العدسة – معتز أشرف
ورطة كبيرة وقع فيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن، بعد تصريحات له عن السامية أثارت غضب الكيان الصهيوني وحلفاءه، ما دفع أبو مازن إلى الاعتذار السريع الودي، ولكن أصدقاءه في تل أبيب “تل الربيع” رفضوا اعتذاره وباعه أقرب المقربين، ليتصاعد مسلسل الابتزاز الذي يقرأه مراقبون كثيريون في إطار تمرير عباس لصفقة القرن بإرداته أو مرغمًا، وهو ما نسلط عليه الضوء.
ناكر بائس
بهذا الوصف سارع وزير “العدوان الصهيوني” أفيجدور ليبرمان برفض اعتذار عباس، وكتب على تويتر ”أبو مازن ناكر بائس للمحرقة أعدّ رسالة دكتوراه عن إنكار المحرقة ونشر لاحقًا كتابًا عن إنكار المحرقة. هذه الطريقة التي يجب معاملته بها، اعتذاراته غير مقبولة“ بعد أن اتهم الأربعاء رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عباس بمعاداة السامية وإنكار المحرقة، وقال نتنياهو على تويتر: “يبدو أن من أنكر المحرقة النازية مرة سينكرها دومًا”، داعيًا “المجتمع الدولي لإدانة معاداة السامية الجسيمة من جانب أبو مازن”.
كما ندّد الحاخامان مارفين هير وأبراهام كوبر من مركز سايمون فيزنتال المعني بحقوق اليهود ومقره الولايات المتحدة بالتصريحات وقالا: ”إن كلمة عباس في رام الله نموذج لفكر شخص معادٍ للسامية“، وفي القدس وصف مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف تصريحات عباس بأنها ”مزعجة جدًا“، فيما طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة إدانة تصريحات عباس بوصفها ”غير مقبولة ومزعجة بشدة“، و“لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني أو تخدم السلام في الشرق الأوسط“. ويتعين صدور مثل هذه البيانات بموافقة جميع الأعضاء، فيما وصف الاتحاد الأوروبى، تصريحات “عباس” عن المحرقة النازية بأنها “غير مقبولة” وتضر بحل الدولتين، مشددًا على ضرورة مواجهة «أي محاولة تهدف إلى تغطية أو تبرير أو التقليل من أهمية المحرقة».
واعتبر المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، أنه «لا يمكن بناء السلام على هذا النوع من الأسس»، واصفًا تعليقات «عباس» بأنها «مؤسفة للغاية ومثيرة للقلق للغاية» داعيًا إلى التنديد بها بشكل «غير مشروط من قبل الجميع»، كما كتب السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، وهو يهودي، على حسابه على «تويتر» أن «أبومازن وصل إلى مستوى متدنٍ جديد فهو يعزو قضية مذابح اليهود التي حدثت على مر السنين إلى سلوكهم الاجتماعي المتعلق بالفوائد والبنوك»، وأضاف «لأولئك الذين يعتقدون أن إسرائيل هي السبب بعدم تحقيق السلام، فكروا مرة أخرى»، كما اعتبر منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، في بيان أن تصريحات أبومازن عن اليهود «غير مقبولة ومقلقة للغاية».
لعنة المجلس!
ويبدو أن لعنة انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني دون توافق فلسطيني لاحقت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم يشفع له تنفيذ الأجندة الصهيونية الأمريكية بحسب مراقبين؛ حيث ألقى كلمة في المجلس قال فيها: “المسألة اليهودية التي كانت منتشرة في أوروبا ضد اليهود ليست بسبب دينهم بل بسبب الربا والبنوك، والدليل على ذلك كان هناك يهود في الدول العربية، أتحدى أن تكون حدثت قضية ضد اليهود في الوطن العربي منذ 1400 سنة لأنهم يهود”، فيما أشار الرئيس الفلسطيني إلى 3 كتب لمؤلفين مختلفين تتحدث حول أن الكراهية لليهود ليست بسبب دينهم، وإنما بسبب وظيفتهم الاجتماعية؛ إذا المسألة اليهودية التي كانت منتشرة في أوروبا ضد اليهود ليست بسبب دينهم، بل بسبب الربا والبنوك.
ولم يهنأ أبو مازن كثيرًا؛ حيث اضطر إلى الاعتذار سريعًا الجمعة على خلاف معاملته مع فصائل المقاومة بعد اتهامه بمعاداة السامية، وأدان عباس في بيان أصدره مكتبه في رام الله معاداة السامية، وقال: إنّ المحرقة ”أشنع جريمة في التاريخ، وإذا شعر الناس بالإهانة من خطابي أمام المجلس الوطني الفلسطيني، وخاصة من أتباع الديانة اليهودية، فأنا أعتذر لهم. وأود أن أؤكد للجميع أنه لم يكن في نيتي القيام بذلك، وأنني أؤكد مجددًا على احترامي الكامل للدين اليهودي، وكذلك غيره من الأديان السماوية، وكذلك فإننا ندين معاداة السامية بجميع أشكالها، ونؤكد التزامنا بحل الدولتين، والعيش جنبًا إلى جنب في سلام وأمن”، في مخالفة لما جاء في الدكتوارة التي حصل عليها عباس في التاريخ عام 1982 من معهد الاستشراق في موسكو في عهد الاتحاد السوفيتي آنذاك، والتي أثارت أطروحته فيها التي كانت تحت عنوان (العلاقات السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية) انتقادات واسعة النطاق من جماعات يهودية اتهمته بإنكار المحرقة.
ولم يكسب أبو مازن كثيرًا من انعقاد المجلس، فداخليًا، رفض كبار المشهد الفلسطيني مخرجات المؤتمر وقال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم، في عدة تغريدات له: إنّ “مخرجات مجلس الانفصال الذي عقده عباس لا نعترف بها ولا تمثل شعبنا وافتقرت للبعد القانوني وغابت عنها أدنى معاني الديمقراطية”، وأضاف برهوم: “سنسعى بكل قوة مع القوى والفصائل– وهي أكثر عددًا وحضورًا ممن شاركوا في هذه المسرحية- لحماية المشروع الوطني من عبثهم”، فيما اتهم برهوم الرئيس عباس بـ”إفشال جهود تحقيق الوحدة الفلسطينية”. وقال: إنه “شكّل لجنة تنفيذية على هواه جاهزة لتمرير أي مشاريع تصفوية، بما في ذلك صفقة القرن، والتي بدأها بحصار غزة ومحاربة المقاومة واستمرار التنسيق الأمني”، وخارجيًا غطت تصريحات الغرب والكيان الصهيوني ضد أبو مازن علي مخرجات المجلس!
“أسد” على غزة!
“أسد علي غزة وفي الحروب نعامة “هكذا قال البعض، ففي الوقت الذي سارع فيه أبو مازن إلى الاعتذار إلى الكيان الصهيوني وحلفائه بالتزامن مع خطاب دبلوماسي ودي للغاية، تشهد غزة لغة متشددة وإجراءات عقابية منه منذ أبريل 2017، بعد أن هدد في 19 مارس الماضي باتخاذ مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية العقابية ضد قطاع غزة، دون أن يعلن عن طبيعتها، وسبق لعباس أن اتخذ إجراءات في أبريل من العام الماضي بهدف إجبار حماس على تسليم إدارة قطاع غزة بالكامل لحكومة التوافق، شملت تقليص الرواتب بنحو الثلث، ووقف إمدادات الكهرباء عن القطاع، وامتنعت السلطة الفلسطينية منذ مطلع أبريل الماضي عن صرف رواتب لموظفيها في القطاع، كما لوّح عباس مؤخرًا بأن السلطة ستوقف كافة مسئولياتها في غزة حال لم تستجب حماس التي تسيطر على القطاع منذ منتصف عام 2007 لمطالبه بتسليم إدارة القطاع بالكامل.
وتساءل المركز الفلسطيني للإعلام في مقال نشره للكاتب الفلسطيني نضال وتد عن موعد اعتذار أبو مازن للشعب الفلسطيني، وقال الكاتب في مقاله: “الاعتذار المطلوب من عباس ليس فقط لموظفي غزة وأسراها، ولا هو محصور بناشطي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية الذين يواصل جيش الاحتلال اعتقالهم، بل هو اعتذار شامل للشعب الفلسطيني كله عن الوضع الذي آلت إليه حالة الشعب الفلسطيني في يومنا هذا، و هو اعتذار له صورة واحدة لا غير: أن يقدّم عباس استقالته، ويعلن حل سلطة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن يبحث عن طريق العودة، عودته وسلطته لأحضان الشعب الفلسطيني.
ويبلغ عدد موظفي القطاع نهاية العام الماضي نحو 58 ألف موظف (مدني وعسكري) حسب موقع ديوان الموظفين العام الفلسطيني، وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) فإن أكثر من نصف سكان غزة خلال العام الماضي عانوا من الفقر حيث بلغت النسبة 53%. بينما قالت الأمم المتحدة العام الماضي: إن 80% من سكان غزة يتلقون مساعدات إنسانية عاجلة، في إشارة لسوء الأوضاع الإنسانية، وهو الأمر الذي نددت به حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مؤكدة أن استمرار إجراءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانتقامية ضد أهلنا في غزة وقطع رواتب موظفي السلطة مؤخرًا عمل مجرد من كل القيم والمبادئ الأخلاقية والوطنية والإنسانية.
ضغوط الزلة!
الهجوم الصهيوني والغربي المتوازي مع أبو مازن، يمكن قراءته في سياق الضغوط التي تمارس عليه لإجباره علي القبول بصفقة القرن، وهو ما لمح له أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات؛ حيث وصف ما حدث من هجوم بعد تصريحات أبو مازن بأنه “هجمة منسقة تقوم بها إسرائيل في العالم” معتبرًا أنها محاولة لاتهام الرئيس محمود عباس بمعاداة السامية ورفض المفاوضات واتهامه بالإرهاب من خلال تحريف أقواله أثناء افتتاح المجلس الوطني الفلسطيني “.
وأكدت تقارير دولية وعربية متواترة خلال الفترة الماضية وجود ضغوط شديدة من السعودية ومصر على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن للقبول بـ «صفقة السلام» التي تعرضها الولايات المتحدة الأمريكية، والمعروفة بـ «صفقة القرن»، ونقلت عن مصادر متعددة أنّ الضغط السعودي- المصري على القيادة الفلسطينية يشدّد على أنه «على عباس عدم التحدي ومواصلة التمسك بمواقفه المتصلبة أمام الولايات المتحدة وإسرائيل»، معتبرين أنّ هذه «أفضل فرصة لتحقيق صفقة سلام الآن، وإلا فسيندم على ذلك مستقبلاً” !!.
اضف تعليقا