اعتقل النظام المصري الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية على خلفية الحراك السياسي الرافض للأجواء المرافقة للانتخابات الرئاسية التي ستجري آذار/مارس المقبل، وكان قد صدر بيان بتوقيع بعض السياسيين منهم أبو الفتوح يدعو لمقاطعة الانتخابات الرئاسية “وعدم الاعتراف بما سينتج عنها”، ومثّل هذا المطلب تحديدا تصعيدا سياسيا حادا من المعارضة “داخل مصر” ولم يتبنّ هذا الإجراء من الأحزاب المصرية القانونية سوى حزب مصر القوية، الأمر الذي استدعى اعتقال محمد القصاص نائب رئيس الحزب للضغط عليهم، ويعد القصاص أحد أهم المنسقين السياسيين بمصر لما يحظى به من احترام بين الأطياف السياسية المصرية، وعقب الظهور الإعلامي لرئيس الحزب على شاشة قناة الجزيرة تم اعتقاله أثناء اجتماع المكتب السياسي للحزب.
أثار اعتقال أبو الفتوح تجدد الحديث عن مواقفه السياسية منذ اختلافه مع جماعة الإخوان المسلمين أثناء سنة حكم الرئيس الأسبق د. محمد مرسي، وأثارت كذلك بذاءات النفوس لدى الشامتين في اعتقاله من المعارضين للنظام الحالي، كما كشفت أن الخلاف مع الرجل أعمى الكثيرين عن رؤية مواقفه بشكل صحيح، فهو كغيره من السياسيين له أخطاؤه، وهناك فارق بين الخطأ في التقدير وبين السلوك العمدي، إلا أن تراكم الثقافات الحزبية الضيقة التي تعتبر كل نقد لها هجوما على الفكرة والمشروع، صنعت هذه الحالة الكارثية من العداء والغضب الذي يصل لاتهام الرجل بالعمالة لمخابرات دول أجنبية، أو أنه سيستنسخ تجربة ناصر مع الإخوان، إلا أن ما حدث كان قيام أحد مرؤوسيهم باستنساخها بصورة أقبح.
اقتربت كثيرا من الرجل عقب الانقلاب وفي صدري غصة من دعوته لتظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو 2013، وغصة أكبر من لقائه مع عدلي منصور، ولم يكن ذلك تأثرا بدعايا خصومه بقدر ما كنت أرى مواقفه وتقديراته أفضل من ذلك، ولا زلت مختلفا مع تقديراته في الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، في ظل عملية سياسية لا تزال في مهدها رغم وجود تحفظات كثيرة عليها، وفي ظل مجتمع سياسي تصوّر أن المطلب السياسي الرئيسي في حالة الاختلاف يكون بالعزل، وفي ظل قوى فعلية للدولة لم تنس صفعة إهانتها بمطلب الرحيل، واضطرارها لإعطاء التحية لمواطن مدني من الدرجة الثانية -كما يتصورون- فهذه ظروف لا تحتملها الدعوة، ومع ذلك يبقى الفرق بين سوء التقدير وبين السلوك العمدي.
أحد أسباب عدم زوال سوء الفهم للسلوك السياسي للدكتور عبد المنعم متعلق به بدرجة أساسية، إذ لا يقوم كثيرا بشرح ما حدث مكتفيا بكلام مبدئي مثل قوله “أنا أجلس مع أي طرف سوى العدو الصهيوني” أو قوله “أفعل ما أراه مصلحة للوطن ولا يعنيني سوء فهم تصرفي” وهذا صحيح نظريا، لكن التربص السياسي والتدليس الأخلاقي لا يحتملان خطابات مبدئية، وربما انتظر من الشهود على الوقائع أن يزيلوا اللبس، لكن التجمّع الذي حوله كان هاربا من مجتمع تبريري لكل السلوكيات والمواقف، ومختلفا مع قيادات هذا المجتمع، فحملوا حساسية كبيرة من فكرة التبرير، ولم يفرّقوا بين التبرير والتوضيح، فأسهموا بغير قصد في زيادة مساحة تشويهه.
قام أبو الفتوح بإيضاح موقفه من تظاهرات الثلاثين من حزيران/يونيو وما جرى في 3 تموز/يوليو عدة مرات وأيضا ملابسات لقائه بعدلي منصور، لكن الملفت أن هناك حتى الآن من يقول أنه مؤيد للانقلاب ولم يعترض عليه، ولا يتحدث عن المعتقلين السياسيين، فجرى له ما كان -وفقا لتصورهم- من باب العدل الإلهي وأن الانقلاب يأكل بعضه، وأصبحنا مضطرون لإعادة نشر مواقفه مرة أخرى في النقطتين اللتين أثارتا انفعالا شديدا ضده.
أجرى موقع “عربي21” بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر الماضي حوارا معه وجاء فيه:
* ذكرتَ في مقال لك أنك تواصلت مع جهات عدة عقب صدور بيان الـ48 ساعة من القيادة العامة للقوات المسلحة منها الرئاسة ووزارة الدفاع، فماذا كانت رسالتك وما رد الفعل؟
– تواصلتُ مع مسؤول كبير في وزارة الدفاع، وقلت له: “معنى صدور بيان بهذه الصيغة أنكم تنوون عمل انقلاب على المسار الديمقراطي”، فقال: “لا يمكن أن يحدث هذا”. وهذا كان خداعا بالطبع، فاتصلت بمرسي عبر رئيس مجلس الشورى لأطالبه بالخروج الفوري للدعوة لاستفتاء على الانتخابات المبكرة في سبتمبر التالي، لتفويت الفرصة على الإجراء المتوقع بعد انتهاء المدة. فدخل إليه د. أحمد فهمي واتصل بي بعدها وقال لي: “د. مرسي يقول لك اطمئن”.
* ذهابك للقاء عدلي منصور أعطى الانطباع بأنك مؤيد للإجراءات المعلنة في بيان 3 تموز/ يوليو ؟
– هذا تحامل من بعض الأطراف، فالعبرة بمحتوى المقابلة وما قلته فيها. ودائما أقول إنني لا أتردد في مقابلة أي طرف سواء اتفقت أو اختلفت معه، وكان ينبغي أن أُسأل عن سبب ذهابي.
فأولا، أنا ذهبت بناء على دعوة من المستشار عدلي منصور بنفسه، فسألته عن الحاضرين غيري، فقال لي: “البرادعي والكتاتني”، فاعتبرتها فرصة جيدة لمحاولة الوصول لحل. وفي المساء تغيّر اسم الكتاتني. وبعيدا عن التفاصيل، طُرح اسم آخر من الإخوان، ولما ذهبت في اليوم التالي فوجئت بالحضور.
ثانيا، عندما ذهبت قلت للمستشار منصور إن ما جرى ليست له مشروعية، وهذا مُسجل في محضر الاجتماع، وأن الطريقة الوحيدة للمشروعية إجراء استفتاء على المبادئ الستة، فإذا وافق الشارع كان الموقف مشروعا، وإذا لم يوافق يعود مرسي كما هو. وطرحي ليس موافقة على ما حدث، بل لأننا وصلنا لأمر واقع نحتاج للخروج منه قبل ترسّخه.
إذن تواصل أبو الفتوح مع الإخوان محاولا الوصول لحل، وطالب بعمل استفتاء ليكون أمرا وسطا بين مطلبهم كمعارضة وموقف الرئاسة الرافض، وليكون الاحتكام للشارع، واقترح أن يكون الاستفتاء بعد ثلاثة أشهر، الأمر الذي يعني وجود وقت كاف لكل الأطراف لتوضيح رؤيتها للشارع، وقد يأتي تصويته حينها دعما لاستمرار النظام، لكن الرئيس حينها شكره وطالبه بـ”الاطمئنان”.
أما موقف اجتماعه مع منصور، فقد نُقل له أن الحضور من الطرفين ولم يتم ذكر أسماء اخرى، فكانت محاولة مناسبة للنقاش بين الطرفين، لكن تغيّر الحضور دون إعلامه، وعندما ذهب قال كلامه المذكور بالحوار، وللمفارقة حاول القيادي بحركة تمرد حسن شاهين تشويهه بذكر ما جرى بالاجتماع، إلا إنه دعم الرواية المذكورة بأن زاد فيها: أنه طالب بالإفراج عن الشاطر وحازم أبو إسماعيل والرئيس المختطف حينها، فأي دعم للانقلاب هذا؟
مواقف أبو الفتوح لدعم المعتقلين أو استنكار المذابح بدءا من الحرس الجمهوري مرورا بالمنصة ورابعة وغيرهم، كلها موثّقة ويمكن لمن أراد تحريها أن يبحث عنها، ويكفيه أن النظام الحالي فهمه أكثر ممن عاشوا عمرهم معه، فلم يدعوه للحضور في بيان الانقلاب، بل إنهم كانوا يتخوفون منه، كما تساءل السيسي في تسريب سابق: “واحد زي عبد المنعم أبو الفتوح لو كان فاز في الانتخابات، كان هيعمل فينا إيه؟” فأجابه المحاور: “كان هيعلقنا زي الذبائح”، ولم يعقب السيسي على تعليقه في إشارة عدم اعتراض على كلامه.
أما خطاب العدل الإلهي واستحقاق العقوبة، فإنه يذكّر بأحد ضباط الأمن الوطني عندما كان يحقق مع معتقل من الإخوان، فقال له: “أنتم تقولون أن مرسي اختيار من عند الله، فلم لا تعترفون أن السيسي اختيار من عند الله أيضا؟”. وبالمثل إذا كانت تلك عقوبة إلهية للرجل، فهي عقوبة إلهية لعشرات الآلاف في السجون أيضا.
أما بالنسبة لأبي الفتوح، فما نعلمه عنه أنه أكثر صلابة من السيسي ونظامه، وأنه رجع إلى بلده لإيمانه بأنها مستقره ومستقر لكل مصري مهما تعاقبت عليها نظم الاستبداد والقمع، وأنه مؤمن بأن العيش داخلها في أحد سجونها خير له من العيش في أحد قصور لندن، فهو ممن لا يرتبطون به إلا إذا كان نظامها متوافقا مع أفكاره، كما نسمع في خطابات ذم المصريين من معظم النخبة السياسية هنا.
الآراء الواردة في التدوينة تعبر عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة“
تسلم لقد أصبت
رائع ياشريف
اسم على مسمى