على حين فجأة من العالم كله، أعلنت الهند إلغاء الحكم الذاتي لولاية «جامو كشمير»، الشطر الهندي من الإقليم، والمادة 370 من الدستور الملزمة بذلك، وأدخلت قرار الإلغاء حيز التنفيذ بشكل فور.

ويطلق اسم «جامو كشمير»، على الجزء الخاضع لسيطرة الهند، ويضم جماعات مقاومة تكافح منذ 1989، ضد ما تعتبره «احتلالا هنديا» لمناطقها.

ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذي الغالبية المسلمة.

وفي إطار الصراع على كشمير، خاضت باكستان والهند 3 حروب أعوام 1948 و1965 و197، ما أسفر عن مقتل نحو 70 ألف شخص من الطرفين.

ومنذ 1989، قُتل أكثر من 100 ألف كشميري، وتعرضت أكثر من 10 آلاف امرأة للاغتصاب، في الشطر الخاضع للهند من الإقليم، بحسب جهات حقوقية، مع استمرار أعمال مقاومة مسلحة من قبل جماعات إسلامية ووطنية.

واليوم يبدو إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، على شفا حرب جديدة تخوضها القوتان النوويتان، على خلفية قرار الأولى بإلغاء الحكم الذاتي للإقليم ذو الغالبية المسلمة، وما تبعه من إجراءات صارمة، حذرت معها إسلام آباد من تطهير عرقي للمسلمين.

وإلى جانب تطورات الأوضاع الدامية هناك، برز موقف دولة الإمارات المثير للجدل بتأييدها علنا، استثناء عن الدول العربية والإسلامية، القرار الهندي، الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن دوافع أبوظبي لمثل هذا الموقف، وهل يأتي على غرار مواقف سابقة مناهضة لتطلعات الشعوب العربية والإسلامية؟

الإمارات تنفرد بدعم اضطهاد المسلمين 

في كل قضايا الاضطهاد التي يمر بها المسلمون في العالم يبرز موقف الإمارات مؤيدا لمن يستضعفهم، ففي فلسطين وبورما والصين ومؤخرا في الهند، حيث كان لافتا الحضور الإماراتي في القضية بموقف رسمي، تفردت به وكانت الأسرع بين الدول العربية والإسلامية، التي غابت عن الأزمة غيابا مريبا، باستثناء السعودية التي دعت لضبط النفس أولا، ثم أبرمت بعدها بأسبوع اتفاقا تجاريا ضخما مع نيودلهي.

لكن الإمارات أعربت صراحة عن تأييدها لقرار الهند إلغاء الحكم الذاتي لكشمير، وبينما رأى العالم كله أن الخطوة تهدد بإشعال فتيل الحرب بالمنطقة، اعتبرت الإمارات متفردة مرة أخرى أنها خطوة “تشجع على الاستقرار والسلام”!.

صحيفة “جلف نيوز” الإماراتية الصادرة بالإنجليزية نقلت عن أحمد البنا سفير أبو ظبي في نيودلهي قوله، إن بلاده تتوقع أن “تؤدي هذه الخطوة إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقة في الحكم المحلي لدى شعب ولاية جامو وكشمير”، كما اعتبر القرار المتعلق بكشمير “مسألة داخلية” هندية.

المثير أن الموقف الإماراتي في قضية كشمير، جاء ليعيد إلى الأذهان سلسلة من المواقف المثيرة للجدل، والتي دأبت فيها أبو ظبي على مناهضة تطلعات الشعوب العربية والإسلامية، خاصة في دول الربيع العربي.

لكن يبقى مثلا التدخل الإماراتي للإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي، ودعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في سياق الحرب التي تشنها على الإسلاميين، وجماعات ما يطلق عليه الإسلام السياسي.

وفي اليمن، دعمت الإمارات كيانات خارجة عن الشرعية جنوب البلاد مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي قاد الانقلاب على الشرعية في محافظة عدن، فضلا عن تمويل مليشيات موالية لها كقوات “الحزام الأمني” المنتشرة في عدد من المحافظات، إضافة إلى قوات عرفت باسم “النخب” مثل “النخبة الشبوانية” و”النخبة الحضرمية” وغيرها من التشكيلات غير الرسمية.

إلا أن الوضع في كشمير لا يتطابق مطلقا مع تلك الدول التي دعمت أبوظبي مستبديها أو حكوماتها القمعية من أجل القضاء على الإسلاميين، ولا تشكل الغالبية المسلمة في كشمير أي خطر يذكر من تصدير ثورة أو تهديد عروش حكام الإمارات.

لكن ثمة نماذج أخرى قريبة الشبه من أزمة كشمير، حيث يختفي بُعد مواجهة الإسلاميين، كالوضع في الصومال على سبيل المثال، حيث تدعم الإمارات حكومة أرض الصومال التي لا تعترف بها دولة أو منظمة في العالم كله.

ويشمل الدعم الإماراتي الموجه ضد الحكومة المركزية في مقديشو، تدريب قوات الجيش والشرطة في الإقليم، إضافة إلى قيامها بإنشاء قاعدة عسكرية في بربرة، ولم تكتف باستغلال ميناء بربرة بصفة غير قانونية، وإنما عقدت شركة “موانئ بي آند أو” التابعة لحكومة دبي في أبريل/نيسان 2017، اتفاقا مع إقليم بونت لاند شمال شرقي الصومال الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي للاستثمار في ميناء “بوصاصو” على ساحل البحر الأحمر لمدة 30 عاما.

البعد الديني في موقف الإمارات

ترتبط الإمارات بعلاقات إستراتيجية مع الهند، وزادت تلك العلاقات متانة بعد تولي القومي الهندوسي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء، وهو سياسي معروف بمواقفه المتطرفة تجاه الأقلية المسلمة في بلاده.

اتُهم مودي بعدم التدخل عندما قتل 100 مسلم عندما كان رئيسا لحكومة ولاية جوجارات عام 2002، وحين سألته وكالة “رويترز” في مقابلة خاصة عن تلك المجازر، قال إنه “يشعر بالحزن إزاء تلك المجزرة، شأن راكب في مقعد خلفي لسيارة دهست جروا”.

لكن الرجل الذي تتضح يوما تلو الآخر نواياه وممارساته ضد المسلمين، منحته الإمارات في أبريل/نيسان الماضي “وسام زايد” الذي يعد أعلى وسام تمنحه دولة الإمارات لملوك ورؤساء وقادة الدول.

وبلهجة ودية، قال محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي: “نعبر من خلال منح الصديق العزيز رئيس وزراء الهند (وسام زايد) عن مدى تقديرنا لدوره وجهوده في تنمية علاقات الصداقة ومد جسور التعاون المشترك بين دولة الإمارات وجمهورية الهند في مختلف المجالات”.

اللافت، أن منح مودي هذا الوسام تزامن مع وضع الإمارات حجر الأساس لأول معبد هندوسي في الخليج العربي، بالعاصمة أبوظبي حضره وزراء ومسؤولون، وممثلون عن الطائفة الهندوسية في البلاد.

وسيتم بناء المعبد قرب الطريق السريع بين إمارتي دبي وأبوظبي، على مساحة تقدر بـ55 ألف متر مربع، وسيشمل قاعات عبادة وأخرى للتعليم، ومركزا للزوار، ورياض أطفال، وحدائق، وقاعة طعام، ومتجر كتب، وآخر للهدايا.

تلك الخطوة أثارت حينها استغراب ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر بعضهم أنها تعكس تناقض الإمارات التي لا تظهر ذلك التسامح مع العرب والمسلمين، في إشارة إلى انتقادات حقوقية توجه إلى أبوظبي، فضلا عن دورها في أزمات حصار قطر وحرب اليمن وغيرها.

ورأى مغردون، أن تلك الخطوة استفزازية، مع دولة تتسامح مع كل الأديان إلا الإسلام، فضلا عن مطالباتها المتكررة دوما بتشديد الرقابة على المساجد.

ربما لا يمكن بحال من الأحوال فصل هذا التوجه الإماراتي الرسمي نحو رئيس الحكومة الهندية والطائفة الدينية التي يمثلها “الهندوس”، عن محاولة فهم دوافع موقف أبوظبي في قضية كشمير وتأييدها الخطوة الهندية.

البعد الاقتصادي

عند محاولة تحليل الموقف الإماراتي من قضية كشمير، يجب البحث في الدوافع التي اتخذت أبو ظبي بناء عليها هذا الموقف، وفي ذات السياق يبرز بشدة الجانب الاقتصادي، الذي تعول عليه البلدان كثيرا إلى حد قد يكون أجبر الإمارات على موقف كشمير حرصا على مصالحها الاقتصادية.

وفي تقرير رسمي نشرته صحف إماراتية في أبريل/نيسان الماضي، قالت السفارة الإماراتية في نيو دلهي إن حجم التجارة الثنائية بين البلدين ارتفع من 180 مليون دولار سنويا في سبعينيات القرن الماضي، إلى نحو 57 مليار دولار.

هذا الرقم جعل دولة الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند للعام المالي 2015-2016 بعد الصين والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة التبادل التجاري 100 مليار دولار خلال 2020 ما يجعل الهند الشريك التجاري الأول للإمارات.

كما بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية المباشرة في الهند حوالي 8 مليارات دولار، ما يجعلها في المرتبة العاشرة بين أكبر المستثمرين في الهند من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر.

وبحسب تقرير هيئة الإمارات للتنافسية والإحصاء بلغ حجم الاستثمار الأجنبي الهندي المباشر في الإمارات ما يزيد على 6.6 مليارات دولار، وهناك استثمارات تبلغ 5.5 مليارات دولار، بين العامين 2016-2017 في القطاع العقاري في دبي وحده.

وتتصدر الهند قائمة الشركاء التجاريين للإمارات بحجم تجارة خارجية يقدر بحوالي 18 مليار دولار خلال النصف الأول من 2018، فيما سجلت إجمالي التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين بنهاية عام 2017 نحو 34.8 مليار دولار.

ويشهد التبادل السياحي نموا كبيرا بين البلدين، حيث احتلت الهند المرتبة الأولى في قائمة الدول المصدرة للزوار إلى الإمارات خلال 2017 بإجمالي عدد 2.2 مليون زائر بنسبة 9.1 بالمئة من إجمالي عدد الزوار.

وتقدر الرحلات الجوية المباشرة بين مدن البلدين بأكثر من ألف رحلة أسبوعية، تدير منهم الناقلات الإماراتية حوالي 500 رحلة أسبوعية إلى جانب وجود أكثر من 4365 شركة و238 وكالة تجارية هندية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد.

الإمارات تستضيف على أراضيها الجالية الهندية المغتربة الأكبر في العالم بعدد 3.3 ملايين نسمة والتي تسهم بحركة تحويل أموال كبيرة تدعم الاقتصاد الهندي قاربت في 2017 الوصول لحد 14 مليار دولار سنويا.

مغردون غاضبون

أثار فعل الإمارات موجة غضب بين عموم المسلمين ظهرت على صفحات السوشيال ميديا حيث علق محمد بن العصار بالتالي “بعد أن ضم رئيس وزراء الهند إقليم كشمير المسلم، وجعل الإقليم سجنا للمسلمين فيه، يستقبله اليوم ابن زايد ويكرمه”

وكتب كاشيف عباسي “تكريم الإمارات لمودي بأعلى جائزة للدولة في هذه المرحلة الحاسمة هي بمثابة خنجر في الظهر للأمة الإسلامية، أسوأ مذبحة في التاريخ تحدث في كشمير ولسكانها”.

وغردت الصحفية الباكستانية جاريدا فاروقي قائلة إن وسام زايد “يُمنح لمودي جزار المسلمين في جامو وكشمير، في وقت يقتل فيه ملايين المسلمين ويعذبون ويغتصبون ويعيشون تحت حظر التجوال في كشمير بأمر من مودي”.

وانتقد حساب يحمل اسمه “أمة الإسلام” تكريم مودي، وخاطب محمد بن زايد بقوله “لقد صنعتم أصدقاء من قتلة المسلمين في كشمير المحتلة.. سنشتكي إلى الله”.