منذ لحوق السودان بركب التطبيع بتوقيعها لاتفاق التطبيع مع إسرائيل أواخر الشهر الماضي، لا زالت خفايا هذا الاتفاق تتكشف يوما بعد الآخر، حيث شهدت الخرطوم مؤخرا زيارات متكررة لوفود عسكرية إسرائيلية وسط نفي من قبل الحكومة السودانية، ما يطرح تساؤلات حول المتحكم الحقيقي في مشهد التطبيع السوداني وعلاقة الإمارات والسعودية الخفية بهذا التطبيع.
وفود عسكرية
وفي تطور لافت، كشفت وسائل إعلام عبرية عن زيارة قام بها وفد عسكري إسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم، لعقد اجتماعات تطبيعية مع المسؤولين السودانيين.
وقالت قناة “واي نت” العبرية، إن وفدا أكبر سيقوم بزيارة لاحقة لمناقشة التعاون الاقتصادي المحتمل مع الخرطوم.
وكشفت صحيفة سودان تريبيون، أن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات، ترأس الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم.
من جانبه، كشف عضو مجلس السيادة السوداني، محمد الفكي سليمان، أن الوفد الإسرائيلي الذي وصل إلى الخرطوم مؤخرا، زار منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة.
وقال الفكي في مقابلة مع صحيفة “حكايات”، الخاصة، إن زيارة وفد الاحتلال الإسرائيلي “ذات طبيعة عسكرية بحتة، وليست زيارة سياسية، ولا يمكن الحديث عنها في الوقت الحالي”.
وأضاف أن “الوفد الإسرائيلي بدأ زيارته للسودان بالطواف على منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للقوات المسلحة، والتقى فيها بعسكريين”.
وقال: “لكن اللقاء لم يناقش أي جانب من الجوانب السياسية المتعلقة بالتطبيع بين الخرطوم وتل أبيب”، دون تفاصيل عن تلك المنظومة، ودون ذكر توقيتات محددة لزيارة الوفد.
وحول إدارة المكون العسكري في مجلس السيادة لملف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي بعيدا عن المكون المدني، والحكومة التنفيذية، أجاب: “هذا الحديث غير صحيح، وكل أعضاء مجلس السيادة من مدنيين وعسكريين مشاركون في ملف التطبيع، بالإضافة إلى وزارة الخارجية”.
ولكنه قال: “أعتقد أن الملف لم يكتمل بعد، حتى تنشر كل تفاصيله”..
من جانب آخر، نقل موقع “سودان تربيون” عن وزير الإعلام، المتحدث باسم الحكومة، فيصل محمد صالح، قوله آنذاك: “مجلس الوزراء ليس لديه أي علم بزيارة وفد إسرائيلي (للسودان)”.
وأضاف صالح: “لم تنسق معنا أية جهة في الدولة بشأنها، ولا نعلم بتكوين الوفد، ولا الجهة التي دعته واستقبلته”
وفي ذات السياق، كشفت مصادر إعلامية عن وجود منظمات إسرائيلية ترافق الوفود التي تذهب الى السودان وتجري جولات في قلب الخرطوم.
وتداول ناشطون مقطعاً مصوراً يظهر شخصاً يتحدث العبرية وهو يتجول فيما قال أنها مقابر لليهود وسط العاصمة الخرطوم.
إسرائيليون يتجولون وسط الخرطوم بالسودان .. شاهد ماذا يقول أحدهم pic.twitter.com/bHzO6Skx76
— Tamer Almisshal تامر المسحال (@TamerMisshal) November 30, 2020
علاقات متصاعدة
من جانبها، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية “مكان” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” سيزور السودان في وجهته الخارجية المقبلة، حيث ستتوجه بعثات أكبر إلى السودان لتعزيز العلاقات والتعاون بين البلدين.
ونقلت الإذاعة عن مصادر إسرائيلية قولها إن “طواقم إسرائيلية تعمل على بناء علاقات مع السودان، ومن بين الأهداف تقليص مسافة الرحلات الجوية بين إسرائيل والقارة الأمريكية الجنوبية” وحسب الهيئة “تلزم هذه الخطوة استخدام إسرائيل للمجال الجوي لكل من السودان وتشاد”.
وحسب صحيفة “إسرائيل اليوم” من المقرر أن “يوقع البلدان اتفاقيات تغطي الزراعة والتجارة والطيران والهجرة”. وتابعت “من المتوقع أيضا أن تناقش إسرائيل والسودان باستفاضة مصير حوالى 6000 طالب لجوء سوداني موجودين حاليا في إسرائيل، حيث ورد أن إسرائيل قد أعدت اقتراحا لإعادة اللاجئين الراغبين في العودة إلى وطنهم حيث يشكل طالبو اللجوء من السودان حوالى 20 ٪ من 33000 مهاجر أفريقي في إسرائيل حاليا”.
في سياق متصل، قال رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان، أن ما قام به السودان هو صلح مع دولة كان قائما معها عداء في السابق، معتبرا أن ذلك أمر طبيعي حسب زعمه.
وفي رده على سؤال عن الفوائد التي يُمكن أن تعود على السودان من جراء تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قال البرهان: “السؤال في الحقيقة يجب أن يُطرح بطريقة مغايرة، أي ما الذي استفاده السودان ويستفيده من الخصومة مع دولة عضو في الأمم المتحدة، وأصبحت مقبولة من المجتمع الدولي بغض النظر عن الظروف التي صاحبت قيامها”.
ووسط معارضة سياسية وشعبية، حذا السودان حذو الإمارات والبحرين ووافق على إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، ليصبح ثالث دولة عربية تتواصل مع إسرائيل بتشجيع من واشنطن، خلال الفترة الأخيرة.
لكن القادة العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية السودانية مختلفون بشأن سرعة وكيفية المضي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ففيما تؤكد الحكومة التنفيذية برئاسة عبد الله حمدوك أن التطبيع مع إسرائيل ينبغي تركه لحكومة منتخبة، وأن الحكومة الانتقالية الحالية لا تملك تفويضا لاتخاذ هذا القرار، يقول رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إن التقارب مع تل أبيب أمر تقتضيه المصلحة العليا للسودان، قبل أن يتحدث في تصريحات لاحقة عن أن الاتفاق مع إسرائيل لن يكون نافذا قبل عرضه على المجلس التشريعي ـ قيد التكوين.
دور سعودي
في سياق متصل، كشف باحث صحافي إسرائيلي عن أسرار العلاقة بين إسرائيل والسودان مشددا على دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تقريبهما ودفعهما نحو التطبيع المعلن، لافتا لوجود علاقات مع “عشيقة سرية” بين دولة الاحتلال ودول عربية بعضها قرر الخروج للعلن وبعضها فضل البقاء خلسة حسب وصفه.
وقال الباحث الصحافي رونين بيرغمان في حديث للإذاعة العبرية إن السعودية هي التي حاكت العلاقات السرية بين إسرائيل والسودان وإن رؤساء أجهزة المخابرات في السعودية وولي العهد بن سلمان كانوا شركاء في الدائرة السرية للمفاوضات تمهيدا للإعلان عن إنشاء علاقات بين دولة الاحتلال والإمارات أيضا.
وفي سياق استعراضه لتحول السودان من اللاءات الثلاث إلى التطبيع استذكر أنه في التاسع من شهر أيار/مايو الماضي، أبلغ رئيس الموساد يوسي كوهين أربعة مسؤولين بأن رئيس الحكومة الإسرائيلي “محق”، ولكن مع الحفاظ الصارم على ممارسات الإبلاغ والسرية حول اتصالات جارية مع دول عربية.
وأشار لعقد لقاء قمة سري بين الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان ووزير الأمن في حكومة الاحتلال بيني غانتس في فيلا يملكها ملياردير سعودي، وتحت رعاية حاكم أفريقي مركزي، من أجل التداول في كيف بإمكان السودان مساعدة إسرائيل.
ومضى بيرغمان نقلا عن مسؤولين إسرائيليين: “السعودية هي التي من حاكت العلاقات السرية بين إسرائيل والسودان. كما أن رؤساء أجهزة المخابرات في السعودية وولي العهد بن سلمان كانوا شركاء في الدائرة السرية للمفاوضات تمهيدا للإعلان عن إنشاء علاقات بين إسرائيل والإمارات بل وساعد في الحصول على دعم من عدة دول مهمة في المنطقة حتى قبل الإعلان عن الاتصالات”.
اضف تعليقا