العدسة – ربى الطاهر
ظهرت مؤخرًا العديد من الأبحاث، التي تقول بإمكانية علاج مرضى الفصام بطرق غير تقليدية، وكان منها ما أعده فريق من الباحثين من معهد الطب النفسي والأعصاب، في جامعة كينجز كوليدج لندن، وجامعة روهامبتون، الذين أجروا تجربة على عدد من المرضى المصابين بانفصام الشخصية (شيزوفرينيا) قاموا من خلالها بتدريبهم على لعبة فيديو بهدف السيطرة على الجزء المرتبط بتلك الهلاوس السمعية التي يتعرضون لها في المخ.
ومن خلال المتابعة الطبية تمكن المرضى داخل التجربة من إسقاط صاروخ في اللعبة، حيث كان يتصل بجزء في المخ خاص للكلام والأصوات البشرية.
وتمكن المرضى فعليًّا من استخدام تلك الطريقة المختلفة خلال حياتهم اليومية في الأوقات المحددة، حتى يتمكنوا من السيطرة على تلك الهلاوس الصوتية، إلا أن الباحثين القائمين على هذه الدراسة أكدوا أن اتباع هذه التقنية يمكن تطبيقها على مرضى الفصام، الذين لا يستجيبون للعلاج الطبي التقليدي.
وفي نفس الوقت أكدوا أن النتائج التي خرجوا بها من هذه الدراسة لا زالت بحاجة إلى المزيد من الاختبارات للتأكيد على نتائجها.
حيث إن مرضى الفصام الـ 12، الذين خضعوا لتلك التجربة كانوا يعانون من هلاوس سمعية مزعجة بشكل يومي، وهو عرض مشهور بين مرضى الفصام، فهؤلاء المرضى تكون لديهم القشرة السمعية أكثر حساسية ونشاطا من الأشخاص الطبيعيين؛ وهو ما يجعلهم أكثر حساسية تجاه أية أصوات، سواء كانت أصواتًا بشرية أو غير ذلك.
لذلك عندما قاموا بمتابعة لعبة الفيديوالخاصة بالتجربة لملاحظة السيطرة على تلك الهلاوس كانوا في أثناء ذلك يخضعون لتصوير المخ بماسح ضوئي خاص بأجهزة الرنين المغناطيسي.
وركز الباحثون على تصوير تلك المنطقة الحساسة للأصوات البشرية والكلام في المخ، التي عادة ما تكون عالية النشاط لدى المصابين بالفصام والهلاوس السمعية.
وقام العلماء بتصميم تقنية جديدة تُمكن المرضى الذين يتعرضون لتصوير أشعة الرنين المغناطيسي من مراقبة نشاطهم العصبي في تلك المنطقة الحساسة للأصوات البشرية بالمخ، وهي تقنية “التغذية العكسية العصبية”.
حيث يتم تجسيد النشاط العصبي بتلك اللعبة على هيئة صاروخ فضائي مصمم عن طريق الكمبيوتر، وكان المطلوب من المرضى التغلب على هذا الصاروخ وإسقاطه على الأرض، مع ملاحظة عدم توجيه المرضى بأي شكل لكيفية إسقاط الصاروخ، بل إنه في مرحلة لاحقة كان يطلب منهم تطوير خططهم العقلية المتبعة لتحريك الصاروخ وإنزاله إلى الأرض .
واستطاع المرضى الخاضعون للتجربة، بعد أربع مرات، تم فيها تعريضهم للماسح الضوئي لأشعة الرنين المغناطيسي من تخفيض هذا النشاط العصبي في تلك المنطقة الخاضعة للتصوير بالمخ والحساسة للأصوات البشرية، بل وتمكنوا من السيطرة على نشاط المخ، دون تغذية عكسية مرئية من الصاروخ الفضائي.
وبالفعل اعتاد المرضى بعد تدريبهم على تلك اللعبة من تجديد خططهم بها حتى يتمكنوا من تطبيق ذلك خلال حياتهم اليومية.
وقامت دورية “ترانسلاشنال سايكياتري” العلمية، بنشر نتائج تلك الدراسة التي علقت عليها الدكتورة ناتاشا أورلوف، من جامعة كينجز كوليدج لندن: ” برغم أن عدد المرضى الذين خضعوا للتجربة لم يكن كبيرًا إلا أن النتائج التي خرجوا بها مبشرة، ولكن المنتظر الآن هو التخطيط لإجراء ذلك البحث على عينة عشوائية بشكل أوسع، لاختبار هذه التقنية والتأكد من نتائج تلك الدراسة”.
كما قامت دراسة أخرى مشابهة، نشرتها مجلة the lancet للطب النفسي بإجراء علاج تجريبي لمرضى الفصام، ولكن هذه المرة من خلال وضع مرضى الفصام في مواجهة شخصية رمزية، واختيرت شخصية “الأفاتار” لتقوم بدور الهلاوس السمعية داخل رءوسهم على أجهزة الكمبيوتر.
ووجد الباحثون الذين قاموا بالتجربة العشوائية، أن إخضاع المرضى للتعامل مع تلك الشخصيات على أجهزة الكمبيوتر “الأفاتار”، قد حقق تقدمًا أعلى في الحد من تلك الهلاوس السمعية التي يتعرضون لها، مقارنة بهؤلاء الذين تعرضوا لنفس المدة الزمنية 12 أسبوع لاستشارات الدعم النفسي.
ولكن لازال الباحثون بحاجة لإجراء المزيد من الأبحاث للتأكد من نتائج وفاعلية هذا المنهج الجديد في الحالات المرضية الأخرى، خاصة وأن هذا الأسلوب المتبع في العلاج لم يطبق على نطاق واسع، ولكنهم يؤكدون أنه في حالة نجاح هذه التجربة على الحالات المرضية المغايرة فسيؤثر ذلك العلاج من خلال شخصيات “الأفاتار”على طرق العلاج لملايين من مرضى الفصام حول العالم.
وقد خضع لتلك الدراسة 150 مريضًا من مرضى الفصام الذين يعالجون منه منذ ما يقرب من 20 عامًا في بريطانيا، ويتعرضون بشكل مزعج لهلاوس سمعية لما يزيد عن عام، وقد تلقى منهم نصف العينة 75 مريضًا، علاجًا يعتمد على مواجهة شخصيات الكمبيوتر ” الأفاتار” في حين تلقى نصف العينة الأخرى، الـ 75 الآخرون، علاجًا يعتمد على استشارات من الدعم النفسي، وواصلوا جميعهم تناول الأدوية المضادة للذهان، كما هو معتاد من قبل إخضاعهم للتجربة.
وقد استمر العلاج بشخصيات الكمبيوتر “الأفاتار” لمدة ستة أسابيع يتلقون فيها جلسة أسبوعية، مدة الجلسة الواحدة 50 دقيقة، وقد تدرب المرضى قبل بداية التجربة مع أحد المعالجين على كيفية وضع أسلوب محاكاة على الكمبيوتر، أو “الأفاتار” لتلك الأصوات التي يريدون التخلص منها بما يحتويه أقاويل هذا الصوت وكيف يبدو.
وقال توم كريج، المشرف على هذه الدراسة في مستشفى مودسلي في بريطانيا: ” إن ما جاءت به النتائج دليل يؤكد بشكل مبكر أن العلاج بهذه الطريقة (شخصيات الكمبيوتر الأفاتار) تحسن بشكل أسرع تلك الهلاوس السمعية، وأضاف أن هذا التحسن بالنسبة لمرضى العينة استمر إلى الآن لمدة ستة أشهر”ولكنه استطرد بقوله: “هذا لا يعني الاطمئنان إلى هذه النتائج دون استمرارية البحث، فمازال هناك احتياج إلى المزيد من الدراسة لتحسين طريقة العلاج وتأكيد فاعليتها في ظروف أخرى”.
والفصام هو اضطراب نفسي يؤدي إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي وانعدام الإرادة ويصاب به حوالي 0.3-0.7% من الناس خلال فترة ما من حياتهم، وقد قدر إصابة حوالي 23.6 مليون حالة حول العالم، في العام 2013، وفي نفس العام قُدر حدوث ما يقارب من 16,000 حالة وفاة، بسبب سلوكياتٍ ذات علاقة أو ناجمةٍ عن الفصام.
ومن أكثر الأعراض شيوعًا الضلالات والهلاوس السمعية، وغالبًا ما يكون لدى المصابين بالفصام مشاكل نفسية أُخرى، مثل القلق والاكتئاب واضطراب تعاطي المخدرات، عادة ما تبدأ هذه الأعراض في الظهور مع مرحلة البلوغ، وتستمر لفترة طويلة.
وقد ترجع الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالفصام إلى عوامل بيئية لها علاقة بالنشأة في المُدن وتعاطي المخدرات، وربما بعض الأمراض المعدية، وعمر الوالدين، وكذلك سوء التغذية أثناء الحمل.
أما العوامل الجينية، فتشمل مجموعة من المتغيرات الجينية الشائعة والنادرة في نفس الوقت، ويبلغ احتمال تشخيص الإصابة بالفصام لدى الأشخاص الذين لديهم سوابق عائلية للإصابة بالفصام ما بين 20-40% بعد سنة من ظهور أعراض الذُّهان العابر.
وقد اختلف حول النسبة التي ترتبط بانتقال مرض الفصام عن طريق الوراثة، وربما السبب في ذلك هو صعوبة الفصل بين الآثار الجينية والبيئية، إلا أنه تم الاتفاق على تقدير أن أكثر ما يمثل خطورة على مريض الفصام، هو وجود قريب من الدرجة الأولى مصاب بالمرض، وتصل نسبة الخطر إلى 6.5%.
كما تصل النسبة بين التوائم المتماثلة في حالة إصابة الوالدين المصابين بالفصام، إلى أكثر من 40%، وتقل النسبة في حالة إصابة أحد الوالدين بالمرض إلى 13%.
ولم يُستدل على أن أسلوب التربية ذو تأثير واضح في الإصابة بالمرض، وإن كان وجود أبوين داعمين يؤثر بشكل إيجابي، وتكون الحالة أفضل من تلك التي تتواجد مع أبوين ناقدين أو عدائيين.
كما ترتفع نسبة الإصابة بالذهان في مرحلة الطفولة عند التعرض للصدمات النفسية أو موت أحد الوالدين أو سوء المعاملة، وقد وجد كذلك أن المعيشة في بيئة حضرية أثناء الطفولة أو المراهقة ترفع من خطر الإصابة بالفصام بعامل أو عاملين.
وأثبتت الفحوصات أن حوالي نصف المصابين بالفصام يتعاطون المخدرات، أو يقدمون على تناول الكحول بشكل مُفرط، وعلى الرغم من عدم الاعتقاد عمومًا بأنه مسبب للمرض، إلا أن المصابين بالفصام يستهلكون النيكوتين بنسب أعلى بكثير من عامة الناس.
اضف تعليقا