“قرار في ظاهرة الرحمة، لكن قد يكون في باطنه العذاب لكثير من أبناء الشعب السوداني”، هكذا وصف بعض المراقبين القرار الأمريكي الأخير القاضي برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 عاماً.

وبرغم الترحيب الكبير الذي استقبلت به الخارجية السودانية القرار، واعتبرته فتحا يمكّن السودان من الانتقال إلى مرحلة التطور، فإن أطرافا بالمعارضة السودانية لم تعلق على القرار بعد، فيما تلقاه آخرون بشيء من القلق.

فالقرار يأتي في وقت يوسع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سياسة فرض العقوبات على دول عربية وإسلامية مختلفة، وكذلك يأتي في وقت يزيد فيه من قوائم الدول المحظور السفر منها إلى الولايات المتحدة.

فلماذا رفع الحظر في هذا التوقيت؟ ثم ماذا عن دور الإمارات والسعودية في هذا القرار؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه السودان لتلك الدول مقابل إقناع الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ تلك الخطوة؟

ما فحوى القرار؟

القرار الذي صدر مساء الجمعة، أعلنت فيه وزارة الخارجية الأمريكية، رسميا رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 20 عاما، مشيرةً أن القرار جاء “اعترافا بالإجراءات الإيجابية لحكومة الخرطوم”.

وقال بيان للخارجية الأمريكية: “اعترافا بالإجراءات الإيجابية التي اتخذتها حكومة السودان للحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق النزاع”، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق السودان، قررت الولايات المتحدة اليوم إلغاء العقوبات الاقتصادية فيما يتعلق بالسودان وحكومته”.

فيما لم يتضمن القرار الأمريكي رفع السودان من قائمة وزارة الخارجية للدول “الراعية للإرهاب”، المدرج عليها منذ 1993.

 

تسلسل زمني للعقوبات

ويرجع التسلسل الزمني لأزمة فرض العقوبات الأمريكية على الخرطوم، إلى أغسطس 1993، عندما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ ردا على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فيما أوقفت الولايات المتحدة عمل سفارتها في الخرطوم، عام 1996.

وللمرة الأولى في عام 1997، أصدر الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت “بيل كلينتون” قرارا بفرض عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبه تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية له.

وفي أغسطس من العام التالي، شنت الولايات المتحدة هجوما صاروخيا على مصنع الشفاء للأدوية في السودان، بسبب إنتاج المصنع مواد كيميائية تدخل في صناعة أسلحة كيميائية، حسبما قالت الولايات المتحدة عام 1998 في أعقاب الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة في العاصمة الكينية نيروبي وعاصمة تنزانيا “دار السلام“.

وفي عام 2006، فرضت حزمة أخرى من العقوبات ردا على العمليات العسكرية السودانية في منطقة دارفور، حيث جاء الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش (الابن) فأصدر قراره لتزداد الأمور تعقيدا.

وفي العام نفسه، أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) قرارا بالحجز على أموال 133 شركة وشخصية سودانية في نفس العام.

وفي نوفمبر 2011، جدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، العمل بقانون الطوارئ الوطني المفروض على السودان، على أن يشمل التمديد توسعة نطاق القانون المعني ليشمل تجميد ممتلكات بعض المسؤولين السودانيين.

وجاء القرار الأمريكي الجديد برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، فيما أبقى القرار على السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو مايعني استمرار القيود على تلقيها المساعدات الأجنبية، أو بيع السلاح إلى دول أجنبية، إلى جانب قيود على بنود أخرى.

وتسببت العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية المفروضة على السودان منذ عام 1997 في خسائر اقتصادية قاربت 50 مليار دولار.

 

البلاد لن تستفيد منه اقتصاديا

وفقا لمراقبين فإن السودان لن يستفيد كثيرا من هذا القرار، حيث أكد “علي نايل”القيادي في الحزب “الاتحادي الديمقراطي الأصل” السوداني أن رفع الحظر إن لم يتم معه تغيير في السياسيات الاقتصادية للحكومة الحالية فلا قيمة له.

وقال “نايل” وفقا لتصريحات لقناة “الجزيرة”:أنا أستغرب من تصوير الحكومة السودانية لقرار رفع العقوبات الاقتصادية بأنه “فتح مبين”، وهو في الواقع لا يتعدى جزءا يسيرا من أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.

وتساءل “نايل” عن جدوى رفع الحظر الاقتصادي في ظل سياسات اقتصادية وصفها بالعقيمة؛ أدت إلى مشكلات البلاد الحالية، بحسب قوله.

ابتزاز خليجي وتضحية بالجيش

وبشكل واسع، حاولت أغلب الصحف الإماراتية والسعودية، إظهار قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان بأنه انتصار للجهود الدبلوماسية السعودية والإماراتية، حيث ضغطت كلتا الدولتين لإقرار رفع الحظر.

لكن في المقابل تؤكد تقارير مختلفة، أن مابذله الإمارتيون والسعوديون من جهد لرفع العقوبات عن السودان ليس من أجل عيون السودانيين، ولكن تلك الجهود رغبة في استغلال الجيش السوداني كدروع بشرية في حرب الإمارات والسعودية ضد الحوثيين في اليمن.

وفي وقت سابق اعتبرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية أن المساعي لإزالة العقوبات عن السودان بفضل اللوبي الإماراتي القوي في الولايات المتحدة، وذلك مقابل دعم الخرطوم لعمليات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.

ومنذ نحو عامين ويميل الرئيس السوداني عمر البشير إلى السعودية والإمارات ويندمج في معسكرهما في المنطقة في غالبية القضايا، بحسب مراقبين.

ومنذ إعلان الرئيس البشير في 2015 مشاركة بلاده في التحالف العربي ضد الحوثيين الشيعة في اليمن، وتحاول السلطات السودانية جاهدة إخفاء أيّ معلومات تتعلق بالقوات البرية التي لا تزال حتى اليوم تصل عبر البحر الأحمر، بالخفاء والعلن.

وتشير مصادر عسكرية يمنية إلى أن عدد القوات السودانية التي وصلت إلى اليمن منذ بدء عاصفة الحزم، تتخطى الـ 8 آلاف، قتل منهم نحو 300 جندي.

وتنشط هذه القوات في محافظة عدن، حيث تتوزع بين منطقة المعاشيق ومطار عدن الدولي ومنطقة صلاح الدين، وفي الساحل الغربي الممتد من ميدي شمالاً حتى باب المندب جنوباً، ودورها هو «الاشتباك المباشر على الأرض وليس الدعم فقط»، في حين يقتصر دور القوات السعودية والإماراتية على القصف الجوي.

وخلال موسم الحج هذا العام قرر الملك سلمان استضافة من وصفهم بأسر شهداء الجيش السوداني المشارك في عملية عاصفة الحزم بقيادة السعودية في اليمن، تقديرا لجهودهم في الدفاع عن السعودية.

وعلى هذا الأساس فإن مراقبين يتخوفون من أن يكون هذا القرار هو مقدمة لمزيد من الابتزاز الإماراتي/السعودي للسودان، حيث سيتم الدفع بآلاف من أفراد الجيش السوادني في حرب لا علاقة له بها، من أجل مزيد من تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها.