العدسة – معتز أشرف:

وسط فراغ تشريعي يبحث أصحابه عن حلول، وتحت قبضة حكومية حديدية، انطلقت شرارة الغضب تحت شعارات حياتية، حاول كل فصيل تفصيلها على مقاسه، بينما يتحدث كثيرون عن مخطط إيراني في العراق للضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتشكيل مشهد جديد مصنوع على عينها.

“العدسة” رصد السياق العام والمؤشرات الواردة من الفاعلين بالمشهد وبعض كواليس غضب بلاد الرافدين التي قد تتَّجه إلى التضحية برئيس الوزراء حيدر العبادي.

غموض وريبة!

هيئة علماء المسلمين في العراق، من أبرز الهيئات السنية المحافظة على توجه متوازن منذ الاحتلال الأمريكي حتى تاريخه، بحسب مراقبين، رأت في قراءة خاصة نشرتها على موقعها الرسمي “الهيئة نت” أنَّ الغموض والريبة يلاحقان المشهد الغاضب في بلاد الرافدين.

ووفق تقدير الموقف فإنَّ هناك العديد من العوامل الصلبة القاطعة الفاعلة في تحديد أسباب الأحداث؛ ففي العراق مئات الأسباب التي تدفع المواطن العراقي لا للتظاهر فقط بل للثورة، من قهر السلطة والميليشيات، وأعمال الإعدام، والقتل خارج القانون والتعذيب، ومن الفساد، والسرقات، وانهيار الاقتصاد والخدمات والبطالة،  وقبل هذا وبعده حالة الاحتلال التي تسلب من الإنسان شعوره بالعزّة والاستقلال والحياة والحرية، عبر عملية سياسية أشبه بحكم وصراع المافيات.

 

وأضافت تقدير الموقف أهمية التمييز بدقة بين حركة الجمهور العام وبين العمليات الاستخبارية والإعلامية والسياسية المخططة التي تستهدف إعادة توجيه الحركة ودفع مجرياتها لتحقيق أهداف مضادة لمصالح الجمهور العام، بل مضادة ومعادية للأهداف التي خرج لأجلها المتظاهرون أو الثائرون، وهنا تأتي أعمال قطع الإنترنت والاتصالات عمومًا لمنع الحدث الحقيقي من الإفصاح عن نفسه، ولفتح المجال عبر الإعلام المتحكم فيه لتسيد الصورة المزيفة ووضعها في مكان الصورة الحقيقية، وبطبيعة الحال لا يزال الجميع يذكر كيف تعامل نوري المالكي مع مظاهرات المحافظات الستّ، التي ظلّت تحتشد سلميًا طوال عام كامل، فيما هو يتحدث منذ اليوم الأول عن إيواء ارهابيين وعن حشد مسلح في داخلها، حتى وصل أخيرًا للاعتداء بالأسلحة الثقيلة على المتظاهرين السلميين تحت عنوان مكافحة الإرهاب.

اتهامات متبادلة!

وفي أول تعليق علني له على الاضطرابات التي تجتاح جنوب العراق؛ قال الزعيم الشيعي البارز مقتدي الصدر في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: إنه “على كل الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات الحالية تعليق كل الحوارات السياسية من أجل التحالفات وغيرها إلى حين إتمام تلبية مطالب المتظاهرين الحقة”.

وتعليقًا على تصاعد الاحتجاجات، أضاف في تغريدة أخرى: “لا نرضى بالتعدي على المتظاهرين المظلومين، ونتمنى من المتظاهرين الحفاظ على الممتلكات العامة، فهي ملك للشعب وليس للفاسدين”.

 

الإعلام الإماراتي، سلط الضوء على التصريح بقوة، ولكنّه تحدث كذلك عن ضرورة إخراج إيران من المعادلة، وهو مطلب الصدر، كذلك، ليكون التصريح بحسب مراقبين متوازيًا مع تبنّي المنصات الإماراتية، ومنها بوابة العين الإخبارية والبيان، للمظاهرات بتغطية تحريضية ضد إيران.

التقارير المحسوبة على الإمارات تتحدث عن ” ثورة ضد إيران” تجتاح أغلب المدن والمحافظات العراقية، وتطالب بتحسن الأوضاع المعيشية، ولا سيما توفر مياه الشرب والكهرباء، والقضاء على ظاهرة البطالة، وتربطها بالفراغ دستوري الذي دخلته البلاد منذ الأول من يوليو الجاري، في انتظار إعادة فرز أصوات الناخبين، مشيرة إلى أنَّ الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو الماضي، فازت بها قائمة سائرون التي يقودها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بأكبر عددٍ من المقاعد داخل البرلمان العراقي؛ حيث حصل على 54 مقعدًا من أصل 329، لكن السلطات العراقية أعلنت بعدها أنها ستعيد النظر في العملية الانتخابية، بعد تجربة أجرتها أجهزة الاستخبارات على ماكينات التصويت التي استخدمت في عمليات الاقتراع، وأظهرت إمكانية التلاعب بالنتائج.

 

المتظاهرون بحسب تركيز المنصات الإماراتية أحرقوا مقرات حزب الدعوة الحاكم التابع لإيران والأحزاب الأخرى ومقرات الميليشيات الإيرانية، وقطعوا الطرق والجسور واقتحموا مطار النجف الدولي وأوقفوا حركة الملاحة الجوية، إضافة إلى اقتحام مباني الحكومة المحلية في محافظات البصرة وميسان وذيقار وواسط والنجف وبابل، أما في بغداد فشهدت مدينة الصدر ومنطقة الشعلة مظاهرات مماثلة في ظلّ أجواء أمنية تمثلت في انتشار مكثف لعناصر القوات الأمنية العراقية ومسلحي الميليشيات، ولكن تصريح أحمد الحلو، أحد قادة الاحتجاجات في النجف يلخص المشهد وبواعثه، حيث قال: “المظاهرات الشعبية في المحافظات الجنوبية من العراق ثورة ضد الظلم والاستبداد والفساد والنفوذ الإيراني في العراق”، فيما وصفها بثورة “العشرين الثانية” بحسب ما يرى.

في المقابل، كان رأي إيران ورئيس الوزراء العراقي المحسوب عليها حيدر العبادي، هو التحذير من وجود عناصر مندَسَّة في صفوف المتظاهرين في ظل تصاعد الاحتجاجات، حيث صرَّح العبادي، في تصريحات للتلفزيون الرسمي، أن “هناك عناصر مندسة تريد الإساءة للتظاهر السلمي والقوات الأمنية”.

وفي السياق ذاته كشف القيادي في تحالف الفتح المحسوب على إيران حسن سالم، عن اختراق المظاهرات السلمية في العديد من المحافظات العراقية من قبل السعودية وحزب البعث المنحل.

لعبة تبادل الاتهامات، تبنتها جماعة “الحشد الشعبي” وأنصار رئيس الحكومة السابق نوري المالكي؛ حيث وجهوا الاتهام بتصعيد الغضب إلى أبناء الفلوجة والرمادي بالمسؤولية عن إشعال المظاهرات، في خطة تهدف إلى إبعاد تهمة الفساد عن إيران وأنصارها، وتحويل الصراع إلى وجهة طائفية، بحيث يتجه المتظاهرون إلى اتهام حزب البعث وقيادات العشائر السنية بالمسؤولية عن أعمال العنف التي وقعت، حتى إنَّ البعض اتهم رغد ابنة صدام حسين بدعم المتظاهرين!

إيران فاعلة!

زاوية أخرى في المشهد المعقد، يطرحها بعض المراقبين الذين يرون أنَّ المقاطعين الذين رفضوا المشاركة في الانتخابات هم الذين يخرجون في مظاهرات الجنوب، وما حصل في البصرة جاء نتيجة لتوقف الكهرباء والماء المصدر من إيران، وهذا التوقف جاء نتيجة لحصار أمريكي دولي على النفط الإيراني، وبالتالي فإنَّ إيران تريد أن تشعل حريقًا في جنوب العراق لتوقف تصدير النفط العراقي، وتهدّد شركات النفط الغربية وحتى الشرقية والروسية من أجل أن تدفع هذه الدول لفك الحصار وإيجاد اتفاق سلمي معها”.

 

ويرى هذا الاتَّجاه أنَّ “المقاطعة بيَّنت أن أكثر من 50 % رفضوا الانتخابات والذين انتخبوا الصدر انتخبوه لأن له اتجاهًا سياسيًا مخالفًا لجميع القوى السياسية الحالية، أما الآن الصدر عاد وتحالف مع مَن كان يتحدث عنهم ويخاطبهم بشكل سلبي، وبالتالي الرأي العام الأكثر من 50% يضاف لهم الذين آمنوا بالصدر، ويضاف إلى تردّي الخدمات أنّ شهر يوليو الذي يعتبر شهر التحرك الشعبي منذ 1958 كل هذه العوامل جعلت من الشارع العراقي سهل التحرك والرفض ويطالب بحقوقه”.

ويرجّح مراقبون أن “السعودية ليس لها نفوذ في الجنوب وليس لها تأثير وتدخل قوي فيما يحدث رغم أنّها سعت للتدخل وبنت علاقة مع الصدر والعبادي لكنها علاقة سطحية، أما الإيرانيون لديهم نفوذ على الأرض لا يهتمون كثيرًا بعلاقتهم الشخصية مع الصدر، ولا يهتمون بعلاقتهم مع العبادي لأنَّ لديهم نفوذًا على الأرض بل إن العبادي هو من يحتاجهم أحيانًا”.

 

ويرى المتابعون للمشهد المعقد في العراق أنه من الصعب فصل الجانب المطلبي في مظاهرات الجنوب العراقي عن الجانب السياسي، وعن الضغوط الإيرانية التي تمارس على حيدر العبادي، ومن الصعب أيضًا عدم التوقف عند توقيت هذه المظاهرات التي انطلقت بعدما قرّرت إيران وقف إمداد العراق بالكهرباء في عزّ موسم الصيف الحار، ما ساهم بشكل مباشر في إشعال الاحتجاجات الأخيرة.

ويرى الكاتب الصحفي إلياس حرفوش في مقاله بجريدة الشرق الأوسط أنه في كل الأحوال، يدرك حيدر العبادي أنَّ قرار إيران بقطع الكهرباء عن العراق في هذا الوقت هو رسالة تعني قطع الدعم السياسي عنه وفتح الباب أمام الإيراني قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» لاستغلال النقمة على العبادي وفرض رئيس حكومة جديد على العراقيين.