في مشهد يعكس تصاعد القمع وتضييق الخناق على الحريات في الإمارات، أكدت السلطات الإماراتية استلامها الشاعر المصري عبد الرحمن القرضاوي من لبنان، بعد أن اتهمته بارتكاب أعمال من شأنها “إثارة وتكدير الأمن العام”.

عملية التسليم أثارت موجة غضب واسعة بين النخب والحقوقيين، معتبرين أن القرار يمثل استهتارًا بالقوانين الدولية واستمرارًا في ممارسات دولة الإمارات القمعية.

عملية تسليم القرضاوي بدأت بطلب رسمي من وزارة العدل الإماراتية للسلطات اللبنانية. وفقًا للوكالة الوطنية اللبنانية، اعتُقل القرضاوي في 28 ديسمبر 2024 أثناء عودته من سوريا عبر معبر المصنع الحدودي، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن السلطات المصرية. إلا أن طلبًا إماراتيًا لاحقًا في 30 ديسمبر سرّع من قرار الترحيل.

قرار الترحيل أثار جدلًا كبيرًا حول تواطؤ الحكومة اللبنانية، خاصة وأنها تجاهلت استئنافًا قانونيًا قُدم أمام مجلس شورى الدولة. بدلاً من الانتظار، نفذت الحكومة القرار بسرعة مريبة، مما يشير إلى ضغوط سياسية واقتصادية من الإمارات. الباحث في العلاقات الدولية بكر البدور أكد أن الترحيل تم لإرضاء دول الخليج القوية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان.

قانون الغاب

“هيومن رايتس ووتش” أدانت عملية الترحيل، مؤكدة أن القرضاوي يواجه خطر المحاكمة الجائرة والتعذيب في الإمارات، كذلك المنظمة أوضحت أن المنشور الذي اتهمته الإمارات بسببه لا يُشكل جريمة وفقًا للقوانين الدولية. 

المحامي اللبناني محمد صبلوح، الذي يتولى الدفاع عن القرضاوي، أشار إلى أن التهمة استندت إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يجعل القضية سياسية بامتياز وليست قانونية.

كذذلك الخبراء القانونين أوضحوا أن تسليم القرضاوي يخالف الاتفاقيات الدولية التي تجرّم التعذيب وتلزم الدول بعدم تسليم أي شخص لدولة قد يتعرض فيها لانتهاكات جسيمة. وأضاف أن تبرير التسليم بناءً على اتفاقية الرياض غير قانوني، خاصة وأن القرضاوي لا يحمل الجنسية الإماراتية ولم يُدن قضائيًا في الإمارات سابقًا.

تاريخ حافل بالجرائم

الإمارات، التي تُعرف بسجلها الحافل في قمع الحريات وتكميم الأفواه، أضافت قضية القرضاوي إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات. الشاعر المصري، المعروف بمواقفه الناقدة، أصبح هدفًا للنظام الإماراتي بسبب آرائه التي تعارض السياسات القمعية. منظمة “هيومن رايتس ووتش” حذرت من أن تسليم القرضاوي يعكس تواطؤًا دوليًا يسمح للإمارات بمواصلة انتهاكاتها دون محاسبة.

توقيت اعتقال القرضاوي وترحيله أثار أيضًا تساؤلات حول دور التطورات السياسية في المنطقة. الكاتب اللبناني إبراهيم حيدر أشار إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ربما أدى إلى تضارب مصالح بين الدول المعنية، مما وضع لبنان في موقف محرج بين مطالبات متضاربة.

ردود الفعل على عملية الترحيل لم تقتصر على الإدانة بل شملت مطالبات بمحاسبة الحكومة اللبنانية ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي. حقوقيون ونشطاء طالبوا بمحاكمة المسؤولين عن القرار، مؤكدين أن الترحيل تم دون أي سند قانوني يبرره.

بعض النشطاء دعوا أيضًا إلى مقاطعة لبنان باعتباره شريكًا في تسهيل الانتهاكات الإماراتية. وفي الوقت نفسه، تزايدت المطالبات الدولية بوقف التعاون مع الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان، داعين إلى تشديد الرقابة على قرارات الترحيل وتسليم المطلوبين.

قضية عبد الرحمن القرضاوي لم تعد مجرد قضية فردية، بل أصبحت رمزًا للمقاومة في وجه الأنظمة القمعية. النشطاء والكتاب الذين دافعوا عنه يرون في هذه القضية فرصة لتسليط الضوء على السياسات القمعية في الإمارات وفضح التواطؤ الدولي الذي يسمح باستمرار هذه الانتهاكات.

ختامًا، فإن تسليم القرضاوي يعكس انحسار الحريات في العالم العربي ويؤكد أن الأنظمة القمعية ستواصل ممارساتها طالما استمرت الدول الأخرى في تقديم الدعم والتواطؤ. المعارضة الحرة، التي يمثلها القرضاوي وآخرون، تحتاج إلى دعم دولي لمواجهة هذه التحديات وضمان أن صوت الحرية لن يخفت في وجه القمع.

اقرأ أيضًا : بين الحقيقة والدعاية: لماذا تروج الإمارات لتقارير كاذبة حول حجم ثرواتها السيادية؟