العدسة – معتز أشرف:

صيف أردني حارق لمنظومة الفساد والتدخلات الأجنبية من صندوق النقد الدولي، وإرداة تنتصر يومًا بعد يوم في وجود ملك يفهم ما يريده الشعب ورافض للتحريض من كارهي الشعوب الذين أجروا الاتصالات به يومًا وراء يوم.

نرصد أبرز المكاسب لهذا الحراك الأردني في ضوء التطورات الجديدة ونزول الحكومة المكلفة على مطلب جديد للمتظاهرين:

تحقيق المطالب

أول المكاسب، وفق مراقبين، هو تحقيق المطالب بإسقاط الحكومة وسحب مشروع ضريبة الدخل المشبوه، وهو ما أشاد به رئيس مجلس النقباء نقيب الأطباء د.علي العبوس بعد اللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وقال في تصريحات صحفية: “إن المجلس لمس من حديث الرئيس تغييرًا في النهج والتعامل مع القوانين التي تهم المواطنين والمشاكل التي يعاني منها المواطن، وأضاف أنه بناء على قرار رئيس الوزراء تم سحب مشروع قانون ضريبة الدخل وتعديل نظام الخدمة المدنية من خلال لجنة قرر الرئيس تشكيلها، تكون النقابات قد حققت مطالبها بطريقة حضارية وسلمية، واعتبر أنَّ الإنجاز الذي حققته النقابات بدعم شعبي يسجل للنقابات وانتصار للنقابات وكل مواطن أردني ومؤسسات الدولة جميعها”. فيما أكد د.العبوس أن النقابات بانتظار تطبيق قرارات رئيس الوزراء، وأكد كذلك على ضرورة  تجنب تكرارتجربة مشروع قانون ضريبة الدخل.

الشارع أولًا

المكسب الثاني هو إعادة الاعتبار للشارع الأردني، مع استمرار الحذر الحكومي من عودة المظاهرات ما يضعها تحت الاختبار الدائم لمرعاة قرارات الحراك الغاضب، بالتزامن مع حذر المتظاهرين الواضح والمستعد لأي محاولة للالتفاف على إرداتهم المنتصرة، بعد تحقيق مطالبهم، فمن جانبهم احتفل المتظاهرون في مسيرة قرب الدوار الرابع مساء الخميس، بالإنجاز ووزع بعض المشاركين الحلويات والكنافة للتعبير عن الفرح، فيما قام آخرون بترديد الهتافات التي رددوها خلال الأيام الماضية، لكنهم في قراءة لما حدث في الربيع العربي حذروا من محاولة الالتفاف على المطالب، مؤكدين أن الهدف ليس تغيير الأشخاص وإنما تغيير النهج.

رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز في رسالة أثارت قلق البعض دعا الشباب الأردني للتوقف عن القيام بالمسيرات والاحتجاجات، قائلًا في حديث للشباب: “رسالتكم وصلت، والكل حريص على تنفيذها، فعودوا إلى أعمالكم وجامعاتكم، حقنًا للدماء، وحفاظًا على أمننا واستقرارنا، ولنمنح الحكومة الجديدة التي هي في طور التشكيل فرصة لتقديم رؤيتها حول مختلف المسائل الخلافية، حتى لا نمكِّن المندسين والجبناء العبث بالوطن”.

وفي هذا الإطار تذهب الأنظار إلى رئيس الوزراء المكلف د. عمر الرزاز الذي يقوم بالتحضير لطلب الثقة بحكومته، والتي سيتقدم بها إلى مجلس النواب في دورة استثنائية مرتقبة خلال شهر للحصول على ثقة أعضاء المجلس، فيما رجَّحت مصادر مطلعة أن نشهد هذا الصيف الدعوة لدورتين استثنائيتين، الأولى تخصص للثقة وماراثونها، والثانية متوقعة لإقرار مشروع مختلف لقانون ضريبة الدخل.

وبحسب استطلاع لجريدة الغد الأردني قال سياسيون، إن على الرزاز “أن يعيد آلاف الناس والشباب الذين خرجوا من بيوتهم واعتصموا في الدوار الرابع وغيره من مواقع منذ عدة أيام، لبيوتهم وتقديم حلول مقنعة لهم، لاسيما وأن معدل أعمار من تصدروا الاحتجاجات غير المسبوقة، يتراوح  ما بين 18 و35 سنة، وبالتالي على الرئيس المكلف معرفة كيف يخاطبهم ويكسب ودهم ويقنعهم بالعودة للبيت بأمل التغيير” .

إنطلاقة صحيحة! 

المكسب الثالث بحسب مراقبين هو إدارة حوار إيجابي في وقت الأزمات السياسية بأطر صحيحة، وهو الأمر الذي تفتقده المنطقة، خاصة بعد الارتداد عن حراك الربيع العربي، وهو الأمر الذي ثمّنته نخب أردنية علي مواقع التواصل الاجتماعي بعد الانتصار وسحب مشروع قانون ضريبة الدخل، وبحسب الإعلامي الأردني ياسر أبو هلالة فإنَّ تعامل الدولة كان ذكيًا وعاقلًا وابتعد عن التخوين والتهديد والوعيد، وكانت النهاية السعيدة بتغيير الحكومة وسحب القانون، وهي بذلك كرّست آلية دستورية تجاوزت تقصير مجلس النواب والحكومة.

غياب الهيمنة من أي طرف حزبي أو نقابي أو عشائري أو شخصية طاغية على الحراك، كذلك صب في إطار الأساس الصحيح للحراك الأردني الناجح، بحسب أبو هلالة، حيث إنه تحرك شبكي الكل فيه أولاً متساوون، يستفيد من تأطير الشبكة العنكبوتية وإمكاناتها، ولذا كان من الصعب التعامل معه بمنطق الترغيب والترهيب بجانب المطالب الواقعية  المحددة القابلة للتنفيذ وليس الشعارات الكبرى والإيديولوجيات العابرة للواقع، مشددًا على أهمية السلمية والبعد تمامًا عن العنف اللفظي أو المادي، بالإضافة للتحرك الجامع الموحّد بعيدًا عمّا يفرق سياسيًا أو اقتصاديًا أو جغرافيًا أو طائفيًا، وهو ما أيده الإعلامي الأردني حسام غرايبة الذي أضاف أنّ “تصريحات الرزاز حول الحوار الجاد، ووعده بسحب قانون الضريبة بعد أداء القسم مؤشرات إيجابية جدًا، يبقى إعلان الفريق الوزاري، وبرنامج عمل الحكومة (الخطوط العامة)، فإن كانا مرضيين فإنه سيجد كل الدعم من الشباب.

 حصار “صندوق النقد”

أما المكسب الرابع بحسب مراقبين، فهو ما أكدته وكالة رويترز نقلًا عن مسؤولين أردنيين كشفوا عن أن الأردن سيطلب من صندوق النقد الدولي المزيد من الوقت لتنفيذ إصلاحات، بعدما أثارت بعض من أكبر الاحتجاجات في سنوات مخاطر بعدم استقرار على نطاق واسع في البلد المثقل بأعباء الديون، وأسقطت الحكومة، ودفعت لتجميد زيادات في الضرائب، وهي جزء رئيسي في خطط ضبط المالية العامة التي يدعمها صندوق النقد الدولي لتقليص الدين العام الكبير للأردن.

وبحسب مراقبين فمن غير المرجح أن تتخلى الحكومة عن برنامج الصندوق، لكن مسؤولين يعتقدون أن تسرعها في التنفيذ أطلق شرارة الاحتجاجات، حيث قال مسؤول على صلة ببرنامج صندوق النقد “لا يستطيع الأردن تحمل تبعة التخلي عن برنامج الصندوق، لكنه سيطلب تمديد أجله لعام أو عامين. إذا أظهرت التزامًا بالتنفيذ، فأعتقد أنَّ هذا ممكن”.

وقال مسؤول اقتصادي كبير ثانٍ طلب عدم الكشف عن هويته: “دفع الدول إلى مدى مبالغ فيه بصرف النظر عن البيئة السياسية ليس الشيء الصحيح. يجب على صندوق النقد الدولي أن يأخذ الآن في الاعتبار طاقة الأردن فيما يستطيع أن يفعله”.

ومن المتوقع أن يتصدى رئيس الوزراء الجديد المكلف عمر الرزاز، وهو خريج جامعة هافارد وخبير اقتصادي سابق بالبنك الدولي، لمعالجة عوامل اجتماعية وسياسية أكثر عمقًا أطلقت الاحتجاجات، فيما قال مسؤولون بحسب (رويترز): إن صندوق النقد الدولي لمَّح بالفعل إلى أنه قد يقبل نهجًا جديدًا لتخفيف الأعباء عن البلد المثقل بالديون، بما في ذلك تمديد البرنامج للسماح بمهلة أطول لتحقيق الإيرادات المستهدفة.

من جانبه رحَّب المتحدث باسم صندوق النقد الدولي جيري رايس، بدعوة الملك عبدالله الثاني لإجراء حوار وطني، لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن واعتبرها خطوة إيجابية على المسار الصحيح، قائلًا في بيان أصدره الخميس “نتابع عن كثب الأوضاع في الأردن وجهود الحكومة لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، وفي هذا الشأن، نرحِّب بدعوة الملك عبدالله الثاني لإجراء حوار وطني باعتبارها خطوة إيجابية على المسار الصحيح”.

آمال الربيع

ووفق مراقبين فقد جدّد حراك الدوار الرابع الآمال في ربيع عربي جديد وهو المكسب الخامس لأبناء الأردن،  في ظل الهجمة التي حاصرت الربيع الأول،  وبحسب الكاتب الأردني “حلمي الأسمر” فقد يكون إضراب الأردن مقدمة “ربيع عربي” قادم، مؤكدًا وجود حالة إجماع أردني غير مسبوق في قضية واحدة تمس الجميع بشكل يكاد يتلامس مع أجواء حراكات الربيع العربي التي بدأت تلوح مع تلك النشاطات المحمومة التي ألهب مشاعرها مشروع قانونٍ أقلّ ما يوصف به أنه مجنون ومتطرّف، يسلب ما بقي في جيوب الأردنيين من قروشٍ قليلة.

من جانبها توقعت صحيفة “تاجس انزيجر” الألمانية، في الأول من مايو الماضي أنه في الأيام المقبلة، قد تشهد المنطقة “ربيعًا عربيًا جديدًا”، حيث سيخرج الملايين من العرب إلى الشوارع، مطالبين بالتغيير، وفقًا لآراء بعض الخبراء، المهتمين بشئون الشرق الأوسط.

وأشارت الصحيفة إلى أنه حتى ما كان في عام 2001 أفضل، أصبح الآن أسوأ بكثير، بطالة الشباب، على سبيل المثال، تتزايد باطراد، في تونس، ارتفع معدل البطالة بين الشباب من 26 إلى 35% وفي مصر ارتفعت المعدلات من 30 إلى 33%، وقد أدَّت زيادة الفجوة بين الفقراء والأغنياء إلى تأزم الأوضاع، ونوَّه التقرير بأن فريقًا من الخبراء  توصلوا مؤخرًا إلى الاستنتاج بأنه “لا مفر” من مواجهة موجة ثانية من الإضرابات من قبل العرب، فحدوث ربيع العربي جديد فقط مسألة وقت.