لم يعد خافيا على أي متابع للشأن الخليجي أن العلاقات الإماراتية السعودية، التي اتسمت بالتماهي الكامل خلال السنوات الأخيرة منذ اشتعال ثورات الربيع العربي، دخلت حقبة جديدة تتسم بالتوتر مع حضور أمير قطر قمة العلا التي جرت مؤخرا بالرياض، وأسفرت ضمن نتائجها عن إعلان ما اعتُبر مصالحة سعودية قطرية، بدأت بعدها سلسلة قرارات وتصريحات من الطرفين بإعادة استئناف العلاقات.

الغضب الإماراتي لم ينعكس فقط في تصريحات “كتم الغيظ” التي تخرج بين الحين والآخر على لسان سياسييها، والتي تعبر عن قبولها “مضطرة” بالمصالحة مع قطر، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على أن لديها تحفظات لا تزال عالقة، وأنه ما حدث لا يمكن اعتباره “نهاية طريق” للأزمة.. هذا التوجه الإماراتي يأتي مخالفا تماما للتصريحات السعودية التي تؤكد بشكل واضح على انتهاء الأزمة كليا، وأن الرياض طوت بالكامل صفحة الخلاف مع الجارة القطرية.
قطر

وعلى مدار أسابيع، ظلت تلك الخلافات حبيسة أروقة السياسة، ولم يتسرب منها للإعلام إلا تحليلات وقراءات لسياسيين متابعين للشأن الخليجي.. لكن وخلال مطلع هذا الأسبوع، يبدو أن الإمارات فقدت أملها في تغيير الكفة، فاتخذت اتجاها أكثر حدة في هجومها على حليف الأمس.

“الأمير المنتشي”

البداية مع الكويت، حيث أطلقت الإمارات إحدى أذرعها الإعلامية، صحيفة العرب اللندنية، لتشن هجوما واضحا في دلالته على أمير الكويت نواف الأحمد، وذلك بنشرها مادة تشمت في الخلافات المحلية بالكويت، حملت عنوان: “أزمة داخلية تفاجئ أمير الكويت المنتشي بنجاح وساطته بين قطر والسعودية”.

العنوان الواضح في دلالته على أن الإمارات لا تعتبر نفسها جزءا مما جرى في قمة العلا، وأن ما حدث لا يعدو بالنسبة له كونه “بين قطر والسعودية”، كشف بوضوح عن عدم رضا الإمارات على التقارب الخليجي ونهاية الأزمة، التي تتغذي أبو ظبي على تأليبها.

وكالة الأنباء الرسمية الكويتية كونا، أكدت أن جريدة العرب الصادرة من لندن، “إماراتية”، وهو ما جاء مصداقا لما تضمنه تقرير عن استجواب رئيس مجلس الوزراء الكويتي صباح الخالد من قبل  3 أعضاء في البرلمان، واعتبر الكويتيون الخبر مسيئا ومقصودا بعد دور الكويت في المصالحة.

“فاشلة وعاجزة”

لم تمر أيام على الواقعة، حتى عادت ذاتُ الصحيفة وشنت هجوما لاذعا على السعودية واصفة إياها بالدولة الفاشلة والعاجزة عن امتلاك أي استراتيجية سياسية، وذلك لقبولها المصالحة مع قطر. وجاء ذلك في مقال افتتاحي بعنوان (لا المقاطعة استمرت ولا قطر انتصرت!) حمل توقيع كرم نعمة مدير تحرير الصحيفة.

وكشفت مصادر إعلامية في لندن أن مقال “نعمة” ما هو إلا تدشين لحملة إعلامية إماراتية تديرها المخابرات على المصالحة الخليجية ولا تستثني السعودية، حيث طلبت المخابرات الإماراتية بشكل عاجل من هيثم الزبيدي رئيس تحرير جريدة العرب كتابة مقال شديد اللهجة يهاجم السعودية، إلا أن الزبيدي فضل أن يكتب المقال كرم نعمة، الذي يعتمد عليه في إدارة الحملة التي تشنها الجريدة على قطر وسلطنة عمان.

“مشروع فاشل”

وقبل اندمال الهجوم الأول للصحيفة المدعومة إماراتيا على السعودية والكويت، عادت لتسخر من مشروع “ذا لاين” الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أيام، ونشرت الصحيفة تقريراً بعنوان ساخر “إنشاء المدن الذكية لا يعني أن المجتمعات ذكية”، في إشارة واضحة إلى السعودية، وأرفقت صورة للعاصمة الرياض مع التقرير.

ويلاحظ أن الصحيفة نشرت عدداً من المواد تستخف بما تحقق في العُلا وتشكك في نوايا قطر، وتراهن على فشل المصالحة، وتعتبر ما تحقق مصالحة “قطرية- سعودية”، ولا تشير لوجود أي التزام من الإمارات وعواصم الحصار الأخرى بما اتفق عليه.

جزاء سنمار

وكما هو متوقع، تفتقر الإمارات لشجاعة الدفاع عن أتباعها، إذ سرعان ما خرجت لتنكر صلتها بالصحيفة التي لطالما كانت أحد أبرز أبواقها الإعلامية، وكأن وكالة الأنباء الكويتية التي طلبت من الإمارات توضيحا حول الأخبار المنشورة بصحيفتها، أو الخارجية السعودية التي أدانت الإساءات الإماراتية رسميا، كلها مدعية وكاذبة.

مديرة الاتصالات الإستراتيجية في وزارة الخارجية الإماراتية هند مانع العتيبة  أكدت أن بلادها “تستمر بالتعامل الإيجابي سياسيا وإعلاميا بما يصب في مصلحة المنطقة”، متنكرة تماما لأي علاقة بين الإمارات وجريدة العرب اللندنية. وفي حسابها على تويتر، قالت العتيبة “تستمر دولة الإمارات بالتعامل الإيجابي إعلاميا وسياسيا، لعلمنا أنه في مصلحة المنطقة. ويستمر البعض في محاولاته أن يربط الإمارات بما لا صلة لها به”.

وعلق عدد من المغردين على بيانها متسائلين عمن تقصده بـ”البعض” الذين يحاولون ربط الإمارات بما لا صلة لها به، بحسب تصريحها.. إذ إن الربط بين الإمارات وصحيفة العرب اللندنية لم تخرج عن صحفيين أو مغردين، وإنما نشرت وزارة الخارجية الكويتية بيانا في 7 يناير الجاري بشأن ما اعتبرته “إساءة” من الصحيفة للكويت ورموزها، مشيرة إلى أنها تواصلت مع وزارة الخارجية الإماراتية وأبدت استياءها مما نشر في هذا الشأن.

وبشكل عام، لا يبدو الموقف الإماراتي من دعوات المصالحة مُستغربا، لا سيما وأن التقارب السعودي القطري، والسعودي التركي، يهدد بقاء الرياض حبيسة لأمر أبو ظبي، ويعيد عيال زايد إلى حجمهم الحقيقي، الذي لطالما حاولوا تضخيمه بالتحالف مع الدولة الخليجية الأوسع انتشارا على الخريطة، ولكن يبدو أن البساط بدأ ينسحب تدريجيا من تحت أقدام أبو ظبي.