العدسة – بسام الشجاعي
على مدار الثلاثة أشهر الماضية وحتى الآن يعاني مرضى الحمى الروماتيزمية في مصر (لا يوجد إحصاء دقيق لهم، غير أن وزارة الصحة، تقول إنها تستهلك نحو 500 ألف “فايل” شهريًا، و6 ملايين “فايل” سنويًا)، من نقص حقن البنسلين طويل المفعول في السوق المحلية.
نقص حقن البنسلين طويل المفعول في السوق المحلية، أدى إلى انتعاش السوق البديلة “السوداء”؛ حيث يباع “الفايل” المسعر جبريا بـ9 جنيهات، بأكثر من 100 جنيه، ونوع آخر يصل سعره إلى 130 جنيها، وذلك وفق، الدكتور “محمود فؤاد”، مدير المركز المصري للحق في الدواء.
ويشار إلي أن الطلب على “البنسلين”، يزداد مع دخول فصل الشتاء، بسبب قدوم مجموعة من الميكروبات المعروفة من بينها “البكتيريا العنقودية” التي تسبب التهابات الحلق مما ينتج عنه الإصابة بالحمى الروماتيزمية.
وفي وقت سابق كانت شركات مصرية تغطي احتياجات السوق المحلية، إنتاجا واستيرادا، إذ كانت شركة المهن الطبية تنتج حوالي 200 ألف حقنة سنويًا، بالإضافة إلى 300 ألف حقنة أخرى من إنتاج شركه النيل للأدوية، و600 ألف حقنة يتم توريدها لمستشفيات الدولة وفقًا لمناقصة وزارة الصحة، وتقوم الشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية “أكديما” (حكومية) باستيراد الجزء الأكبر من الصين بنحو 12 مليون حقنة سنويًا، مما يزيد عن حجم المطلوب.
الغريب في الأمر (بحسب خبراء) هو اعتراف وزارة الصحة بحكومة المهندس “شريف إسماعيل”، بأن السبب وراء الأزمة “شركة حكومية”، وأمور متعلقة بالفساد الإداري.
وتبلغ قيمة فاتورة الفساد في مصر600 مليار جنيه سنويا، وقفا للأرقام المعلنة من قِبل المستشار “هشام جنينة”، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي أقاله “عبد الفتاح السيسي”، في مارس 2016، بعد كشفه عن هذه الأرقام.
فمن جانبه، كان كشف الدكتور “خالد مجاهد”، المتحدث باسم وزارة الصحة، أن السبب الرئيسي وراء أزمة نقص “البنسلين” في الأسواق المصرية، هو أن أحد رؤساء مجلس إدارة شركة قطاع الأعمال التابعة للدولة “أكديما إنترناشيونال” (تمتلك حق استيراد 90% من “البنسلين”)، قام بتحويل نشاط الاستيراد من الشركة التابعة له إلى شركة خاصة به من الباطن تسمى “تكنو فارم”.
وتابع، قائلًا -خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “العاشرة مساءً”، المذاع على قناة “دريم” الفضائية، أمس “الأحد”-: “هذا الشخص تعاقد على استيراد 900 ألف أمبول بنسلين واحنا مش لاقين أمبول واحد، ولم يسدد قيمة التعاقد للمستورد الصيني، ومنع المستورد وهدده أنه ميدخلش البنسلين مصر وإلا سيقاضيه”.
وألمح “مجاهد” أنه تم القبض عليه، ويتم التحقيق معه في النيابة العامة، دون أن يحدد القرار الذي اتخذته جهات التحقق معه، أو الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة ضده.
وعلى الرغم من الفساد الذي وراء أزمة نقص “البنسلين” في مصر، إلا أن الدكتور “أحمد عماد الدين راضي”، وزير الصحة والسكان في حكومة “شريف إسماعيل”، كان قد أكد -في بيان رسمي صادر عن الوزارة في 7 ديسمبر الجاري- انتهاء أزمة نقص البنسلين، وذلك بعد ضخ 100 ألف حقنة في السوق المحلية من تاريخه، وبدء ضخ كميات جديدة في الأسواق خلال الأيام القليلة المقبلة. (دون أن يحدد حجمها أو الجدول الزمني لها).
ومع مرور ما يزيد عن أربعة أيام من تصريح وزير الصحة، لا تزال أزمة نقص البنسلين قائمة في الأسواق المحلية؛ حيث تجد مئات المواطنين مصطفون على شباك صيدلية الإسعاف (بوسط مدينة القاهرة)، في طابور غير مستقر، يتخلله من الجوانب بعض الأشخاص أملًا في إيجاد مكان فارغ للاستقرار فيه، للحصول على عقار البنسلين، منذ الثامنة صباحًا، وحتى الثالثة عصرًا.
المشهد السابق، يعيد للأذهان أزمة حليب الأطفال في سبتمبر 2016، والتي استمرت لأكثر من شهر، ليعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة (السابق) ” العميد محمد سمير” ، التعاقد على شراء نحو ثلاثة ملايين عُلبة حليب أطفال، مرجعا ذلك إلى رغبة الجيش في حل الأزمة.
ونشر المتحدث باسم القوات المسلحة، بيانا جاء فيه أن الشركات المختصة باستيراد عبوات لبن الأطفال، تقوم باحتكارها لـ”المغالاة في سعرها ما تسبب في زيادة المعاناة على المواطن البسيط”، متحدثًا عن أن دور القوات المسلحة هو التعاقد لإبقاء سعر العبوات بـ30 جنيها بدل 60 جنيها.
وفي هذا الصدد، ربط مراقبون بين أزمة نقص حليب الأطفال، واختفاء “البنسلين” من السوق المحلية؛ حيث أكدوا أنها ستكون بمثابة “بوابة جديدة” للقوات المسلحة للدخول إلى سوق الأدوية كما حدث العام الماضي.
ويشار إلي أن قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”، يلجأ بشكل متزايد منذ الإطاحة بالرئيس “محمد مرسي”، في الثالث من يوليو 2013، إلى القوات المسلحة، للمساعدة في حل أزمات البلاد الاقتصادية، ما أدى إلى اتساع نشاط الجيش الاقتصادي.
وعرف عن القوات المسلحة على مدار السنوات الأربع الماضية، بحضورها “القوي”، في الحياة الاقتصادية للبلاد؛ حيث يلمس تواجدها في عدة قطاعات مرتبطة بالبنى التحتية وصناعة الأدوية والأغذية.
ويبلغ حجم النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة في مصر ما بين 40 إلى 50 %؛ غير أن “السيسي”، قال في حديثه خلال مؤتمر الشباب الذي عقد في أكتوبر 2016، إن الأنشطة الاقتصادية للجيش تعادل ما بين 1 إلى 1.5% من الناتج المحلي اﻹجمالي (يبلغ30 مليار جنيه وفقا للموازنة العامة للدولة في 2015-2016)، والذي كان أول بيان رسمي يشير إلى نسبة اﻷنشطة الاقتصادية التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية.
وتجدر الإشارة إلي أن الحمى الروماتيزمية، أحد الأمراض الخطيرة التي تداهم الطفل في مرحلة متقدمة من عمره تمتد حتى الخامسة عشرة.
ومن تداعيات هذا المرض أنه يصل لصمامات القلب فتصيبها بتشوهات ينجم عنها هبوط في عضلة القلب مصحوب بأعراض قاسية تصيب كل أعضاء الجسم، منها صعوبات التنفس والسعال المزمن وتراكم السوائل في الرئتين الأمر الذي ينتهي إلى نوبات من المعاناة قد تنهي حياة الطفل.
ويستخدم عقار “البنسلين”، كل 3 أسابيع باستمرار؛ حيث يعد أمرًا ملزمًا للطفل حتى سن الخامسة والعشرين، وهو السن الذي تنحسر عنده احتمالات الإصابة بالحمى الروماتيزمية، بينما يفضل البعض أن يستمر تناولها مدى الحياة.
اضف تعليقا