بدأت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي فصلاً سياسيًا جديداً منذ أواخر يوليو/تموز المنصرم، يبدو في ظاهره أنهما على توافق ولديهما إرادة جادة لتنفيذ المقترح السعودي بتقاسم السلطة، والذي وقعاه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في الرياض.
بوادر التوافق بدأت حين تخلي المجلس الانتقالي الجنوبي عن إعلان الحكم الذاتي الصادر في أبريل/نيسان الماضي، وفي المقابل قام الرئيس عبد ربه منصور هادي بتعيين محافظ ورئيس أمني لمحافظة عدن، وكلاهما ينتميان للمجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى ذلك، سيُمنح الانفصاليون أربع وزارات في الحكومة المقبلة المقرر تشكيلها هذا الشهر.
ومن الجدير بالذكر أن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل الانفصاليين الجنوبيين، كان على مدار فترة طويلة حليف قوي للحكومة في القتال ضد جماعة الحوثي في شمال اليمن.
توصل الطرفان إلى هذه المرحلة من التفاهم بمساعدة المملكة العربية السعودية، إيذانا ببدء مرحلة جديدة في جنوب اليمن، الذي يعاني من اشتباكات عنيفة متقطعة منذ أغسطس/آب 2019 عندما سيطر الانفصاليون على عدن.
وعلى الرغم من أن التقارب الأخير بين الجانبين يعد تطورًا مشجعًا، إلا أن نجاحه يتوقف على تصميم المملكة العربية السعودية على التأثير على الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي لتحقيق التزام قوي باتفاقية السلام، كما أنه في حالة عدم محاسبة أي طرف يعرقل تنفيذ الاتفاق، من المرجح أن تستمر التوترات وانعدام الثقة بين الأجندات المتباينة، وهي نتائج ليست في صالح جنوب اليمن المصاب بالفعل.
في ظاهرها، لا تعني موافقة الانفصاليين على اتفاق “تقاسم السلطة” أن الجماعة تخلت بصورة نهائية عن أجندتها الانفصالية، خاصة وأن خطابهم أكد أنهم يرون في التخلي عن الحكم الذاتي -في الفترة الحالية- خطوة تكتيكية لا تتنافى مع استمرار حرصهم على إقامة دولة جنوبية مستقلة.
يؤكد ذلك ما نشره عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في ذكرى مقتل القائد العسكري الجنوبي أبو اليمامة في 2 أغسطس/آب، والذي اغتيل خلال عرض عسكري في عدن العام الماضي.
وكتب الزبيدي: “في سبيل الجنوب وحريته واستعادة السيادة كاملة غير منقوصة، تهون أغلى التضحيات وترخص المهج والأرواح”
من الناحية الأخرى، أبدت شخصيات انفصالية أخرى رفضها لأي تسوية سياسية مع الحكومة اليمنية، مصرة على أن يكون الجنوب دولة مستقلة، على سبيل المثال قال حسن باعوم رئيس المجلس الأعلى للحركة الثورية للتحرير السلمي واستقلال الجنوب في نفس اليوم إن اتفاق الرياض “لا يلبي تطلعات أهل الجنوب في إقامة دولة مستقلة”.
علاوة على ذلك، من المحتمل ألا تتوقف الإمارات عن استغلال المجلس الانتقالي الجنوبي وستواصل استخدامه لتحقيق أجندتها في اليمن، حيث تدعم الإمارات المجلس منذ إنشائه في عام 2017 ويعمل الاثنان بشكل مشترك لتقويض وجود الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في الجنوب، والتي تدعمها الرياض.
وبعد تشكيل الحكومة الجديدة التي سيشارك فيها الانفصاليون، ليس من المؤكد ما إذا كانت الإمارات ستتخلى عن سعيها وراء مصالحها في جنوب اليمن، لا سيما في المناطق الساحلية وجزيرة سقطرى.
تركز الإمارات العربية المتحدة على جنوب اليمن لسببين رئيسيين، أولاً: إنها حريصة على السيطرة بلا منازع على الخطوط الساحلية والجزر الاستراتيجية اليمنية.
ثانياً: تعتقد أن حزب الإصلاح يسيطر على الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ولا يريد لها أن يكون لها أي تأثير في اليمن، خاصة وأن نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر هو أحد قيادات حزب الإصلاح البارزين، شخصية وهذا يمثل حقيقة مقلقة للإمارات.
بينما احتفلت وزارة الخارجية اليمنية بإلغاء إعلان الحكم الذاتي الصادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي، واعتبرته الطريق إلى حل مستدام، يقول البعض إن الانفصاليين في الواقع -بخطوتهم الأخيرة- حققوا مكاسب وعززوا ثقلهم السياسي محليًا وإقليميًا ودوليًا.
صرح صالح الجبواني، وزير النقل الأسبق، أن اتفاقية الرياض سلمت عدن رسميًا إلى الانفصاليين، مضيفاً أنه لا يوجد ما يدعو للسعادة إذ يرى أن التكتيك الإماراتي نجح في تحويل الانقلاب في عدن إلى سلطة شرعية، وتابع “إذن ما هو النجاح الذي نحتفل به؟”.
ما زالت الشكوك حول نجاح اتفاق الرياض كثيرة، أبرزها هو أن اتفاق السلام قد يعمل على إرجاء الصراع فقط، وليس القضاء على جذور النزاع.
ومع ذلك، فإن جهود المملكة العربية السعودية الجادة لوقف أي صراع في الجنوب ستكون حاسمة في هذه المرحلة، أما إذا تغاضت المملكة العربية السعودية عن أي انتهاكات لاتفاق السلام هذا، فهذا يشير إلى أن المملكة ليس لديها نية حقيقية لإنهاء الصراع في جنوب اليمن.
يمكن للاتفاقية أن تفتح نافذة على السلام في جنوب اليمن إذا التزم الجانبان بها ونحيا جانبا أسلحتهما وتخليا عن خطاب الكراهية والاتهامات المتبادلة.
يمر اليمن بأزمة إنسانية لا توصف وظروف اقتصادية كارثية، يعاني ملايين الأشخاص من انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى المساعدة بينما تسببت جائحة كوفيد-١٩ في خلق أزمة جديدة في ظل نظام صحي مهترئ، إذاً فلا شك أن أي اتفاق سلام ينهي الحرب ويوقف أي عنف مسلح هو انتصار للمدنيين اليمنيين.
لطالما كان الحل العسكري في اليمن خاطئًا، لذلك، يجب التعامل مع صفقة الرياض كفرصة ثمينة لحل سلمي في جنوب اليمن، كما يجب أن تكون مقدمة للسلام على الصعيد الوطني.
في النهاية، يبقى أن نرى ما إذا كان رعاة اتفاق الرياض والموقعون عليه سيلتزمون بمسار سلمي في جنوب اليمن أم أنها مجرد مناورة استعدادًا لدورة أخرى من الصراع العسكري.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: لوموند: انفصاليو اليمن يتنازلون عن الحكم الذاتي
اضف تعليقا