معروف أن التجسس أحد أدوات الدول في التعامل مع أعدائها داخليا وخارجيا وينشط بشدة في حالات الحروب أو حتى في الدول النامية كوسيلة من وسائل مواجهة المعارضة والخصوم السياسيين للنظم الحاكمة.

لكن مع دولة الإمارات تحول الأمر إلى أداة بغيضة تسعى من خلالها إلى توسيع نفوذها والتدخل في شؤون الدول الأخرى وفق مصالحها، ولم يقتصر الأمر هنا على دول تعاديها أبو ظبي أو تجافيها بل إلى جيرانها الذين تربطهم بها علاقات متينة ضمن مظلة مجلس التعاون الخليجي.

خلية إماراتية

أحدث فصول أخطبوط التجسس الإماراتي، كان ما ألمح إليه وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، حين أعلن ضبط بلاده خلية تجسس لدولة من الجيران لم يسمها، مشيرا إلى أن “مثل هذه الأمور تحدث بين الجيران”.

جاء ذلك تعقيبا على سؤال من مديرة جلسة لـ”النادي الثقافي العماني” بشأن عدم رد الوزير على سؤال من أحد الحاضرين حول ضبط خلية تجسس بالبلاد، حسب ما تضمنه فيديو نقله حساب النادي عبر “يوتيوب”.

وقال علوي، الذي كان يتحدث خلال الجلسة الاثنين عن السياسية الخارجية لعمان، إن “مثل هذه الأمور تحصل بين الجيران”؛ ما دعا الحضور للضحك، دون أن يتضح هل كان أسلوب الوزير تهكما وسخرية أم لا، غير أنه كان يتحدث بهدوء كعادته.

وأضاف: “نحن نتعامل مع كل جوارنا بشيء من اللطف، الكل واحد”، دون أن يعطي ردا واضحا بشأن تفاصيل الخلية ولا اسم الدولة.

هذا الفيديو، دعا عمانيون إلى الانقسام بين من يتهم الإمارات بمعلومات بأنها المقصودة بالوقوف وراء خلية التجسس التي تحدث عنها بن علوي، وآخرون يشككون في الأمر.

وكان أبرز من تحدث عن الخلية الإماراتية عبر “تويتر” حساب “المختار الهنائي” الذي عرف نفسه بأنه صحفي عماني قائلا: “تواجدت اليوم (11 مارس 2019) في محكمة الجنايات بمسقط، التي نظرت في قضية أمنية تورط فيها 5 أشخاص من دولة الإمارات بينهم ضباط، إضافة إلى متهمين عمانيين مدنيين اثنين”.

وأضاف: “القضية بدأت منذ حوالي 3 أشهر بعد أن تم القبض على المتهمين -بعضهم نهاية نوفمبر- والتحقيق معهم ثم إحالتهم للإدعاء العام”، مشيرا إلى أن رئيس المحكمة صنّف الجلسات على أنها سرية مقصرا الحضور على محامي وأهالي المتهمين فقط.

اتهام رسمي

توجيه أصابع الاتهام إلى الإمارات بالتجسس على سلطنة عمان، ليس بالأمر الغريب عليها، فقد أعلنت مسقط في 2011، ضبط خلية تجسس إماراتية، تستهدف نظام الحكم في السلطنة، لكن الإمارات نفت آنذاك صلتها بالأمر، وفق وسائل إعلام.

الخلية اخترقت مواقع عليا في الدولة بهدف إسقاط السلطان قابوس بن سعيد، والعمل على تنصيب شخص يوالي أبوظبي في الحكم، وأعلنت الحكومة العُمانية حينها تفكيك شبكة التجسس التي تتبع جهاز أمن الدولة الإماراتي.

حينها تدخل أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، لاحتواء الأزمة فاصطحب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى السلطنة ليقدم اعتذارا مباشرا للسلطان قابوس، لكن ابن زايد يبدو أنه عاود الكرة من جديد في 2019.

شبكتا التجسس يبدو أنهما مجرد طفو على السطح للعديد من الأزمات التي مرت بها علاقة الدولتين، كان لها العديد من الشواهد، ففي 2008 أغلقت الإمارات معبرا حدوديا حيويا يصل بين مدينتي البريمي العُمانية والعين الإماراتية، وأدى الإغلاق إلى سخط على جانبي الحدود، ترجمته احتجاجات سلمية وتحركات لشيوخ المناطق المتضررة على الجانبين، فأُعيد فتح المعبر تحت الضغط الشعبي.

لكن ثمة عوامل شخصية أخرى تخص ابن زايد أدت لتلك الأزمات، بحسب تقارير إعلامية، فإنه خلال مرض الشيخ زايد بن سلطان ووفاته عام 2004، اشتد التنافس بين أبناء زايد على خلافته، فألقى حينها السلطان قابوس بثقله إلى جانب خليفة، الرئيس الحالي، وساهم بفعالية في تثبيته وحسم الصراع لصالحه ضد إخوته غير الأشقاء، الذين يطلَق عليهم تسمية الفاطميون، وأكبرهم محمد بن زايد.

ابن زايد لم ينسَ هذا الموقف فبعد أن تمكن من زمام الحكم، عمد في 2008 إلى تسريح آلاف الأشخاص في الجيش والشرطة بسبب أصولهم العُمانية، ونُظر إلى القرار حينها على أنه استهداف للسلطنة وتخوين لأبنائها.

أطماع لها جذور

ووفق التقارير فإن أطماع دولة الإمارات في السلطنة لها جذور تاريخية تعود إلى فترة حكم الشيخ زايد، حيث أمر في سبعينيات القرن الماضي بتشكيل خلايا في صفوف العُمانيين من قبيلة الشحوح المقيمين في المناطق المجاورة لإمارة رأس الخيمة، وكسب ولائهم واستمالة بعضهم بإغراءات كبيرة للتخلي عن الجنسية العُمانية وحمل الجنسية الإماراتية.

تجليات هذه الأزمة ظهرت في يناير 2018، حين عرض متحف اللوفر في أبوظبي خريطة تُظهر محافظة “مسندم” العُمانية ضمن حدود الإمارات.

وكانت وسائل إعلام عُمانية كشفت في 2015، قيام الإمارات بعمليات شراء غير مسبوقة لأراضٍ وولاءات قبلية شمالي السلطنة على الحدود مع الإمارات، وقدمت أموالا طائلة لشخصيات قبلية غير معروفة في ولاية مدحاء العُمانية، التي تقع بالكامل داخل الأراضي الإماراتية، ومحافظة مسندم العُمانية.

وما يعكس الأطماع الإماراتية كذلك التحركات المشبوهة التي تهدف الإمارات من خلالها إلى السيطرة على محافظة المهرة، شرقي اليمن، الحدودية مع سلطنة عُمان، في مسعى لإيجاد موطئ قدم لها في منطقة محاذية لمضيق هرمز.

وفي هذا السياق كشف حساب “مجتهد الإمارات” الشهير على “تويتر”، في أكتوبر الماضي، عما وصفها بالمؤامرة ضد سلطنة عُمان يقودها ولي عهد أبوظبي، والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، من خلال دعمهما لما توصف بالمعارضة العُمانية المزعومة في مسندم وظفار.