتمبر/أيلول قام “تويتر” بإغلاق وملاحقة آلاف الحسابات الوهمية التابعة للجان اليكترونية مرتبطة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، وعلى الرغم من ضخامة العدد إلا أنه جزء صغير من أولئك الذين يشتبه في انتمائهم إلى حكومات عربية ويقومون بزرع معلومات مضللة هدفها إرساء قواعد تلك الأنظمة والقضاء على أي صوت يغرد عكس تيارها.

 

 

  • استمرار الحرب الأهلية في سوريا:

بدأ العام بتعبير ترامب عن فكرة وجود منطقة آمنة “جميلة” في سوريا، ومع التصريحات الأخرى والقرارات التي تلت ذلك التعبير كشفت “جيسي ماركس” أن اللاجئين السوريين واجهوا ضغوطاً متزايدة للعودة إلى ديارهم التي ما زالت محاصرة.

كما أن الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين تحاول الحصول على أموال من “جهات حكومية أو غير حكومية أخرى مقابل الحفاظ على مجموعات اللاجئين داخل حدودها”.

 

 

  • انتشار الإرهاب:

خلال غارة شنتها قوات العمليات الخاصة الأمريكية في سوريا في أكتوبر/تشرين الأول، قُتل زعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي – أحد أبرز الإرهابيين المطلوبين في العالم – بتفجير انتحاري.

 

لكن ماذا حققت الغارة؟

إجابة على هذا التساؤل كتبت جينا جوردان: “قد يضعف تنظيم الدولة، لكن البغدادي أنشأ هيكلًا تنظيميًا بيروقراطيًا شديد المرونة وقادر على تحمل ضياع القادة”.

الإرهاب لم ينتشر في دول الشرق الأوسط وحسب، بل امتد للدول الغربية بصورة أكثر عنفاً، ففي نيوزيلندا، قام إرهابي يميني متطرف بقتل 51 مسلماً أثناء تواجدهم داخل أحد مساجد كرايستشيرش، ليؤكد هذا الحادث أن الإرهاب اليميني المتطرف أصبح منتشراً بصورة مروعة في كافة أنحاء العالم مستنداً على عوامل عدة سياسية واقتصادية ومجتمعية، بحسب تحليل الباحث بيتر آر ريومان.

 

 للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا