نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تصريحات عن مصادر مطلعة تفيد بأن السعودية تسعى للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، والمساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، وتقليل القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية كثمن لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهي خطوة إذا تمت يمكن أن تؤدي إلى إعادة تنظيم سياسي كبير للشرق الأوسط.

يقدم طلب الرياض الطموح للرئيس بايدن الفرصة للتوسط في اتفاق دراماتيكي من شأنه أن يعيد تشكيل علاقة إسرائيل بأقوى دولة عربية، ويمكنها أيضًا أن تفي بتعهده باستكمال اتفاقات أبراهام التي بدأها ترامب الذي توسط في صفقات دبلوماسية مماثلة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

وحسب محللين فإن صفقة التطبيع المحتملة بين السعودية وإسرائيل ستحقق أحد أهم أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، متوجًا ما يعتبره إرثًا لزيادة أمن إسرائيل ضد عدوها اللدود، إيران، مضيفون أن الصفقة ستعزز التحالفات الإقليمية من جهة، وستقلل من أهمية القضية الفلسطينية من جهة أخرى.

انقسم المسؤولون والخبراء في الولايات المتحدة والشرق الأوسط حول مدى جدية التعامل مع الاقتراح، بالنظر إلى العلاقات الفاترة بين جو بايدن ومحمد بن سلمان ولي العهد السعودي.

جاء الاقتراح السعودي قبل ساعات من اتفاق منفصل بوساطة الصين، مهد الطريق للرياض لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران لأول مرة منذ سبع سنوات في صفقة اعتبرها المحللون أنها دليل على أن السعودية فقدت الثقة في الولايات المتحدة كمدافع عن أمنها لذلك تقترب من الصين وتسعى لتخفيف تنافسها الطويل مع إيران كاستراتيجية احتياطية.

من ناحية أخرى، يرى خبراء أن العديد من التحديات تقف في طريق صفقة سعودية إسرائيلية، أبرزها تصاعد العنف الإسرائيلي ظل الحكومة اليمينية الجديدة في البلاد في الأسابيع الأخيرة، وهي اعتداءات أصدرت الحكومة السعودية ضدها إدانات علنية، مما قلل من احتمالية التوصل إلى صفقة على المدى القريب، كما يقول محللون إن تصعيدًا كبيرًا مثل انتفاضة فلسطينية جديدة سيجعل التوصل إلى اتفاق أمر مستحيل.

من جانبهم، قال مسؤولون سعوديون إنهم لا يستطيعون إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل – وهي خطوة من شأنها أن تشمل تفاعلات دبلوماسية رسمية ومن المحتمل أيضًا اتفاقيات التجارة والسفر – قبل إقامة دولة فلسطينية، لكن بعض الأشخاص المطلعين على المناقشات قالوا إنهم يعتقدون أن السعوديين، الذين يبنون علاقات غير رسمية أوثق مع إسرائيل، قد يتنازلون عن هذا الشرط.

في تصريح خاص، قال مارتن إنديك، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل في إدارة كلينتون: “نتنياهو يريد ذلك بشدة، ولا يمكنه الحصول عليه إلا بمساعدة بايدن… هذا يخلق وضعًا يتمتع فيه بايدن بنفوذ على نتنياهو لإقناعه بأنه لا يمكن أن يحدث شيء جيد مع المملكة العربية السعودية إذا سمح بانفجار الوضع في الضفة الغربية والقدس الشرقية”.

وأضاف إنديك أن بايدن سيرى أيضًا التطبيع الكامل بين الدول على أنه في مصلحة الولايات المتحدة، لا سيما كوسيلة لمواجهة النفوذ الإيراني.

من بين التحديات الأخرى التي تواجه هذه الصفقة المحتملة أن المسؤولين الأمريكيين متخوفون من الجهود السعودية لإنشاء برنامج نووي مدني، إذ إنهم يخشون أن يكون هذا التطبيع بمثابة الخطوة الأولى نحو امتلاك السعودية سلاح نووي، والتي قد تسعى الرياض إلى تأمين نفسها به ضد إيران التي يحتمل أن تكون مسلحة نوويًا.

قال أشخاص مطلعون على المناقشات إنه ليس من الواضح ما هي شروط الاتفاقية الأمنية، لكن من المحتمل ألا ترقى إلى مستوى ضمان الدفاع المتبادل مثل ذلك الذي يربط دول الناتو، وأضافوا أنه، حتى لو كان السيد بايدن على استعداد للوفاء بشروط بن سلمان فمن المحتمل أن يواجه مقاومة شديدة في الكونجرس، حيث ضغط العديد من الديمقراطيين مؤخرًا لتقليل العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

قال السناتور كريستوفر إس مورفي، الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت وعضو لجنة العلاقات الخارجية: “يجب أن تكون علاقتنا مع المملكة العربية السعودية علاقة ثنائية مباشرة… لا ينبغي أن تمر عبر إسرائيل”.

وأضاف مورفي: “السعوديون ينتهكون القوانين باستمرار”، الجدير بالذكر أن مورفي ضغط مرارًا وتكرارًا من أجل فرض قيود على بيع الأسلحة الأمريكية التي قد تستخدمها المملكة في اليمن حيث تسبب تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في وقوع خسائر ضخمة في صفوف المدنيين وتفاقم الأزمة الإنسانية.

ولفت مورفي “إذا أردنا توطيد العلاقة مع السعوديين الذين نبيعهم أسلحة مهمة، فيجب أن يكون ذلك في مقابل سلوك أفضل تجاه الولايات المتحدة، وليس مجرد سلوك أفضل تجاه إسرائيل”.

حين كان مرشحًا رئاسيًا لعام 2020، تعهد بايدن بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” دوليًا بسبب جرائمها في حرب اليمن، كما تعهد بأن يجعل السعوديون “يدفعون الثمن” لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وفي وقت مبكر من فترة ولايته، رفع بايدن السرية عن تقرير استخباراتي خلص إلى أن مقتل السيد خاشقجي “حدث بموافقة” محمد بن سلمان شخصيًا.

في المقابل، أثارت المملكة العربية السعودية غضب مسؤولي بايدن بتخفيضات في إنتاج النفط، والتي يقولون إنها كلفت المستهلكين الأمريكيين وحققت أرباحًا لآلة الحرب الروسية الممولة بشكل كبير من النفط.

رفض متحدث باسم مجلس الأمن القومي التعليق مباشرة على المناقشات الدبلوماسية لكنه قال إن إدارة بايدن تدعم توثيق العلاقات بين إسرائيل وجيرانها في الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية.

في المقابل، أكد نتنياهو في مقابلة يوم الخميس في صحيفة La Repubblica الإيطالية، أنه يهدف إلى إبرام صفقة دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، إذ قال: “أرى بالتأكيد أن اتفاقية السلام بيننا وبين السعوديين ستؤدي إلى اتفاق مع الفلسطينيين”.

المناقشات الجارية تسلط الضوء على الطريقة التي يفكر بها بن سلمان، الذي تعد بلاده موطنًا لأقدس موقعين في الإسلام، والتي تبين أنه براغماتي أكثر من كونه أيديولوجيًا، وأنه على استعداد لكسر أي تقاليد مقابل المصلحة.

الجدير بالذكر أنه في مقابلة سابقة مع مجلة ذي أتلانتيك، قال محمد بن سلمان عن إسرائيل “نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، بل كحليف محتمل”.

اللافت أن المملكة السعودية سمحت لشركات الطيران الإسرائيلية بالمرور عبر المجال الجوي السعودي في يوليو/تموز، في خطوة قال محللون إنها تشير إلى استعداد السعودية للتواصل مع إسرائيل، في المقابل تحصل السعودية على أحدث برامج المراقبة والتجسس من الإسرائيليين، ولكن عبر صفقات “من تحت الطاولة” على حد وصف المحللين.

لكن تصاعد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين إلى جانب النشاط الاستيطاني الجديد في الضفة الغربية وطموحات حكومة نتنياهو لبسط المزيد من السيطرة على المناطق الفلسطينية قد عقّد تحقيق هذا الهدف.

يقول محللون إن الحكومة السعودية لديها بعض القدرة على تجاوز الرأي العام حول هذا الموضوع لكن ليس بالنسبة المطلوبة، وفي استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في نوفمبر/تشرين الثاني، تبين أن 76٪ من السعوديين غير موافقين باتفاقيات أبراهام، وهي نسبة تجعل المسؤولين السعوديين لديهم مساحة أقل لمواجهة الرأي العام من نظرائهم في الدول الأصغر مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة، إذ يبلغ عدد سكان المملكة 20 مليون مواطن.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا