وسط تصاعد الغضب الدولي من الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، يتزايد الجدل حول مشاركة “إسرائيل” في مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”، المقررة هذا العام في مدينة بازل السويسرية، مع دعوات صريحة لاستبعاد هيئة البث الإسرائيلية “كان”، باعتبارها “متواطئة في التغطية على الإبادة الجماعية”.

التحركات التي يقودها فنانون ومؤسسات إعلامية أوروبية – وفي مقدمتها هيئة الإذاعة الأيرلندية (RTÉ) – تفتح ملفًا شائكًا طالما حاول اتحاد الإذاعات الأوروبية (EBU) تحييده عن السياسة: هل ما تزال الموسيقى “محايدة” في زمن المجازر والبروباغندا؟

 صدام على الهواء: “إسرائيل” تحت مجهر المقاطعة

بدأت شرارة الجدل مع رسالة مفتوحة وقعها 72 فنانًا من موسيقيي وشعراء يوروفيجن السابقين، طالبوا فيها الاتحاد الأوروبي بمنع مشاركة “كان”، متهمين المحطة بالترويج للعنف الإسرائيلي ضد غزة وتجميل الاحتلال العسكري.

الرسالة اعتبرت أن استمرار مشاركة “إسرائيل” يمثل نفاقًا صريحًا ومعايير مزدوجة، خاصة بعد استبعاد روسيا عام 2022 بسبب غزو أوكرانيا، متسائلين: “أليس ما تفعله إسرائيل في غزة غزواً أكثر دموية؟”

 RTÉ تكسر الصمت: إيرلندا ترفع السقف

هيئة الإذاعة الأيرلندية العامة (RTÉ) دخلت رسميًا على الخط، مطالبة مناقشة إدراج إسرائيل في المسابقة، في موقف يُعد الأول من نوعه داخل مؤسسات الإعلام الأوروبية الرسمية.

مدير الهيئة كيفن باكهيرست أعرب عن “رعبه من الأوضاع في غزة”، مؤكدًا أن الضغط السياسي على المحطة الإسرائيلية “كان” لا يمكن تجاهله، خاصة في ظل تماهيها مع خطاب الحكومة الإسرائيلية الحربي.

 “كان” في قفص الاتهام: إعلام رسمي أم أداة بروباغندا؟

الفنانون الموقعون على الرسالة أرفقوا توثيقًا لحالات من التحيز والدعوات للعنف في تقارير وصحافة “كان”، مؤكدين أنها لم تعد وسيلة إعلام عامة، بل منصة لتبرير جرائم الحرب وتضليل الرأي العام العالمي.

الانتقاد الأكبر كان أن “كان” تستخدم الموسيقى غطاءً لتبييض الانتهاكات الإسرائيلية، وتسويق “وجه ناعم” لدولة تنتهك القانون الدولي على مدار عقود.

 يوروفيجن والازدواجية الأوروبية

الجدل لا يُطرح في فراغ؛ فـ”يوروفيجن” لطالما سعت لتقديم نفسها كمنصة “غير سياسية”، لكن السوابق تكشف العكس:

  • روسيا استُبعدت بسبب غزو أوكرانيا.

  • في نسخة العام الماضي، مُنعت فنانة أيرلندية من كتابة “وقف إطلاق النار” على وجهها.

  • الآن، تشارك إسرائيل بينما تُتهم بالإبادة الجماعية، وسط صمت رسمي من اتحاد الإذاعات الأوروبية.

فهل يمكن الحديث عن “حياد موسيقي” في زمن تُقصف فيه المستشفيات وتُستهدف المدارس؟

 مشاركة إسرائيل: من رمزية التطبيع إلى تحدي الإنسانية

يشارك في النسخة الحالية المغني الإسرائيلي يوفال رافائيل، وهو من حضور مهرجان نوفا الموسيقي الذي كان هدفًا لهجوم 7 أكتوبر، ما يمنحه رمزية خاصة لدى الجمهور الإسرائيلي.

لكن في المقابل، تعتبر قوى فنية أوروبية أن هذه المشاركة توظيف فجّ للحدث لإنتاج رواية إنسانية مقلوبة، تخفي السياق الأوسع للحرب والاحتلال.

 الموقف الرسمي الأوروبي.. غموض ومراوغة

فيما أصدر 6 وزراء خارجية أوروبيين بيانًا يعربون فيه عن قلقهم من المخططات الإسرائيلية لتوسيع حرب غزة، لم يصدر حتى اللحظة موقف حازم من اتحاد الإذاعات الأوروبية.

الناطق باسم الاتحاد اكتفى بالقول إن “المسابقة تعزز الشمول والتنوع، وعلينا أن نُظهر العالم كما يمكن أن يكون”.

رد أثار غضبًا واسعًا، لأنه يتجاهل جوهر القضية: كيف يمكن للموسيقى أن توحّد العالم، بينما أحد المشاركين يُمزق شعبًا بأكمله؟

جدل “يوروفيجن – إسرائيل” ليس مجرد خلاف موسيقي، بل معركة رمزية حول الأخلاق الأوروبية، وازدواجية المواقف من الاحتلال والعدوان.

فإذا كانت الموسيقى تعبر عن روح الشعوب، فهل يمكن السماح لـ”إسرائيل” بتمثيل الفن في وقت تُدفن فيه العائلات تحت الركام في غزة؟

اقرأ أيضا: الغارديان: بريطانيا مستمرة في تصدير الأسلحة لإسرائيل رغم تعليق التراخيص وتواطؤ حكومي في تغطية الجرائم بغزة