في مايو/أيار المنصرم، منعت الحكومة السعودية استخدام مكبرات الصوت الخاصة بالمساجد أثناء الصلوات الخمس أو صلاة وخطبة الجمعة والخطب، كما أمرت بتخفيض درجة صوت الآذان بمقدار الثلثين.

 هذه الإجراءات لم ترق لكثير من الدعاة والشيوخ، ما دفع أحدهم لكتابة مقالاً على الإنترنت انتقد فيه قرار وزارة الشؤون الإسلامية، لكن بعدها، توقف حسابه على تويتر عن التغريد، وتقول منظمتين سعوديتين لحقوق الإنسان أنه تم القبض عليه.

 كما كتب عمر عبد الله السعدون – رجل الدين الذي ورد أنه تم اعتقاله فيما بعد – في مقاله الرافض لهذه القرارات، محذراً من آثارها السلبية، حيث قال إن المصلين قد يكسرون الآن قيود كوفيد -19 من خلال الازدحام الذي سينشأ في المساجد لسماع الخطب التي لم تعد مسموعة في الخارج.

 وكتب سعدون أن “البيوت لن تسمع تلاوة القرآن والخطب”، مضيفاً أن صوت الخطب والآذان كان يدفع الناس للذهاب للصلاة الجماعية، أما بعد هذه القرارات، “ربما لن يتشجع الناس على الذهاب للمساجد”، وأنهى مقالته بمناشدة وزير الشؤون الإسلامية التراجع عن القرار.

 بعد ذلك، في الشهر الماضي، أعلن رئيس اتحاد الغرف التجارية السعودية أنه سيُسمح للمتاجر والمطاعم وغيرها من المؤسسات بالبقاء مفتوحة أثناء وقت الصلاة – وهو تطور رئيسي آخر في بلد أغلقت فيه الشركات، لعقود، أثناء وقت الصلوات الخمس.

 تمثل هذه التغييرات أحدث الخطوات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان -ولي العهد- لتقليص سلطة المؤسسة الدينية، التي ربما كان ينتظرها الكثيرون، لكن ومع ذلك، فإن هذه التطورات تعكس جهوده [بن سلمان] المستمرة لتوطيد سلطته وقص أجنحة أي شخص يمكن أن يتحداه.

 لطالما لعب رجال الدين دوراً مهماً في المملكة العربية السعودية، من حيث الفتاوى والأحكام الشرعية التي لم تؤثر على حياة الناس محلياً وحسب، لكن على حياة المسلمين في جميع أنحاء العالم.

 لكن محمد بن سلمان، جاء معلناً انفصاله عن سلطة رجال الدين، في البداية برر ذلك برغبته في نبذ التطرف وانتهاج منهج الوسطية، فقام بتقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسن بعض التشريعات والقوانين التي منحت للمرأة مزيداً من الحرية، ورفع حظر قيادة السيارات عنها -رغم أنه قام بسجن النشطاء والناشطات الذين نادوا بهذا المطلب، ولا يزال بعضهم داخل السجن حتى الآن.

 قرار خفض صوت الآذان لم يلق إعجاباً كبيراً من الناس في الشارع، حيث انتشر وسم “صوت الصلاة مطلب شائع” على موقع تويتر في السعودية.

 من جانبه وصف وزير الشؤون الإسلامية عبد اللطيف آل الشيخ منتقدي القرار بأنهم “أعداء للمملكة يريدون إثارة الرأي العام والتشكيك في قرارات الحكومة وتفكيك اللحمة الوطنية”.

 وقالت هبة زيادين، الباحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش “لقد علمنا منذ أن شرع محمد بن سلمان في هذه الرحلة المزدوجة للإصلاحات الجديدة والقمع المتزايد أن هذا كان نهجاً صارماً من أعلى إلى أسفل، وأن الإصلاحات لا يُقصد منها أن تُنظر إليها على أنها استجابة للمطالب الشعبية ولكن كخطوات أرادها محمد بن سلمان نفسه”، وأضافت: “أي شخص يتحدث علانية يتعرض لخطر كبير ليس فقط على نفسه ولكن على عائلاته ودوائره المقربة أيضاً”.

 منذ عام 2017، تم إلقاء القبض على القادة الدينيين الوسطيين والمتشددين على حد سواء، حيث أوضحت الحكومة أن رجال الدين من جميع مدارس الفكر سيتم استهدافهم ما لم يلتزموا بخط الحكومة.

 كما أفادت وسائل إعلام سعودية في ديسمبر/ كانون الأول أن الحكومة فصلت “العديد” من أئمة المساجد لعدم اتباع توجيه رسمي للوعظ ضد جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة سياسية إسلامية صنفتها المملكة العربية السعودية على أنها جماعة إرهابية.

 حول قرارات فصل الأئمة قال آل الشيخ -وزير الشؤون الإسلامية- إن الحكومة كانت ترسل رسالة “إلى أولئك الذين لا ينفذون التوجيهات أو كانوا بطيئين في تنفيذها: [أنهم] سيتم الاستغناء عنهم ويحل محله المستعدون والمستوفون للشروط “، حتى لو لم يكونوا متعاطفين -بالضرورة- مع أيدلوجية الإخوان المسلمين.

 كانت وزارة العدل هي المكان الذي وضع فيه الزعماء الدينيون أحكام الشرع في الحياة اليومية من خلال تفسير القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، لكن في عام 2017، تم سحب سلطات قضائية كبيرة من الوزارة ووضعت تحت هيئة منشأة حديثًا تتبع مباشرة الملك سلمان بن عبد العزيز، والد ولي العهد محمد بن سلمان.

 كما تم إبعاد قضاة وزارة العدل، الخبراء في الفقه الإسلامي، في نفس الفترة التي ألقت فيها السلطات السعودية القبض على أفراد من العائلة المالكة والمليارديرات وغيرهم من كبار رجال الأعمال واحتجزتهم في فندق ريتز كارلتون كجزء مما قالت الحكومة إنه حملة للقضاء على الفساد.

 في غضون ذلك، كانت وزارة الشؤون الإسلامية واضحة في أنها تقف وراء الخط الحكومي الجديد، بل أنها التزمت الصمت حيال اعتقال رجال الدين وغيرهم من الوجهاء والدعاة، ليتم تقليص دور وزارة الشؤون الإسلامية أيضاً<

 من خلال إضعاف هذه الهيئات الدينية، يعيد محمد بن سلمان كتابة ترتيبات تقاسم السلطة القديمة بين الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية – وهي شراكة أنشأت المملكة، حيث ظل الإسلام حجر الزاوية الأساسي في الهوية السعودية، خاصة وأن المملكة هي مسقط رأس الدين الإسلامي وتضم أقدس موقعين للمسلمين -مكة المكرمة والمدينة المنورة-، كما أن لقب الملك الرسمي هو خادم الحرمين الشريفين.

 الجدير بالذكر أن المخاوف من أن نسيج المملكة آخذ في الانهيار والتآكل تتزايد، لكن نادراً ما يتم تبادل هذه الآراء أو الإعلان عنها، خشية أن يكون هناك المزيد من الاعتقالات.

  للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا