لا يمر يوم مؤخرا إلا وتعالت الأصوات المنادية بالتطبيع والمهاجمة للقضية الفلسطينية من قبل مسئولين سعوديين، فيما يعتبره مراقبون تمهيداً من قبل المملكة لإعلان التطبيع الكامل والمعلن للعلاقات مع إسرائيل، علي غرار ما فعلته كلاً من الإمارات والبحرين بتوقيعها على اتفاقيات العار التطبيعية منتصف الشهر الماضي.

 

تصريحات تطبيعية

وفي تطور لافت، قال الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق في واشنطن خلال فيلم وثائقي عرضت قناة “العربية” الجزء الأول منه في 5 أكتوبر 2020 ، إن حديث القيادات الفلسطينية بعد اتفاق الإمارات والبحرين مع “إسرائيل” كان “مؤلماً ومتدنِّياً”.

وأشار إلى أنَّ “تجرُّؤ القيادات الفلسطينية على دول الخليج غير مقبول، ومرفوض”، مضيفاً: إن “القيادات الفلسطينية تستخدم مصطلحات التخوين بسهولة، وهذه سُنَّتهم في تعامُل بعضهم مع بعض”، على حد زعمه.

وتابع: “القضية الفلسطينية نعتبرها قضية وطنية وقضية عادلة، لكنَّ محاميها فاشلون”، مدَّعياً أن “القيادات الفلسطينية دائماً تراهن على الطرف الخاسر، وهذا له ثمن”.

واعتبر الأمير السعودي الذي شغل أيضاً منصب أمين مجلس الأمن الوطني السعودي السابق، أن القضية الفلسطينية “نهبتها إسرائيل والقيادات الفلسطينية”.

ووصف “بن سلطان ” حركة “حماس” بـ”الانفصاليين الذين يحكمون غزة”، معتبرا أنهم والسلطة أسباب تدمير القضية الفلسطينية، وليست الدول المطبعة.

وادّعى “بن سلطان” أن الفلسطينيين يعتبرون كلاً من “تركيا وإيران” أهم من دول الخليج ومصر، فيما وجه اتهامات إلى غزة بـ”تصدير الإرهاب والقتل لمصر، التي تسعى ليل نهار لحل القضية، ورفع الحصار عن القطاع”.

من جهته، رحب وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بتصريحات الأمير السعودي، معتبراً إياها بأنها تمثل “سرداً صادقاً لالتزام السعودية الشقيقة ودول الخليج العربي تجاه القضية الفلسطينية”.

ووصف السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، والمبعوث الأمريكي السابق للسلام في الشرق الأوسط، مارتن إنديك، هجوم الأمير بندر على القيادة الفلسطينية بأنه يبدو أحد جهود ابن سلمان لتمهيد الطريق للتطبيع مع إسرائيل.

واستدرك إنديك بأن ابن سلطان أضاع الحبكة في الجزء الثاني من مقابلته على قناة العربية، وربما يكون الجزء الثالث أكثر تماسكا.

ولم تكن تصريحات الأمير بندر هي الأولى، فقد سبقه الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الذي قال إن “المنظمات الفلسطينية “هي أكبر المروجين لفكرة التطبيع بين الاحتلال والمملكة العربية السعودية”، على حد تعبيره.

كما برر، في مقال له، اتفاق التطبيع الذي أعلنته الإمارات مع “إسرائيل”، قائلاً إن أي دولة عربية يناهزها اللحاق بدولة الإمارات “فيجب أن تأخذ الثمن في المقابل، ولا بد أن يكون ثمناً غالياً”.

وأشار الأمير السعودي إلى أن الإمارات “فاجأتنا” بعقد اتفاق السلام مع “إسرائيل”، لكنه قال إنه يتفهم قرار الإمارات، مشيراً إلى أنها “فرضت شرطاً مهماً وهو تعليق خطط إسرائيل ضم المستوطنات”

 

تمهيد للتطبيع

ويري مراقبون أن تصريحات المسئولين السعوديين ومن بينهم الأمير السعودي، بندر بن سلطان، حول القضية الفلسطينية، والهجوم الشرس عليها، هو تمهيد واضح لتطبيع سعودي، على لسان غير حكومي، لكنه ليس بمعزل عن رأي القيادة الحالية للمملكة، كما نقلت صحف غربية.

وعلقت صحيفة “فاينانشال تايمز” على تصريحات الأمير السعودي بندر بن سلطان، عن القيادة الفلسطينية، بأنها (التصريحات) لم تكن لتخرج دون موافقة من الديوان الملكي، وتشي بتشدد في موقف الرياض من القيادة الفلسطينية.

ولفتت الصحيفة إلى أنها تشير إلى تكهنات حول إذا ما كانت المملكة تفكر في الاعتراف بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها.

ونقلت عن الباحث مايكل ستفيز، بأن السعودية تتبع سياسة تمهيد الطريق أمام التطبيع بانتقاد القيادة الفلسطينية، مؤكدا على أن الأمير بندر انخرط لسنوات في القضية الفلسطينية، وكلامه جدي.

ولفت ستفيز إلى أن القيادة في السعودية أيضا في مأمن من تصريحاته إذا ما كانت الردود عليها سلبية، فهو ليس في قيادة البلاد حاليا، ويمكن إلقاء اللوم على شخصه، وليس على المملكة.

أما صحيفة نيويورك تايمز، فقالت إن مقابلة الأمير على قناة العربية هي وسيلة للمملكة لتغيير روايتها عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دون الحاجة إلى وضعها في أفواه أي مسؤول حالي.

وتابعت بأن الأمير بندر لا يشغل منصبا حكوميا حاليا، لكنه شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن من عام 1983 إلى 2005، وأصبح قريبًا جدًا من عائلة بوش لدرجة أنه كان يطلق عليه مازحا “بندر بوش”.

ونقلت الصحيفة عن مراقبين قولهم بأن ابن سلطان لم يكن ليتاح له كل هذا الوقت على قناة العربية لولا أن رسالته تتماشى مع رغبات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.

وكان “جاريد كوشنر” مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد صرح  في وقت سابق أن تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية قادم، وأنه “أمر حتمي”.

وتابع: “أعتقد أنه من المحتم أن يكون للسعودية وإسرائيل علاقات طبيعية تماماً، وأنهما ستكونان قادرتين على تحقيق الكثير من الأعمال العظيمة معاً”.

وأردف كوشنر: “من الواضح أن السعودية كانت رائدة في صنع التجديد، ولكن لا يمكنك قلب بارجة بين عشية وضحاها”.

رد فلسطيني

وفي أول رد فلسطيني على تصريحات الأمير السعودي، قال القيادي فيها سامي أبو زهري، إن تصريحات بندر بن سلطان “لا تخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي”، واصفاً إياها بـ”المؤسفة”.

جاء ذلك في تصريح مقتضب لـ “أبو زهري”، عبر حسابه في موقع التغريدات القصيرة “تويتر”.

من جانبه، تعهد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، بالرد على تصريح الأمير السعودي بشكل “علمي، ووثائقي، وموضوعي”.

وأعاد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات عبر حسابه في “تويتر” ، نشر الجزء الأول من الحوار الذي أجراه السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن بندر سلطان بن عبد العزيز آل سعود ، وكال فيه الشتائم للقيادات الفلسطينية.

وضمن عريقات في تغريدته، مقطع الفيديو، حيث استهجن العديد من متابعي حساب عريقات عبر تويتر، إعادته لنشر المقابلة.

وقال في تغريدة أخرى: “للذين يتساءلون لماذا اقوم باعادة توزيع مقابلة الامير بندر، وما هو الرد؟ أجيب من حق من لم يشاهد أن يشاهد، وعندما تستكمل قناة العربية بث حلقاتها الثلاث. سيكون هناك رد علمي وثائقي موضوعي، دون شيطنة أحد، أو استخدام أي من مصطلحات الشتم. من يعرض الحقيقة الموثقة، لا يحتاج للشتم”.

ونشر “عريقات” تغريدة أخري علي حسابه في تويتر قال فيها ، إن بإمكان من يريد التمهيد للتطبيع مع إسرائيل، أن يفعل ذلك، دون الإساءة للشعب الفلسطيني.

وأضاف “من يريد من العرب تقديم أوراق اعتماد لواشنطن أو غيرها، أو يريد أن يمهد للتطبيع مع إسرائيل، يمكنه فعل ذلك دون التشهير بالشعب الفلسطيني ونضاله الأسطوري”، وأضاف “باستطاعة أي دولة أن تقول: مصالحي تتطلب التطبيع مع إسرائيل”.