العدسة – معتز أشرف
مع استمرار الاشتباكات في عدن تتواصل أوراق التوت في السقوط عن الإمارات والسعودية في اليمن؛ حيث تكشفت أزمة التحالف الذي تقوده الرياض ومدى انقسامه وتضارب أهدافه ومساراته، وبينما تهدّد الاشتباكات بين القوات الموالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والمتحالفة مع السعودية، وانفصاليين جنوبيين متحالفين مع الإمارات بعرقلة جهودهما المشتركة لقتال الانقلابيين الحوثيين، تسقط الأقنعة عن ولدي “سلمان” و”زايد ” اللذين أخْفَوا أطماعهما الاقتصادية والسياسية في اليمن وعدن، خاصة بعدما حسبا أنهما في نزهة قد لا تطول.
إعلان التحدي
واستباقًا لما تم تسريبه عبر مصادر دبلوماسية مطلعة من ترتيبات سعودية إماراتية لتجريد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من صلاحياته؛ تلبيةً لرغبة الإمارات بنقل صلاحيات الرئيس هادي إلى آخر أعلن “هادي” التحدي اليمني للخيانات الدائرة، وترأس اجتماعًا استثنائيًا لمستشاريه وقادة الأحزاب والقوى السياسية بحضور نائبه الفريق الركن علي محسن صالح، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالملك المخلافي، قال في خطاب غلب عليه التهديد: ” لا يمكن مطلقًا للتمرد أو السلاح أن يحقق سلامًا أو يبني دولة يستظل في كنفها الجميع، ولازالت أمامنا تجربة تمرد الميليشيات الحوثية على الدولة حاضرة وما ألحقته من خراب وتدمير بالوطن دون أن تجد مشروعية أو يلتفت لها أحد.. لا يمكن القبول بأي احتكام للسلاح لتنفيذ مشاريع سياسية وأي تعدٍّ على الشرعية أو مؤسساتها هو انقلاب حقيقي سيقاومه شعبنا اليمني في كل مكان”.
ودعا الاجتماع بحسب بيان عنه “الجميع ( ولم يسمِّ أحدًا) إلى الابتعاد عن الرهانات الخاسرة والمصالح الشخصية الضيقة، والوقوف إلى جانب الوطن والمواطنين في هذه المرحلة الاستثنائية، وتضافر الجهود من أجل إصلاح أي اختلالات “فيما أطلق محمد علي المقدشي (كبير المستشارين العسكريين للرئيس اليمني) قذائفه نحو التمرد وداعميه قائلًا: إنَّ أي تحرك نحو تمرد سيجعل الجنوبيين أعداءً، لا يوجد فرق بين الحوثيين وأي شخص آخر متمرد على الحكومة الشرعية، بغضّ النظر عمن هم يسار، يمين، جنوب، شرق»، وفي ذات الاتجاه صرَّح رئيس الوزراء أحمد بن دغر تعليقًا على المهلة التي حددها المجلس الانتقالي الجنوبي لحكومة الشرعية بأنها انقلاب ضد حكومة معترف بها دوليًا، مشيرًا إلى أن الوضع يتجه نحو «مواجهة عسكرية شاملة.. وهو ما يعتبر هدية مباشرة للحوثيين وإيران».
وفي اتهام صريح للإمارات قال رئيس الوزراء: إنَّ الإمارات صاحبة قرار إيقاف الحرب في المدينة، متهمًا القوات الانفصالية الجنوبية التي تدعمها الإمارات بتنفيذ «انقلاب» بعد أن استولت على عدة مكاتب حكومية خلال مواجهات دامية في عاصمة البلاد المؤقتة عدن، فيما أعلن مهران قباطي وهو أحد القادة الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي في حديث على تلفزيون اليمن الرسمي أنه تم اقتحام المؤسسات الحكومية في عدن بواسطة مدرعات إماراتية عبر قوة الحزام الأمني، كما أنَّ طيران الأباتشي التابع للإمارات كان يحلِّق فوق معسكراتهم، متهمًا الإمارات بوضوح بالوقوف خلف الانقلاب الجديد على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.
ميدانيًا ، الوضع مستعر؛ حيث فرضت حكومة هادي الحظر علي التجمعات العامة بعدن جنوبي اليمن قبل انقضاء المهلة، أعقبه قتال عنيف ومتكرر تطور إلى لجوء قوات موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة لاستخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة في معارك جديدة تحاول انتزاع السيطرة على قاعدتين من الحكومة وإقالتها، وبينما تجنب أغلب السكان النزول إلى الشوارع وتصاعدت الأزمة الإنسانية لليمنيين، تنشغل قوات الحكومة بحراسة الطريق الرئيسي المؤدي إلى قصر معاشيق الذي تتخذه الحكومة مقرًا لها، فيما طلب القادة العسكريون الذين يقودون المعركة في الجزء الغربي من اليمن من السعودية والإمارات التدخل لوقف القتال في عدن وإلا سيضطرون للانسحاب من جبهة القتال والعودة إلى عدن لمساعدة الرئيس هادي والحكومة.
صحيفة “إندبندنت” البريطانية وصفت ما يحدث بأنه أسوأ اشتباكات بين الانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات والقوات الموالية للحكومة السعودية وأنه يهدد بعرقلة جهودهم الحربية الموحدة ضد الحوثيين المواليين لإيران، وذلك بعد 3 سنوات من الصراع المرير، مؤكدة أن “المغامرة العسكرية التي شنتها السعودية والإمارات، ضد جارتها اليمن الأكثر فقرًا والأقل استقرارًا سياسيًا ليس لها مثيل، وأنها كانت تهدف إلى إرسال إشارة حاسمة بأنها ستعارض التوسع الإيراني في عقر داره”.
سيناريوهات متعددة
البعد الاقتصادي هو الذي يحرك نهايات السيناريو الأول حيث يتحدث مراقبون عن أنَّ البعد الاقتصادي هو الذي دفع “الإمارات والسعودية إلى إشعال الفوضى في الجنوب، بالذات في عدن، بعد تصاعد واتساع الرفض الشعبي الجنوبي للتواجد العسكري الإماراتي السعودي في محافظات الجنوب، بهدف إخضاعهم للاستجابة للوصاية الإماراتية السعودية للسيطرة على الجزر اليمنية، سقطرى وميون، وباب المندب، وبحر العرب، والبحر الأحمر، بهدف حماية مصالحها الاقتصادية في ظلّ المتغيرات القادمة في طرق حركة الملاحة الدولية؛ حيث يمتلك الجنوب موقعًا استراتيجيًا مهمًا في حركة الملاحة الدولية يؤهله في المدى القريب لأن يلعب دورًا مهمًا وأساسيًا، كشريك اقتصادي في حركة انتقال البضائع والتجارة الدولية بين مختلف قارات العالم، وهو الأمر الذي أخاف الإمارات، وسعت إلى تأجير ميناء عدن في بداية الأمر، وهي اليوم تسيطرعلى ميناء عدن بدون مقابل.
وبحسب موقع تجمع الإصلاح الناطق بلسان الإخوان المسلمين في اليمن فإنَّ سيناريو الفوضى هو المتوقع في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، مشيرًا إلى أنَّ ذات الخطوات التي حدثت في انقلاب صنعاء تكررت بطريقة مدروسة ومتكاملة في عدن، مؤكدًا أنَّ المجلس الانتقالي يقول نفس الكلام إنه مع الشرعية، لكن الحكومة فاسدة، ولكن إذا سقطت الحكومة طاح هادي والشرعية ودخلنا الانقلاب رقم 2 لنفس الراعي والممول، والخطوة التالية سيكون المطلوب هادي، ولا توجد دولة ثانية يلجأ لها لطلب المعونة والدعم لإعادة شرعيته إلا كوريا الشمالية، إذًا هي الفوضى ولا غيرها التي تسعى إليها المليشيات الانقلابية في كل من صنعاء وعدن وإدخال اليمن في أتون صراعات لا تنتهي.
الانفصال الجنوبي سيناريو مطروح في ظل الأوضاع الراهنة، وبحسب محللين فإنَّ الشَّعب اليَمني بات ضَحية صِراع الفِيلة وبات الانفصال وشيكًا بحيث يغيب الجنوب تمامًا عن خارطة اليمن، خاصة وأن المجلس الانتقالي الجنوبي تشكل قبل عام لإعلان دولة مستقلة في الجنوب، فيما يرى البعض أنّ الاكتفاء بتقليم اظافر الرئيس اليمني هادي هو السيناريو المقصود من المؤامرة الإماراتية، والذي قد يصل للاكتفاء باستبعاده ونقل صلاحياته لحليف إماراتي؛ حيث يري مراقبون أنَّ المسألة أكبر من مجلس الحُكم الانتقالي ومطالبة بإسقاط حكومة أحمد عبيد بن دغر بتُهم الفَساد وانعدام الكفاءة، فالزبيدي فصل بقرار من الرئيس هادي رغم تمتعه بدَعم الإمارات المسيطرة علي الجنوب، والتي لم تَكُن مُطلقًا على علاقةٍ جيّدة مع الرئيس منصور هادي المُقيم في الرياض، ولم تَرتحْ لإبعاده الخالد بحاح رئيس الوزراء الأسبق المُقيم حاليًّا في أبو ظبي، وإحلال بن دغر مكانه، خاصةً وقد ظهر ذلك عندما حاول الرئيس هادي منصور زيارة أبو ظبي قبل عام في مُحاولةٍ لتَطويق الخِلافات مع قِيادتها، لكنه لم يَجد في استقباله في المطار غير ضابِط مُخابرات، وتَعرّض للكثير من التَّقريع من قِبل الشيخ محمد بن زايد، وليّ العهد الذي التقاه في ممر القِيادة وقوفًا فقط، وفق تقارير إخباريّة لم يتم نفيها.
وسقطت ورقة التوت
أما المغرد المعروف بتسريباته وثيقة الصلة بالحقائق “مجتهد” فكشف في تغريدات له عن سقوط مدوٍّ لولدي “سلمان” و”زايد”، مؤكداً أنه لا يوجد خلاف بين ابن سلمان وابن زايد حول وضع الجنوب وكل ما يقال عن أنَّ المعركة سعودية إماراتية بالوكالة أسطورة حمقاء، فابن زايد يريد فصل الجنوب بخطة واضحة، وكان تأسيسه لتشكيلات مسلحة مختلفة في الجنوب وتدريبهم وتسليحهم واضحًا لتنفيذ هذه الخطة، وكل ذلك بعين وعلم ومعرفة ابن سلمان، وابن سلمان كان يريد إبقاء اليمن موحدًا في بداية الحرب حين كان يظنّ أن الحرب لن تستغرق سوى أسبوعين وينهار الحوثي، لكنّه حيث فشل فشلًا ذريعًا غيَّر موقفه ولم يعد له تحفظ على فصل الجنوب، بل تمكن ابن زايد من إقناعه بالتفرغ للشمال وترك الجنوب له، لكنه اصطدم بعوائق وضعته في مأزق كبير.
ثلاث عوائق بحسب مجتهد لهذا السيناريو تمكن في تشبث قوات “الشرعية” في الجنوب بالوحدة ورفضها أي إملاء سعودي بالانسحاب من مواقعها، خاصة وأنها أشد بأسًا من قوات ابن زايد، وقد حاول ابن سلمان الضغط على هذه القوات بالانسحاب منذ مواجهات مطار عدن قبل عدة أشهر ورفضت قيادة هذه القوات وهددت بالاستغناء عن الدعم السعودي، فيما يدور العائق الثاني حول “إذا استولت قوات الانفصال على عدن فماذا يبقى لـ”شرعية” هادي، وأن يضع له مقرات ولو شكلية؟ وبالمناسبة فإنَّ هادي شخصيًا لا يمثل أي عقبة فهو معدوم الشخصية ومطيع جدًا، ومستعد لتنفيذ أوامر السعودية والإمارات أيًا كانت هذه الأوامر، لكن المشكلة في شكلية الشرعية التي يمثلها”.
فيما يَكمُن العائق الثالث في أنَّ المبرر الأساسي لانطلاق الحرب في الأصل هو القضاء على الانقلاب ضد الشرعية الذي هو انقلاب الحوثي فكيف يمكن السماح بانقلاب ضد الشرعية على يد نفس قوات التحالف، مؤكدًا أنَّ الخلاصة أن القضية ليست خلافًا سعوديًا إماراتيًا بل مأزقًا كارثيًا لابن سلمان، وكل الاحتمالات مدمرة لمشروعه في اليمن.
اضف تعليقا