رغم أنه يدر أموالا طائلة على التجار، إلا أن القات أصبح آفة قاتلة بالنسبة للصوماليين، مع استمرار ازدياد أعداد متعاطيه بشكل كبير، بسبب غياب دور المؤسسات الرقابية، الأمر الذي جعل البلاد في مقدمة مستهلكي القات في العالم.

صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، سلطت الضوء في تقرير لها، على ظاهرة انتشار القات في الصومال، وآثار هذه الآفة التي طالت كل جوانب الحياة وتركت آثارا سيئة على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والنفسية، في بلد استنزفته الحروب على مدار سنوات.

وقالت الصحيفة في منطقة القرن الإفريقي، يتم استهلاك هذه الأوراق الخضراء، التي تشعر متعاطيها بالبهجة يوميًّا، ورغم أنها تدر أرباحا مثمرة على المتاجرين به فأثارها مدمرة للمتعاطين.

وأوضحت أن القات المستهلك في الصومال ينمو بمنطقة موا، على سفوح جبل كينيا، حيث يجلب المزارعون كل يوم محاصيلهم لبيعها في سوق أثيرو جايتي، حيث يقوم التجار بتحديد السعر وفقا لنوعيته ونضارته، ومنه إلى مطار مقديشو الدولي.

وأشارت إلى أنه مع اقتراب الصباح من نهايته والشمس أصبحت حارقة بالفعل، تصبح الحركة بطيئة في مقديشو، المشاة يبحثون عن ظلال الجدران البيضاء، الحرفيون مستلقون على ألواح خشبية تشبه المقاعد الكبيرة، والحيوانات – الكلاب والأغنام والحمير – تقف متكاسلة بعيدا تحت أشجار السنط الضعيفة.
في سوق بيرتا، الواقع على حافة وسط المدينة، يخفي هذا الخمول نفاذ الصبر، أغطية من الحديد المموج الموضوعة على أعمدة من الخشب، وأكشاك لا تزال فارغة، المنظر يبدو كأرض شاسعة عليها بعض التجار الخمولين، لكن الجميع ينتظرون شيئا واحدا “وصول القات”، تقول “لوفيجارو”.

ولفتت إلى أن القات يصل إلى السوق في سيارات شحن تمر واحدة تلو الأخرى ببوابة سوق الجملة هذه، يحرسها رجال مدججون بالأسلحة كاحتياطي الذهب، وما إن تقف الشاحنات على الفور يبدأ النزاع من قبل الحمالين فيما بينهم، ورغم أن اسم بائعي الجملة مكتوب على كل جِوَال، لكن الشخص الذي يحمله إلى الكشك له الحق في مكافأة لا تقدر بثمن “حفنة من القات”.

وتضيف: هذه الجِوَالات تقسم إلى باقات صغيرة من أجل بائعي الشوارع – في مقديشو، يتكفل النساء ببيع القات –  وأمام بوابة بيرتا تنتظر عشرات العربات، في انتظار هؤلاء النساء اللاتي حصلن على مشترياتهن من القات، وفي كل يوم يتكرر نفس السيناريو غير القابل للتغيير.

وأكدت الصحيفة أن الوضع في مقديشو لا يختلف عن بوساسو أو كيسمايو، مرورًا ببرديرا وبيدوا، فمن الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، ينهار الصومال تحت القات، بعد ظهر كل يوم، وكما هو الحال في جيبوتي أو اليمن، على الجانب الآخر من البحر الأحمر، هذه الآفة هي “الطاعون” الوطني الذي يدمر المجتمع؛ الإدمان والعنف، وانخفاض الشهية، والنعاس.

وتقول: إن ترطيب الفم بهذه النبتة له آثار كارثية، حيث إن تعاطيه يزرع لدى مستهلكيه الشعور بالكسل والخوف، والأفعال العنيفة، والأفكار الانتحارية، بالإضافة إلى الاضطرابات الجنسية.

وبعيدًا عن الأفعال العدوانية التي يسببها، فإدمان القات يؤثر بشدة على الاقتصاد والعمل، فتجار التجزئة، في شوارع مقديشو، يبيعون لفة القات بـ 10 دولارات يحتاج مستهلكوها إليها كل يوم، أي أنه يجب على المدمن أن ينفق 300 دولار شهريا، في حين أن متوسط ​​المرتب الصافي للصومالي يبلغ حوالي 250 دولارا.

والنتيجة واضحة، تقول “لوفيجارو”، الذين يستطيعون شراءه ينفقون مبلغا كبيرا من دخلهم على هذه الآفة، بينما يلجأ الفقراء إلى وسائل غير مشروعة لجمع الأموال.

ومع ازدياد ثراء التجار والناقلين، يغرق السكان في الإدمان والفقر، داخل بلد تمزقه، أكثر من ربع قرن، الحرب الأهلية، حيث كل شيء يحتاج لإعادة بناء، ثلاثة من كل أربعة رجال، يدمنون هذه المادة، يفقدون وقتهم، وصحتهم، وأحيانا حياتهم في الانتظار والمضغ لساعات، هذه الأوراق الخضراء.