تزداد المخاوف من عودة ليبيا إلى حالة من الفوضى وسط أزمة سياسية ومالية تعصف بالمصرف المركزي الليبي، ما يعكس الصراع على السيطرة بين الفصائل المتناحرة في البلاد. 

ففي ظل غموض يحيط بمصير المصرف المركزي، الذي يعد العصب الاقتصادي للدولة الغنية بالنفط، يواجه الليبيون تداعيات خطيرة على حياتهم اليومية ومستقبل البلاد السياسي.

تأتي الأزمة الحالية على خلفية الصراع على المصرف المركزي بين فصيلين رئيسيين؛ حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والقوات الموالية لخليفة حفتر في الشرق الليبي.

أدى هذا الصراع إلى شل الاقتصاد الليبي، حيث شهدت صادرات النفط تراجعًا حادًا، وتفاقمت الأزمات في محطات الوقود والبنوك وشبكة الكهرباء.

بحسب الصحفي إيشان ثارور، اندلعت هذه الأزمة في أغسطس مع اختطاف مسؤولين في البنك المركزي وفرار محافظه، صادق الكبير، إلى تركيا. الكبير صرح من إسطنبول بأن ليبيا أصبحت معزولة عن النظام المالي الدولي، بعد أن أوقفت أكثر من 30 مؤسسة مصرفية دولية تعاملاتها مع البلاد. هذا الانقطاع الدولي يفاقم الوضع الاقتصادي، ويضع ضغوطًا على الطرفين المتصارعين للسيطرة على موارد النفط الليبية.

في قلب الأزمة يكمن الصراع بين عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر على التحكم في مؤسسات الدولة الرئيسية، وعلى رأسها المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. الدبيبة وحفتر، بحسب ثارور، يواصلان صراعهما على العائدات النفطية من خلال شبكات تهريب وتجارة غير مشروعة، مستغلين الانقسامات السياسية والعسكرية في البلاد.

حفتر، الذي يتمتع بدعم دول مثل روسيا والإمارات، يحاول استخدام سلطته المالية والعسكرية لتعزيز موقفه في مواجهة حكومة طرابلس المدعومة من تركيا. فشل هجوم حفتر على طرابلس عام 2020 بفضل الدعم التركي، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار التوترات بين الجانبين، حيث باتت السيطرة على المصرف المركزي أداة رئيسية في هذا الصراع على النفوذ.

تشكل هذه الأزمة تحديًا كبيرًا لاستقرار ليبيا الذي ما زال هشًا بعد سنوات من الحرب الأهلية التي قسمت البلاد. الأمم المتحدة تسعى جاهدة للتوصل إلى حلول سياسية، لكن تعقيدات الصراع وتداخل القوى الإقليمية يجعل الحلول بعيدة المنال. فبينما تدعم تركيا الحكومة في طرابلس، تحظى قوات حفتر بدعم مصر والإمارات، مما يفاقم من التوترات الإقليمية ويزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية.

أزمة المصرف المركزي هي فقط واحدة من أزمات عديدة تواجه ليبيا منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في عام 2011، حيث تعاني البلاد من حالة من الانقسام بين حكومتين متنافستين ومجموعة من الميليشيات المسلحة التي تسيطر على أجزاء مختلفة من البلاد.

مع تزايد التوترات، تلوح في الأفق بوادر تعمق الصراع الليبي، خاصة مع التدخلات الإقليمية والدولية. مصر والإمارات تدعمان حفتر لأسباب أيديولوجية، في حين ترى تركيا أن نفوذ حفتر يمثل تهديدًا لمصالحها الإقليمية. وفي الوقت نفسه، تسعى روسيا للاستفادة من سيطرة حفتر على حقول النفط الليبية في إطار منافستها مع الغرب.

الأزمة المالية قد تكون بداية لتوترات سياسية وعسكرية جديدة. وتبرز هنا احتمالية تصعيد عسكري آخر في طرابلس، مع تصريحات حفتر ونجله صدام حول نية استعادة العاصمة. 

من جانب آخر، يحذر الخبراء من أن إهمال المجتمع الدولي للوضع في ليبيا قد يؤدي إلى ظهور حكومة ثالثة، مما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية ويطيل أمد عدم الاستقرار في البلاد.

اقرأ أيضًا : ماسك يهاجم الحكومة الأسترالية بشدة